وحدة الأديان
إن القول بالتسوية الأديانية يعد نظرية غير ضافية على ساحة الفكر الإسلامي ، مقارنة بغيرها من النظريات والأفكار الرئيسة المكونة للبنية العامة لذلك الفكر . لكنها تبقى من أوفر القضايا حساسية وخطورة .وقد كان الظهور الصريح لها –كما بدا لي – في ذروة نشاط التصوف الفلسفي عند المسلمين وتحديدا مع محي الدين بن عربي .
لاجرم أن ظهرت الفكرة في سواء المتصوفة الفلسفيين بحكم تشكل وتوجه تصوفهم ، وعقولهم إلى نحو انفتاحي وعلى العوالم كلها ، سواء الإنسانية ، والطبيعية الوجودية ، حيث تنعدم ثَم الفروق والحواجز تبعا لعقيدة وحدة الوجود التي دان لها كثير منهم [1]فإذا ما توحد الوجود كله خالقا ومخلوقا ، علويه وسفليه ، وانعدمت (الكثرة) أفلا يكون توحد الأديان واستواؤها أولى ؟ .
ذلك ما أفضت إليه فلسفة التصوف حينما صارت نظرية وحدة الوجود أماً صريحة لنظرية وحدة الأديان . إذا ظهر التوجه إلى انتباذ التعدد الأديان وخلافاته لصالح تبني ما أسماه ابن عربي (دين الحب) الذي تنضوي تحته كل عقيدة ، وكل فكرة في ندحة عن الحسّاسية الاختلافية ، التي استعيض عنها بالتلاقيات الاتلافية . قال ابن عربي في تصوير بليغ شامل :
((لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبا ن
وبيت لأوثان وكعبة طائـف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهـت
ركائبه فالحب ديني وإيماني)) [2]
وقد زالت كل الفروق لدى بعضهم ؛ حتى صار لإبليس حظوة لديهم ، وانتفى عن النظر ما لابسه من كفر وعصيان . من ثم لانستعجب حين نقرأ قول الحلاج ((ما كان في السماء موحِّد مثل إبليس)) [3]
إن هذا التماهي اللاحدودي قد لقي محلاً له في قلب وعقل النيهوم ؛ لأجل ذلك اضمحلت أمامه الحواجز الفاصلة بين الأديان .
ثم لم يلبث أن خمل ظهور هذه النظرية ، لاسيما مع استقواء المعارضة الفقهية للتصوف الفلسفي ، وبخاصة عند ظهور مدرسة واتجاه ابن تيمية الحراني [4]عندما عارض ابن تيمية ها ته الدعوى ، عارضها بوصفها دعوى نصرانية وأفرد للرد عليها فصلا سماه (فصل في إدعاء النصارى أن الله سوى بين الأديان) ينظر ذلك في كتاب (دقائق التفسير ، الجامع لتفسير ابن تيمية) تحقيق: محمد السيد الجليند. مؤسسة علوم القرآن. دمشق .ط2 . 1404ه 2/ 65. و 2/71. وما تلاها. إلى أنىأطلّت تلك الدعوى الدعوة في طلعة كريهة من طرف الطائفة البابيّة القائمة على ادعاءات الميرزا علي محمد الشيرازي ، الذي أعلن التقاء كل الرسالات السماوية في دعوته من غير افتراق ، كما أكد على المساواة بين الأجناس والأديان [5] بل زاد على ذلك ادعاء أن كل الأديان هي ديانات عالمية شاملة سواء الأديان السماوية أو الأرضية [6].
ويكثر في هذا الوقت الدعوة إلى حوار الأديان وهي دعوة تفترق عن الدعوة إلى الوحدة والتسوية الأديانية،لأن الأولى تسعى إلى تحديد وإيضاح القواسم المشتركةبين الأديان لأجل إحداث نوع من التقارب بين أصحابها في ظل تسامح يسمح بالتفاعل المثمر للبناء بين البشر أصحاب الأديان المتخالفة ، وقد عقدت عدة من المؤتمرات تحت اسم حوار الأديان ، وكان القاسم المشترك بينها جميعا أنها تنتهي من غير جدوى ، ولا نتيجة مثمرة ، من ذلك ما عقد في تونس سنة 1974، وكذا سنة 1979.
ومن أنشط من يدعو إلى الحوارفي هذا العصر (غارودي ) الذي دعا إلي مؤتمر دولي في قرطبة سنة 1987تحت اسم (الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية) [7]