الخميس ١٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم صقر أبو عيدة

هُوَ النِّيـلُ.....

جَلَسَتْ عَلى طَرَفِ النَّهَارِ..
وَعَينُها تَرْنُو إلى خَفَقَاتِ قَلْبٍ..
لا يُبَالِي إِنْ هَلَكْ
وَتَقُولُ هَاتُوا ثَوبَهُ..
لا تَغْسِلُوهُ مِنَ الدِّمَاءِ..
فَعِطْرُهُ نَزَعَ الْمُرُوءَةَ مِنْ حَلَكْ
وَقَدِ ارْتَقَى في الْحُبِّ..
تَغْرِفُ مِنْ مَلاحِمِهِ شِفَاهُ النِّيلِ..
وَالأُمُّ الّتي خَرَجَتْ تُكَحِّلُ أَعْيُنَ الشُّهَدَاءِ قَبْلَ صَلاتِهِمْ
لَمْ تَتْرُكِ الْعَينَينِ يَا وَلَدِي..
وَلا قَلْبِي تَرَكْ
يَاقَومِ غَطُّوا قَبْرَهُ بِالْحُبِّ مَجْبُولاً بِعُمْرِي وَالثَّرَى
نَادُوا عَلَيهِ لأَرْوِيَ الرِّمْشَ الّذِي انْتَظَرَ السَّحَابَ..
فَيِغْسِلَ الأَجْفَانَ مِنْ خَمْرِ الْكَرَى
قَالَتْ لِيَ النَّسَمَاتُ قَدْ أَسْقَيتُهُ نِيلَ الْكَرَامَةِ..
فَامْتَطَى عُرْفَ السَّفِينَةِ وَاشْتَرَى
دِفْءَ الأُمُومَةِ فَامْتَلَكْ
يَا أُمُّ يَا حُبَّاً نَرَى
قُولِي لِمَنْ صَنَعَ الرَّصَاصَ وَقَوسَهُ
لا أُمَّ لَكْ
قُولِي لِمَنْ حَكِرَ الْحُرُوفَ وَلَونَهَا
مَا أَجْهَلَكْ!
وَلِمَنْ يَبِيعُ حِصَانَنَا في حَقْلِنَا
مَنْ خَوَّلَكْ؟
يَا وَرْدَةَ النِّيلِ الّتي مِنَ رَحْمِهَا لَمَعَتْ كَوَاكِبُ سَرْبَلَتْ نَغَمَ الْبِلادِ..
مُحَمَّدَينَ وَصِنْوَهُ عَوَضَينِ أَوْ مَنْ قَلْبُهُ في حُبِّهَا قَدْ بَجَّلَكْ
شَدُّوا حِبَالَ قُلُوبِهِمْ
ذَهَبَ الصَّبيُّ يُعَطِّرُ الأَرْضَ الّتي حَمَلَتْ تَضَارِيسَ الْقُرَى
قَذَفَ الْخِصَامَ عَنِ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَكْ
لِيَسِيرَ بِالرُّوحِ الّتي شَرَعَتْ لَها سُفُنُ الضَّمِيرِ فَأَبْلَجَتْ
يَا بَهْجَةَ الدُّنْيَا لَكِ الدُّنْيَا وَمَا فِيها انْتُهِكْ
وَالنّيلُ فَاضَ عَلى ضِفَافٍ تَشْتَهِي غَضَبَ الْمَلِكْ
فَصَوَامِعُ الْقَمْحِ اخْتَفَتْ وَسَطَ النَّهَارِ وَغَرَّبَتْ
يَا نِيلُ نَسْرُكَ يَقْطِفُ الأَحْلامَ غَصْباً مِنْ حَنَكْ
يَا نِيلُ أَنْتَ عَلى جَبِينِ الْكَونِ..
مَنْ ذا يَخْذِلُكْ؟
يَا نِيلُ صَمْتُكَ قَامَ غَيظاً مِنْ زَمانٍ أَثْقَلَكْ
يَا نِيلُ تِلْكَ - بَهِيَّةٌ - أُمُّ الْفَتَى
تَهْفُو إلى دَرْبِ اللُّقَى
لَقَفَتْ نَدَى صُبْحٍ يُزَيِّنُ جِيدَهَا
في عُرْسِ شَعْبٍ لَمْ تَنَمْ نَبَضَاتُهُ
مَن أَشْغَلَكْ؟
مَلأَتْ جِرَابَ فُؤَادِهَا شَغَفَاً..
لِتَذْرِفَهُ قُصَاصَةَ قِصَّةٍ كُتِبَتْ دَمَاً في مُعْتَرَكْ
يَا نِيلُ قُلْ لا تَحْزِنِي
فَأَنَامِلُ الشُّبَّانِ تَصْرُخُ هَا هُنَا
خُضْنَا مَعَكْ
يَا نِيلُ أَرْضُكَ رَتَّلَتْ سُوَرَ الْكِفَاحْ
مَا عَادَ نَسْرُكَ يَمْتَطِي صَمْتَ الْقُبُورِ أَوِ النُّوَاحْ
مَنْ ذَا الّذِي قَطَعَ الصِّرَاطَ وَضَوءَهُ
حِينَ الصَّلاةِ فَعَطَّلَكْ؟
فِإِذَا الْجُمُوعُ تَرَنَّمَتْ فَجْراً وَغَرَّدَ طَيرُهَا
وِإِذَا الرُّعُودُ تَمَرَّدَتْ جَهْرَاً يُرَفْرِفُ زَنْدُهَا
يَا أُمُّ قُومِي فَاغْسِلي خَدَّ الصَّبَاحْ
فَالنِّيلُ لَمْلَمَ فُلْكَهُ وَتَبَسَّمَتْ حَدَقُ الْمِلاحْ
هُزّي إِلَيكِ صُرُوحَ أَيَّامٍ خَلَتْ
حُطّي عَلى جَفْنِ الْبِلَى صَدْرَ الْوِشَاحْ
لَكِ طَرْحَةٌ حَنَّتْ إلى عَبَقِ الإِيَابْ
هَيّا اقْذِفِي في الْيَمِّ تَابُوتَ الجِرَاحْ
وَتَسَمَّعِي خُطُوَاتِ مَدٍّ قَامَ مِنْ عُنُقِ الرِّيَاحْ
فَتَوَضَّئِي بِالشَّمْسِ وَالْحُبِّ الّذِي يَسْمُو مَعَكْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى