الأحد ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم
ياسمينة لابن خلدون
قرطاجُ غنّي، فإن الصوتَ غنّاءُ | وأجملُ النارِ في الأنحاءِ خضراءُ |
أردْتِ أنْ يستجيبَ الدهرُ فانكسرتْ | سلاسلٌ، ويدُ الحمراء علياءُ |
وقلتِ: هذي دماءُ البرقِ فانقشعي | يا ظلمةً، فانْجَلتْ في الضوءِ ظلماءُ |
وجاءك الصُبحُ، ما أحلى النهارَ إذا | راحتْ وولّتْ عن الإصباحِ نكراءُ |
هذا أبو القاسمِ الرائي، وذاكَ له | وَتلك جُمْلتُه، والدهرُ إصغاءُ |
هذي البدايةُ فالبركانُ قد فُتِحَتْ | أبوابُهُ، وعلى الأعتابِ أنواءُ |
وفي العواصمِ إرهاصاتُ عاصفةٍ | تبدو، لتنطقَ في الخرساءِ خرساءُ |
حتى تُعيدَ موازينَ العدالةِ إنْ | مالتْ بها قوّةٌ للظُلمِ عمياءُ |
ويستعيدُ ابنُ خلدونٍ محابِرَهُ | تحتَ العرائشِ، والتاريخُ إملاءُ |
يا ثورةَ الياسمين الحُرِّ لا تقفي | وواصلي زَفّةَ الفرسانِ إنْ جاءوا |
سيفرح الشهداءُ الآن إذْ وصلت | رسائلُ الوَعْدِ، فالأمواتُ أحياءُ |
ولتحذري كلَّ جلاّدٍ وَمُسْتَلِبٍ | يعودُ للَعرْشِ، فالجزّارُ خَطّاءُ |
يُبَدّلون وجوهَ الحُكْمِ إنَّ لهم | مليونَ وَجْهٍ، وللحرباءِ إخفاءُ |
يا ثورةَ الشعبِ، إنَّ الشعبَ يعرفُهم، | وللمقاصلِ أصحابٌ وأعداءُ |
وَطَهّري زيتَكِ النوريَّ إنَّ لنا | سراجَنا، وفتيلُ النورِ أبناءُ |
وحررّي سَرْجَكِ الناريَّ، حقَّ له | وللرجالِ، إذا ما قدّروا شاءوا |
يا ثورةَ الجوعِ، والجرحِ الذي نكأوا | والذلّ ِ والقمعِ، فالسرّاءُ ضرّاءُ |
يا ثورةَ الغضبِ العالي، ولا أَمَةٌ | مَنْ أرْضَعَتْكِ، فأمُّ الناسِ حوّاءُ |
والناسُ مِشطٌ، فلا ربٌّ ولا قَدَرٌ | في الأرضِ، لكنّها في الخَلْقِ أسماءُ |
واللهُ عَدْلٌ وحقٌّ، والخَيارُ لنا، | وصيغةُ الخالقِ الدّيانِ سمحاءُ |
لكنها شهوةُ الأقوى إذا قَدَرت | وكان من حظِّها في البحرِ ميناءُ |
لا الخوفُ يُرهبُ هذا الشعبَ، إنْ فزِعتْ | في الليل عينٌ، وللغيلانِ إيذاءُ |
لا القتلُ يوقفُ هذا المدَّ، فاتّسعي | يا أرضُ، فالدمُ للأزمانِ بنّاءُ |
وصرخةُ أمرأةٍ أقوى، وإنْ قطعوا | لسانها، فكأنَّ القَطْعَ إسراءُ |
ودمعةٌ ذرفتْها نخلةٌ حُرقِتْ | غيماً ستولدُ، فالسوادُ بيضاءُ |
والنارُ إنْ علقتْ في الروحِ ليس لها | حدٌّ، وليس لجَمْرِ القَهْرِ إبطاءُ |
و"البوعزيزي" ملايينٌ بلا عددٍ | وسوف تحرقُ هذا الغيبَ دهماءُ |
كأنهُ حينَ دبّ النارَ في جَسدٍ | موسى، وتونسَ في الأحقابِ سيناءُ |
والسائرونَ على حدِّ السيوفِ لهُمْ | يومٌ، وفيهِ على الأغصانِ وَرقاءُ |
ويزرعونَ طريقَ الشوكِ سنبلةً | وحولهم ألفُ حقلٍ، والمدى ماءُ |
ويخرجونَ من الأكواخِ! إنّ لهُمْ | مهداً على نجمةٍ، والحقُّ إعلاءُ |
لا الجوعُ، لا السجنُ، لا مليونُ مشنقةٍ | تُملي الخنوعَ، وهل في الذلِّ خيلاءُ؟ |
هذا زمانُ جميعِ المعدمينَ وقد | جاءَ الزمانُ، وفي الأيامِ إيحاءُ |
سيبدأ الوقتُ من تابوتِ مَذبحةٍ | ومن دموعٍ، وجفنُ الدهرِ بكّاءُ |
ويكبرُ الياسمينُ الآنَ في بلدٍ | حُرًّ كريمٍ، وللأحرارِ سيماءُ |
يُحطمّون زنازينَ الطغاةِ، وهل | يجيئُك، اليومَ، غيرُ النصرِ أنباءُ؟ |
طوبى لألفِ شهيدٍ سيّدٍ غَمرتْ | دماؤه رايةً، فالجرحُ رفّاءُ |
شكراً لتونسَ، أمَّ المجدِ إذ صعدتْ | كأنَّها الشمسُ، والبلدانُ أضواءُ |