الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم محمد نجيب عبد الله

لــحــظــــــــــة !!!

بعض أيامي تكتسي بالفرح ... بعضها بالحزن ...
بعض أيامي ليس لها لون ... ما بين ألف لون و لون ...
في أجزاء منها أشياء تهدهدني ...
و الأخرى أحس بها داخلي تدمّرني ...
و ما بين اللحظة و الأخرى ... طرفة الجفن و تردّد النَفَس ... شمّة نسمة الوردة و لمسة حانية كأن لم تكن ... أولد أنا ... أو أموت ...

أغيّر جلدي ... و قد أعود ...
ما أكرَهَ فكرة الخلود ...

ما الّذي يضيّق على صدري النـَـفـَـس ... و يحبس داخلي دَمعة الجفــن ...

كنت أمشي عندها شارداً أفكر ... و دوماً يكون الفكر عن الجدوى ...
لذا لم أحس بما حدث لي وقتها ... غير أن ألماً مـا ألـمّ بـذراعـي مبرّحاً ...

اتُراك يا نفس تشكين ... و بدواخل حشاياك تحكين ...
لا هـذا و لا ذاك ... لا مكان للفلسفة في الآلام ... كمـا هـي لا تـــُدرّ دخلاً ... و لا تطعم فماً جوعاناً أو تحيك ثوباً يلتمس سِتراً من جسد هو يعلوه ...

لقد صدمتني سيّـارة ...

أجل ... هذا فقط ما حدث ...
لحظة خاطفة من الألم ... كلحظة الشكوى بلا رد ... أو الصرخة مع الصمم ...

كلحظة الميلاد ...

كلحظة الموت ...
ككل اللّحظات الّتي تفر من أمامنا و تفوت ... صـدمـتـنـي سـيّـارة ...
ماذا رأيت ... ماذا حــدث ... فيم فكّرت ... و لـِـمَ ؟!
لا أدري ...

و حين بدأت أستخدم بعض أجزائي الأخرى لأرى أمامي ...
وجدت السيّـارة قد توّقفت على البـُـعــد منّي في صرير مزعج ... هو مؤلم كالصّدمة تماماً ... كانت أصابع يدي تتحرّك ... و كذا مفصل الكوع ...

إنّها سليمة إذن ...
فوجئت ... كأنّني وددت لو لم تكن ....
ماذا عليّ أن أفعل الآن ... حسناً ... يبدو أنّ قليلاً من الغضب أرسمه بفرشاة الألوان على وجهي لن يضيرني على أيّ حال ...
و لربما ساعدتني أحبالي الصوتيّة على أن أزعق أيضاً ...
فلتسرعي يا قدماي نحوها ...
في ثوان تمّ التنسيق بين الأعضاء المختلفة للإنتقام لشرف ذراعي المصدوم المُؤلَم ...

السيّارة مكانها لم تتحرّك ...

من موقعي أرى أنّ السائق امرأة ... فتاة على الأرجح ...
وحدها و رأسها على المقود ...

ربّاه ... ماذا عساه قد حدث ... ربما كانت مخمورة او مُخدّرة ...
نظرت لأصابعي و حرّكتها ثانيّةً لأطمئن على نفسي ...
أجــل ... إنّـهــــا ســلــيـــمــــة ....
لا أعرف من أين بدأ التردّد يتسلّل إليّ ... حتّى الرغبة أحسّها تفـتـُر من أجل إظهار الغضب أو توجيه اللّوم ...
تزامنت عودة احساسي بالألم الشّديد ... مع السّخرية من حالي المـُـزري ... أأنتظر أنا موتي كي أتأوّه ... أنا لا أنزف ... كما أنّ ذراعي في مكانها ... فلا داعي إذن لأن أغضب ؟!!! يــا لــي مـن مــتــخـــاذل ...

في السّاعة بندول ... و كذلك الإنسان ...
لا أعرف من أين أتى كل هذا الغضب و الثورة داخلي ...
التاريخ عرف العــذراء الحـَبـلى ... ها هو الآن سيرى الوالدة بلا حمل ... فجــأة ... على حين غـِـــرّة ....

أخيراً وصلت ... و لأستكمل دوري حملت ذراعي بالأخرى كالطفل الوليد ... كأنّي أقول ... هـــا ... هل رأيت ... ها قد ضيّعت مستقبل أفضل الشباب و أحلاهم و أجملهم ... هذه الذراع الّتي أحمل كانت ستغيّر وجه التاريخ ؟!!
و ......

أوّاه ........

ليس من الألم هذه المرّة ... و لكن اطمئنّوا ...
إنّه فقط قلبي يتمزّق ...
أحشائي تصطرع و تـتـقـلـّـص ...

هالني ما رأيت ... ذلك الشيء الّذي ارتفع عن عجلة القيادة و واجهني بل أستار ...

فيضٌ من النّور الأبيض ... الموشّى بشلاّل جارف من أشعّات الشمس الصفراء ... و المـُـزيـّن بحبّـة كرز حمـراء و قطرتين من أصفى و أعمق و أجمل المحيطات ... هكذا كانت ...

الألم عبر الذراع ذاته أحسّه انتقل إلى صدري ... و في الوسط تماماً استـقــرّ ...

كلاّ ... يا عُـمـري ... ليس صحيحاً ما أرى ... أتلك الحبّات الماسيّة على خديّك هي دموعك ... ماذا حدث ...

في هستيريا بدأت تنشج من بين نوبات البكاء ...
تعتذر عن جريمة – لا أعرفها – ارتكبتها ...
تصف نفسها بصفات - كرهت نفسي بعدها – كنت أنا السبب أنّها وصفت بها نفسها ...

كلاّ آنستي – قد لاحظت أصابع يديها على عجلة القيادة فلم أجد أيّاً من مكبّلات الحريّة الّتي تم الإتّفاق عـُرفاً على تسميّتها دِبلة – لا تمزّقيني أكثر من ذلك ...

أخبرتها أنّه كان خطأي أنا ... فقد كنت أسير شارد الذّهن ...
ما انا إلاّ أخرق ساقته الأقدار الحمقاء في طريقك ...

نهرتني في شدّة و عنف و اصرّت على أن تصحبني لطبيب شهير يمت لها بصلة قرابة كي يطمئن على ذراعي ...

بلا آلام ... كأنّني يوماً لم أحسّ بالألام ...
حرّكت ذراعيّ و أصابعي و رقبتي و وسطي و أقدامي و كل شيء كي ترى أنّي سليم الجسد ... صحيحه ... أحتوي على كل الأعضاء الّتي ولدتني أمّي بها ...

ثم إنّها الّلحظة ثانية ... اللّحظة ذلك الشيء الضئيل الّذي يتحكّم في مُـقـدّرات أمورنا ... يُـملـي علينا طُـرُق حياتـنـا ... فيُسيّرنا أنّى شّـاء ...

هي اللّحظة إذن ...

حين اكتمل للبدر تمام استدارته ...
و ابــتــســمـــت ....

في تلقائيّة شنّت و ابتسمت ... و بعصبيّة و توتّر ممزوجان بعصير السّعـادة ... قالت: شـكـراً ...

كانت الأنفاس داخلي تتسارع و أنا أقول: حصل خير ...
و هو فعلاً ... قد حصل خير ...
لا يوجد خير أكثر من ذلك ...

في قلبي – أميرتي – قد أدخلتِ الفرْح ...
و عن صدري أزحتِ الغم ...

ليت اليوم يكون الغد و ليته كان الأمس ...
قد أحيا العمر كلّه – أميرتي – و ذراعي رهن الحبس ...

فقط ... تبتسمين ... و تنطقين ...

و كل صباح – تظلّي – تشرقين ...

و اللّحظة – أيضاً – يا ويلي منها اللّحظة ...
انطلقت مغادرة تلهج بشكري و اعتذارها ...

عاودني الألم شنيعاً يمزّقني ...
ليس ذراعي بالطبع ما يؤلم ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى