الخميس ١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم حفيظة مسلك

هو وهي

هو:ظهر ضوء ساطع على مرأى تلك العاصفة، غبار الرمال يتطاير من كل الجهات، ينبعث صوت كالرعد وينفجر الصمت فجأة، كل شيء تغير حتى لون السماء، تراجعت الشمس، اختفت النجوم وأعرضت الأشجار عن الغناء، توقف الزمن واندفعت الكوابيس الضارية، لحظة تقف في اصطفاف متناسق، تتمايل بين الغيوم أسمال معركة حامية الوطيس، اختنق الزكام واختنقت معه باقي الحواس، يحلم بأشياء يتعسر عليه نيلها أو لمسها، القلب يتململ والقلق يفترش السراب ومن بين المسافات المهتزة والخطوات الآثمة يلثم يدها، يحاول ترتيب الأجواء المبعثرة في قعر الفنجان، يخاطبها بلهجة قوية: إلى متى سنبقى على هذا الوضع؟ مندهش انا!! مستغرب لكمية التناقض وفحيح لهاثكِ الذي أتى على الأخضر واليابس، عجيب أمرك يا زوجتي العزيزة…!! أهو عمى البصيرة أم قانون العصر الحديث؟ أم شريعة الغاب الموحشة؟ أم أنني مجبر على إيقاظكِ دائما لترجعي ذلك الحمل الوديع!!

هي: بوجهها الضاحك واللعوب، عيناها الملونتان والغارقتان في بحر من العسل، شفتاها الورديتان وعلى الخدين امتداد للحمرة بهذه التضاريس والملامح يسطع بياض بشرتها..ما بالك اليوم؟ منتفض..غاضب.. معكر المزاج..لا افهمك.. لا أستوعب تصرفك..تبدو سرعتك أكبر من سرعة الصوت؟

تعرف بأنني صغيرة ومنك تعلمت كيف أرقنُ كلامي، متأكد أنت بأنني فيلسوفة زماني وأبطال روايتك البائسة هم في الأصل أبطال روايتي، نعيش على هامش المنح والمساعدات وحالنا مثل حال الدول العربية نلهث كل يوم وراء الجمعيات لتقرضنا المال كي نستمر حتى الرمق الأخير، ما الذي يحصل لك اليوم؟؟ تعاتبني بكلمات شعبية يخدش بها الأزواج حياء المحاكم، أفٍ...ما حاجتنا لهذه الاسطوانة، فدول العالم الثالث تصادق بعضها، أولسنا فقراء، دموعنا بالأطنان، أم أنك تريد أن تبدع نظرية اقتصادية جديدة؟ أم انك ترغب في اختراق عالم الساسة..هيا.. دع عنك هذا الدور فهو لا يلائمك، عليك يا زوجي بكأس شاي منعنع ولتترك حمم مناقشتك بعيدة عن بيتنا، فتكفينا ثقافتنا الهاربة من معتقل الصمت وسمفونية الاتفاقيات المتطلعة إلى الأفضل.

هو: يصفق بكلتا يديه ثم يدور حول نفسه..رائع.. رائع.. رائع يا زوجتي، أخيرا بدأتي تحللين وتنتقمين لنفسك، أم تحرضيني على كرهك؟حقيقة انتي غريبة.. لا تظهرين عبقريتك الا عندما ترميك سهام الحقيقة ورغم سنوات زواجنا ما زلتُ أجهلكِ، لا أعرف من منا يحتاج لدورة تكوينية واعادة المفاهيم وفق تصور عصري يتلاءم مع كلا الجنسين، بكلامك أفهم بأن حتى المشاعر أصبحت في عالم كان، ثم يقهقه عاليا، أي نرجسية هذه.. ألن تنزلي من برجك العاجي وتتركين حال الأمم وتفرقين بين دولة كبيرة ودولة تعيش على هامش الخريطة، أظنك مصابة يا عزيزتي بداء العاطفة الرقمية؟؟؟ تعيشين على النقيضين حد الثمالة وتشربين كأس النبيد الأحمر لتبني من حطام أمنيتك قلعة لمجدكِ، أين هو قلبك وعاطفتك، ألم نتعاهد على العيش بعيوبنا ومحاسننا؟ أفهم من خلال خاطرتك اننا بتنا نتقمص دور البطولة على مسارح العبث وترقصين مع غيري لنيل مبتغاكِ وتقبلين الود من الغريب حتى ترضي دائقتكِ، وأنا وأنا وأنا (صارخا) هل فكرتي في علاقتنا والبرود ينهش مجرتنا...؟؟؟

هي :تبتسم بعدما طأطأت رأسها، نحن غرباء..يا...يا...يا زوجي.. لا أحب أن أقتص منك، أو أستغل الوضع لأبني صورة متكاملة الرشوة، تصور يا إبن العم نعيش وسط الصحارى العطشى، انا لم أتغير ولكن الحياة قاسية كلما ركبا الموج تلطمنا التيارات، كلما بددنا الغيوم تواجهنا العواصف..ولن استطيع الوصول إلى غياهب قلبك، فالوصول إليه ضربٌ من المستحيل، لي وطن قرب مملكتك وأنت مجبر على تحمل تبعات هذا الأختيار الذي جعل منا زوجين والاختلاف بيننا في بصمة الإبهام وليس في جذوة تلاقينا، فلا تعصر ما تبقى لي من عصارة قلبي، فلقد أخدتُ عهدا أن لا أجعل من زمني خرافة عابرة...تنهدت..تم إسترسلت في كلامها : سأركض في كل الاتجاهات وعليك بالتنازل فهو ليس بجرمٍ ولا ضعفٍ...

هو :ماذا...ما الذي فعلته لكِ حتى توظفين اللغة الرسمية للصفع والجلد..؟ استرخى على اريكته، تاركا فيض سيجارته تتساقط في زبد المكان.. فبدت له الحياة تجرجر السواد، وبدأ يعد.. واحد..اثنان..ثلاثة.. عشرة.. اربعون سنة.. ولا أعرف إلى أين أسير ولا كيف سأتفق معك رغم كل محاولات الصلح والنقاش بيننا..كلما بدأتُ الحوار معكِِ ترسمين حدود حظر التجوال والإقتراب من اليقين.

هي: تعبث بشعرها وتدير رأسها نحوه، تعرف بأن الحل موجود ولكنك لا تريد الاعتراف به، لديك أمنيات وأفكار رجل مختلف ولكي نتفق عليك أن لا تنظر إلى تجاعيد الزمن، هناك شيء لم يخطر ببالك أو أنك نسيته أو تناسيته..تقترب منه وتطلب منه أن يغمض عينيه وتهمس له في أذنه جملة أعدتها لتكسر بها شوكته قائلة: إذا عمت المصيبة هانت يا طفلي الكبير.. تم تضحك وتضحك وتضحك...

هو: شقية أنتي يا زوجتي..

ينظر إلى الأفق مرة ثانية، تسقط من عينيه دمعة حامية، تنتفض حواسه، يترفع جسده عن المكان، يعلم علم اليقين أن للحديث بقية...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى