عيونُ الشَّمسِ تصحبُني صباحا |
وتلقي الضَّوءَ كاشفةً جراحا |
تُذكِّرُني بأمجادِي وتبكي |
وترفعُ فوق وادينا نُواحا |
فيهتزُّ الفؤادُ لها مجيباً |
ويصبحُ صمتُهُ بوحاً مُتاحا |
ويذكرُ عهدَ أبطالٍ سيبقى |
كنهرٍ ظلّ مشربُهُ قَراحا |
فأرضُ العُرْبِ شاهدةٌ وكانتْ |
نشيدَ النّاسِ تتلوه امتداحا |
ركبنا المجدَ والتّاريخُ يرعى |
فأشهدناه دعوتَنا صلاحا |
فكيف بنا وقد تاه المسيرُ |
وأضحى عزُّنا صيداً مُباحا |
ومن أدمَى تماسكَنا المهيبَ |
دماءً أخلفتْ ريحاً وفاحا |
فأين غناءُ أقوامٍ تلاشتْ |
وقد أمستْ نشيداً مُستباحا |
وأين رباطُ ماضينا المتينِ |
وأين دواءُ من كانوا صِحاحا |
وأين نشيدُنا في «ابنِ الوليدِ» |
وهل تضوي عزائمُهُ رَواحا |
ألا نمضي إلى إشراقِ فتحٍ |
سرى زمناً وأورثنا مَراحا |
وأين يقينُ «عقبةَ» في ضميرٍ |
إذا أسقاه يرويه ارتياحا |
بلادُ المغربِ اعتنقتْه رمزاً |
وبابُ الفتحِ قدْ لاقى افتتاحا |
وأين مُجيرُ من نادتْ فأمضى |
جيوشَ الحقِّ مُردِعةً قِباحا |
«أمعتصمَ العروبةِ» جاء يومٌ |
تقاتلنا فلم نرحمْ نياحا |
وأين «صلاحُنا» البطلُ المُفَدَّى |
وبوحُ القدسِ يسألُنا سَراحا |
فلم تغضبْ رياحُ القومِ يوماً |
ولا سَمِعَتْ مسامعُنا صِياحا |
وأين الغيثُ يا«قطزَ» التَّحدي |
ألا من قطرةٍ تُحيي كفاحا |
فمسجدُنا الأسيرُ لكم يُنادي |
أُسرتُ فمن سيحملُ لي سلاحا |
وبعد جراحِ بغدادَ ارْتضينا |
لها قهراً وظلماً واجتياحا |
فقد غرب الَّذي عادى عُلاها |
ليسطوَ ثعْلباً يُلقي جُناحا |
أعاصمةُ الخلافةِ نرْتضيها |
كنجمٍ قد هوَى ثمّ استراحا |
وما يجري بمصرَ على عيونٍ |
تشاطرُ حزنَها ليلاً صباحا |
وقد وضع الحقودُ لها شباكاً |
لعلّ الجوعَ يُفنيها افْتضاحا |
مناهلُها لكلِّ النّاسِ غيثٌ |
وصوتُ الحقدِ يُسمعُها نِباحا |
فلن تأسى ومشربُها مَعِينٌ |
وكان شرابُهُ سمّاً ورَاحا |
قِفوا يا أمّةً صبرتْ طويلاً |
لعلّ مدادَ حقدٍ أن يُطاحا |
إذا ما الأمُّ قد وقعتْ وقعنا |
وإذ وقفتْ نرى عزّاً بَراحا |
وكم صبرتْ بني غازي على صمتٍ |
وأضحتْ بعد ملحمةٍ فِصاحا |
أيا ليبيا تَبَدّى الليلُ فجراً |
عسى يا فجرُ تُصْبحُ مُسْتراحا |
وتونسُ أفْزَعتْ ظلماً تولَّى |
أحالتْ نومَ أوطانٍ رياحا |
فمعدنُهمْ نفيسٌ من قديمٍ |
ومن يبعِ الهوى يُجنِ الرَّباحا |
وصنعاءُ الّتي فقدتْ زهوراً |
لكم صبرتْ وقد كبحتْ جِماحا |
حضارتُهمْ لها نورٌ تجلّى |
ونصرُ اللهِ آتيهمْ فِساحا |
وفي البحرينِ عاصفةٌ تبدّتْ |
ولولا اللهُ لاجتاحتْ بِطاحا |
وفي السُّودانِ كاد لداءِ همٍ |
يدمرُهُ ولا يَلقَى لَقَاحا |
ولكنّ الّذي زرع التَّشاكي |
أراد الحقَّ أن يبدو مِزاحا |
أيرضينا عيونُ دمشقَ تبكي |
ولا نُبدِي لِشكواها اقتراحا |
ينيرُ دموعَها صحوٌ شريفٌ |
وبات قوامُها صدقاً صُراحا |
ألا يكفي بلادَ العُرْبِ داءٌ |
لهُ جرحٌ يفيضُ ولا أراحا |
ألا يكفي دَمٌ أضحى قِصاصاً |
أباد أمانَ أمصارٍ وساحا |
فلن نرضى بغيرِ الشَّعبِ يقضي |
قضاءَ الحقِّ يُلبسُهُ وشاحا |
ولن نرضى على ظلمٍ تمادَى |
ولم يلدِ الهوى إلا سفاحا |
فكونوا أمَّتي سدّاً منيعاً |
أحيلوا دمعةً يأستْ نجاحا |
بوحدتِكمْ سيشفي اللهُ قلباً |
يتوبُ لهُ ويملأُه انْشراحا |
بوحدتِكمْ سيطوي اللهُ بغضاً |
سرى زمناً وأمطرنا فِتاحا |
تحابوا نملأِ الوجدانَ نوراً |
نصادقُهُ فيمنحُنا فلاحا |
تحابوا تُصبحوا نغماً فريداً |
قصيداً يمنحُ القاصي سماحا |
بحولِ اللهِ موكبُنا سيمضي |
ويشفي كلَّ من يشكو جراحا |