الخميس ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

جولة مع القصيدة الزينبية

قيل إن القصيدة الزينبية (نسبة لمطلعها حيث تُذكر زينب) هي لعلي -كرم الله وجهه-، وقيل إنها لصالح بن عبد القدوس، وقد وردت القصيدة في ديوانَي كل منهما، باختلاف يسير.

انظر:

ديوان علي بن أبي طالب- تحقيق عبد الرحيم المارديني- دمشق- 2005، ص 214- 220.
عباس الترجمان: صالح بن عبد القدوس – حياته، بيئته وشعره، منشورات الجمل- 2013،ص 107- 110.

القصيدة جميلة، وفيها حِكم تقريرية، وعِبر تعبّر عن تجربة حياتية، وتقع في خمسة وستين بيتًا، أختار لكم منها:

صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ
والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
ذهب الشبابُ فما له مــن عَودة
وأتى المشيب فأين منـه المهرب؟
لا تأمنِ الدهـر الخَئونَ فإنه
لا زال قِدمًا للرجــال يؤدِّب
واقنع ففي بعض القناعة راحـــةٌ
واليأس مما فات فهـو المطلب
واذا طمعتَ كُسيتَ ثــــوبَ مذلة
فلقــد كُسي ثوبَ المذلة أشعبُ
إن الحقــود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصــــــــدور مغَيَّب
لا خير في ودّ امــــرئ متملق
حـلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ
وإذا توارى عنك فهــو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حـلاوة
ويـــــروغ عنك كما يروغ الثعلب
وصِلِ الكرامَ وإن رمَوكَ بجَفْوة
فالصفحُ عنهم بالتجاوزِ أصوب
واختر قرينك تصطفيه تفاخـرًا
إن القرين إلى المقـــارَن يُنسب
إن الغنيَّ من الرجـــال مكرَّم
وتراه يُرجى مــا لديه ويُرهب
ويُبشُّ بالترحيب عند قـدومه
ويقام عند سـلامه ويُقرّب
ودع الكـذوب فلا يكن لك صاحبًا
إن الكـذوب يَشين حرًّا يصحب
وزنِ الكـلام اذا نطقت ولا تكن
ثرثارة في كـــل نادٍ تخطب
واحفـظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسـان ويعطب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعـد التنافر يصعب
إن القـلـوب إذا تنافر ودُّها
شِبه الزجــاجة كسرُها لا يُشعب
كن ما استطعت عـن الأنام بمعزِل
إن الكثير من الــورى لا يُصحب
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذر من المظلوم سهمًا صائبًا
واعلم بأن دعــاءه لا يُحْجَب
فلقـد نصحتك إن قبلت نصيحتي
فالنصح أغلى ما يبـاع ويوهب

هذه القصيدة المشهورة -كما قلت- تنسب لعلي بن أبي طالب، ومن الطبيعي أن يُشك في نسبتها إليه لأن فيها ذكرًا لأشعب:

وإذا طمعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلة
فلقد كُسي ثوبَ المذلة أشعبُ

وأشعب لم يظهر على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد توفي سنة 154 هـ في المدينة المنورة؛ من هنا فقد كان معاصرًا لصالح بن عبد القدوس، وكان مشتهرًا بالطمع.
ملاحظة:

هذا البيت عن أشعب لم أجده في ديوان عليّ الذي بين يديّ، لكنا نراه في ديوان عليّ على المواقع، وربما اطلع د. الترجمان على نسخة أخرى من ديوان علي وفيها هذا البيت، ولذا كانت ملاحظته عن أشعب. (م.ن، ص 111.)

*أضيف بيتان في نهاية أبيات القصيدة المنسوبة لعلي، وفيهما موضع للتساؤل، وهما يتحدثان عن عليّ نفسه، وفي تقديري أن شاعرًا ما أضافهما:

أعني عليًا وابنَ عمِّ محمد
من ناله الشرفُ الرفيعُ الأنسبُ
يا ربِّ صلِّ على النبي وآله
عددَ الخلائق حصرها لا يُحسبُ

أثبت الدَّميري في كتابه (حياة الحيوان) بعض أبيات القصيدة وذكر قبلها:

"وقال بعضهم" ج1، ص 43.

كما وردت بعض الأبيات في معجم الأدباء لياقوت، ج12، ص 9- على أنها لعبد القدوس.
( مادة صالح بن عبد القدوس).

من الغريب أنني لم أجد للقصيدة ذكرًا في الأغاني، ولا في خزانة الأدب ولا في الشعر والشعراء وغيرها من أمات الكتب الأدبية.

مع ذلك فهناك ترجيح ما أن القصيدة هي لصالح بن عبد القدوس، ولكننا لا نستطيع بما نملك من مصادر قليلة أن نؤكد أن القصيدة كلها لشاعر منهما، خاصة ونحن نشهد إمكان الإضافة والحذف في كثير من المقتبسات.

أما صالح بن عبد القدوس فهو شاعر عباسي كان مولي لبني أسد.

كان حكيمًا متكلمًا يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهُذيل العلاّف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الأخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.

مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره، وهي تختلف عما تعارف عليها الناس.

قيل رئي ابن عبد القدوس يصلي صلاة تامة الركوع والسجود، فقيل له ما هذا ومذهبك ما تذكر؟ قال: "سنّة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الولد!".

(أمالي المرتضي، ج1، ص 144)

اتهم بالزندقة وقتل بها؛ قيل إن الخليفة المهدي العباسي قتله بيده، ضربه بالسيف فشطره شطرين، وعُلّق بضعة أيام للناس ثم دُفن. (معجم الأدباء، م.س)

زينب وما صرمت أي قطعت من حبال الوصل كان موتيفًا (مترددة) لدى الشعراء، فهذا متمّم بن نُويرة في (المُفضَّليّات) يقول في المفضلية السادسة:

صرمتْ زُنيبةُ حبل من لا يقطع
حبلَ الخليل وللأمانة تَفجَع
جُذّي حبالكَ يا زُنيب فإنني
قد أستبدّ بوصل من هو أقطع
والأخطل يذكر ذلك في قوله:
صرمت حبالك زينبٌ ورَعوم
وَبدَا المُجمجَمُ مِنهما المكتومُ

وفي مكان آخر:

صرمت حبالك زينبٌ وقذورُ
وحبالهن إذا عقدتَ غرور

في شعرنا المحلي أصدر الشاعر جمال قعوار ديوان (زينب)، صدر في الناصرة سنة 1989 وفيه قصيدة "زينب" و "حِمى زينب"، وهو يرمز لها بفلسطين.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى