الثلاثاء ٢٤ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم حلمي الزواتي

يَجيءُ المَساءُ حَزينا

(1)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
عَلى شاطِئ الحُزْنِ نَمْضي
كَأَني وأَنْتِ عَلى مَوْعِدٍ لِلرَّحيلْ
وهذي العَصافيرُ فَوْقَ الجَليلْ
وأَشْجارُ يافا وكُلُّ كُروم الخَليلْ
تَعُدُّ الحُروفَ التي شَرَّدَتْني
وتُحْصي الجِراحَ التي أَحْرَقَتْني
وعَزَّةُ لا تَعْرِفُ الآنَ وَجْهي
وعَزَّةُ لا تَعْرِفُ الآنَ لَوْني
وعَزَّةُ كَالقَطْرِ فَوْقَ عُذوق النَّخيلْ
وعَزَّةُ تَمْضي بِلا مَوْعِدٍ للرَّحيلْ
 
(2)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
يَجئُ المَساءُ حَزيناً عَلى شاطِئ الذِّكْرَياتْ
فَيَبْكي ونَبْكي مَعاً مَوْعِداً
كانَ بِالأَمْس لَمْ نَأْتِهِ
وجُرْحاً جَريحاً بِخُصْلَةِ شَعْرِكِ ضَمَّدْتِهِ
ونَرْثي رَبيعاً مَضى في خَريفْ
وريحاً تُقَوِّضُ قَصْراً مُنيفْ
فَتَنْموجِراحي
وأَنْزِفُ مِنْ جَبْهَتي البُرْتُقالْ
وأَعْصِرُ جُرْحي، فَيَأْتي المُحالُ
وَراءَ المُحالْ
ويَكْبُرُ ظِلِّي ويَنْمو
وتَكْبُرُ روحي فَأَكْبو
 
(3)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
كَأَنِّي بِكِ الآنَ في لَحْظَةِ الالْتِحام
كَأَنَّ دِمائي التي قَدْ رُويتِ
رَبيعاً مَضى
وبَيروتُ لا تَرْحَمُ الرَّاحِلينْ
وحَلحولُ تَنْفُضُ عَنْ ساعِدَيْها الرَّمادَ
وتَمْسَحُ بِالنَّارِ وَجْهَ العِدى
وتَلْبَسُ عَزَّةُ ثَوْباً جَديدا
وتَرْسِمُني الآنَ رَسْماً بَعيدا
وتَجْعَلُ قَلبي قَديداً قَديدا
فَلا تَقْتُلوا الشَّمْسَ في جَبْهَتي
ولا تَقْطَعوا مِعْصَمي عَنْ يَدي
ولا تَفْصِلوا عَنْ دَمي العُنْفُوانْ
فَعَزَّةُ.. عَزَّةُ قَدْ وَهَبَتْني كُلَّ الحَنانْ
وعَزَّةُ.. عَزَّةُ قَد أَثْخَنَتْني بِكُلِّ السِّنانْ
 
(4)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
عَلى صَهْوَةِ الجُرْح جِئْتُكِ طِفْلاً مُقاتِلْ
تَعَلَّقَ وَجْهي بِنَجْم السَّماءِ
انْتَظَرْتُ
تَصالَبَ في داخلي الانْتِظارُ
وما أَعْذَبَ الانْتِظارَ وجُرْحي
وأَنْتِ هُنا تُبْحِرينْ
وأَنْتِ هُنا الياسَمينْ
فَكَيْفَ أَجيئُكِ مِنْكِ؟
وكَيْفَ أُعانِقُ ظِلَّكِ؟
إِنَّ الرِّياحَ، كَما أَعْلَموني،
تَكيدُ المُحِبينَ دَوْماً
وتُنْسي الحَنينْ
 
(5)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
أُرَمِّمُ جُرْحا طَوَتْهُ الرِّياحُ
وكُلُّ الرِّياح أَتَتْ مِنْ جَبيني
ويَمْتَزِجُ الجُرْحُ بِالجُرْح
يَشْتَعِلُ القَلْبُ شَيْباً
ويَقْتُلُني البُعْدُ وَجْداً
وما أَجْمَلَ القَتْلَ حُبًّا
وما أَعْذَبَ الحُبَّ صَلْباً
وما الصَّلْبُ إِلاَّ طَريقَ الحَياةِ
وما المَوْتُ إِلاَّ سَبيلَ النَّجاةِ
تَعالي لأُبْحِرَ فيكِ وأَرْسو
تَعالَيْ أُجَدِّدُ مَوْتي وأَغْفو
تَعالَيْ وكوني عُيونَ الغَضَبْ
تَعالَيْ وكوني جَحيمَ اللهَبْ
تَعالَيْ لأُقْتَلَ فيكِ وأَغْدو
لأُنْهِيَ عُمْري الحَزينَ وأَشْدو
 
(6)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
فَخُضْتُ مَخاضاً عَسيرا
صَعَدْتُ الوُجوهَ التي تَحْتَرِقْ
وأَمْسَكْتُ بِالشَّمْس
قالَتْ لِيَ السِّرَ
قُلْتُ لَها: فَلْتَكوني البِحارَ التي تَحْتَرِقْ
أَنا ما نَسَيْتُ جِراحي
ولكِنَّ قَلْبِيَ عَنِّي تَخَلَّى كَطَيْرٍ أَرِقْ
فَلا تَغْصِبوا الفَجْرَ مِنْ ناظِري
ولا تَقْطَعوا مِعْصَمي عَنْ يَدي
فَعَزَّةُ جُمِّيزَةٌ في بِلادي
وعَزَّةُ طِفْلٌ نَما في فُؤادي
 
(7)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
تَجيءُ المَراكِبُ لا شَيْءَ فيها
وبَيروتُ تَغْسِلُ وَجهي بِماءِ المَطَرْ
وأَذْكُرُ أَنِّي وأَنْتِ رَكِبْنا الخَطَرْ
وكانَ الرَّصاصُ يَطارِدُ فينا الزَّمَنْ
ويَنْقُشُ رَسْمي ورَسْمَكِ فَوْقَ المِحَنْ
ويَحْضُنُنا البَحْرُ طِفْلَيْن هاما مِنَ الوَجْدِ
جاءَا بِلا مَوْعِدٍ لِلرَّحيلْ
ويُلْبِسُنا الآنَ ثَوْبَ القَتيلْ
وتُنْشِدُنا الآنَ فَيْروزُ شِعْراً شَهيدا
أُحِبُّكَ لُبْنانُ إِنِّي أُحِبُّكْ
وأَسْأَلُ نَفْسي:
لِماذا أُحِبُّكِ يَوْماً وأَرْحَلْ؟
لِماذا أُريدُكِ طِفلاً مُكَبَّلْ؟
لِماذا..
لِماذا..
لِماذا؟
أَلا تَخْبُرينْ؟
وهَلْ تَعْرفينَ العُيونَ التي أَوْجَعَتْني؟
وهَلْ تَعْلَمينَ السُّيوفَ التي أَثْخَنَتْني؟
 
(8)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
لِماذا السَّفَرْ؟
وأَنْتِ التُّرابُ ونَحْنُ الحَجَرْ
وأَنْتِ الرُّبوعُ ونَحْنُ الشَّجَرْ
أَلا تَذْكُرينْ؟
فَنَحْنُ ابْتِداءٌ بِدون انْتِهاءْ
ونَحْنُ الشَّقاءُ ونَحْنُ الرَّخاءْ
أَلا تَذْكُرينْ؟
(أُعانِقُ فيكَ التِهابَ الحَياهْ)
ونَحْنُ العَبيدُ ونَحْنُ الجُناهْ
ونُحْنُ امْتَطَينا سُروجَ الظَّلام
فَصِرْنا مَعَ الفَجْرِ رَهْطَ الحُفاهْ
 
(9)
وأَبْحَرْتُ مِنْكِ إِلَيْكِ
كَأنِّي أُسافِرْ
كَأنِّي خَرَجْتُ مِنَ المَهْدِ لِلَّحْدِ
كُنْتُ أُغامِرْ
تَلَمَّسْتُ قَلْبي فَكانَ الخَناجِرْ
وعُدْتُ إِلَيْكِ فَصِرْتِ المَقابِرْ
فلا تَذْهَبي في الغِيابِ الطَّويلْ
لأَنَّ الخَليلَ،
وحَلْحولَ،
دُورا،
عَنَبْتا،
وجِنينَ
تُرْخي الضَّفائِرْ
وَتَجْدِلُ حَبْلاً لِشَنْق الغُزاهْ
وتَكْتُبُ بِالدَّم سِفْرَ الحَياهْ
فَلا تَذْهَبي في السَّحابِ البَعيدْ
فَنَحْنُ عَلى مَوْعِدٍ لِلمَطَرْ
سَنَنْزِفُ في الفَجْرِ نارًا
رَصاصاً
سَنَصْنَعُ تاريخَ هذا البَشَرْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى