ملائكة بلا اجنحة
يعتقد جميع من يؤمن بوجود الملائكة، بأن لها اجنحة كأجنحة الطير، وذلك لمن يعتقد بوجودها الحسي، وأما من يعتقد أن وجودها غير حسي، فهو يرى (بأن الملائكة موجودات معنوية وليست مادية حسية، ليس لها صورة أو جسم، بل موجودات كلية يصح انطباقها على الكثير، وليست جزئية حقيقية كموجودات عالم المادة، وأن ما ذكر لها من الأجنحة في الكتب السماوية إنما هو لتقريب المعقول بالمحسوس. أن جبريل هو وجود معنوي، يعطي العلم لكل الموجودات الادنى منه، بمعنى أن اي علم عندنا هو بواسطة الملك جبريل، وأنه وجود كلي داخل في جميع الموجودات، يعطيها علماً ولهذا سمي بكلي، كما أن إسرافيل هو مصدر حياة كل الموجودات التي هي أدنى منه، يعطيها الحياة) وبهذا فهو ينفي وجود الأجنحة للملائكة، وإن كان في كلامهِ الكثير من الصحة، ولكن ليس هذا محل بحثنا، ويبقى هذا الرأي خلاف ما صرحت به الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم من وجود أجنحة للملائكة كما سيأتي بيانه.
هذه مقدمة بسيطة لبحث كبير، لكني سأختصرهُ بمقالٍ (عسى أن يفي بالغرض)، للإجابة عن سؤال طرحه أحد الأصدقاء (الدكتور جميل الحسناوي) على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الدكتور: سؤال يحيرني منذ الصغر، ولم أجد له جواباً مقنعاً حتى اليوم! فحسب العلم أن الهواء موجود في الغلاف الجوي للأرض وبعض الكواكب فقط، وما بين هذه الكواكب مساحات شاسعة، يصعب وصفها، تخلو من الهواء، والمعروف أن الطيران بواسطة الاجنحة ينطبق عند توفر الهواء فقط، السؤال: لماذا تحتاج الملائكة الى اجنحة ومعظمها يتواجد في مناطق لا هواء فيها؟ وما دور الاجنحة في التنقل بين العرش والكواكب والمسافات بينهما تخلو من الهواء؟!
فتشتُ في بواطن الكتب فوقفت على ثلاث اراء كان أولها لابن عربي حيث يرى في كتابهِ (اسرار الملائكة): (أن عدد الأجنحة كاشف عن مقدار النفوذ في مملكة السماء والأرض) وهو يعترف بذلك بوجود الأجنحة للملائكة لكن ليست للطيران.
الرأي الثاني للسيد عبد الأعلى السبزواري حيث يرى في كتابهِ (مواهب الرحمن في تفسير القرآن): (إن الشيء إذا انتقل من عالم الى عالم آخر، تصور بصور العالم الذي انتقل اليه) وهو بذلك يعلل كون الحجر الأسود الموجود في الكعبة كان ملاكاً، فلما جاء الى عالمنا أصبح حجراً، وهكذا ظهور الملاك جبرائيل بصورة دحية الكلابي؛ كذلك نستطيع أن نستنتج أن وجود الأجنحة في عالمنا فقط. (حسب فهم هذه النظرية).
الرأي الثالث: وهو للسيد روح الله الخميني في كتابه (الاربعون حديثاً) حيث يرى: أن ملائكة الله على أصناف وأنواع كثيرة.... ملائكة مهيمون ـ عاشقون ـ مجذوبون، لا يلتفتون نهائياً إلى عالم الوجود، ولا يعرفون بأن الله قد خلق عالماً أم لا، وإنما هم مستغرقون في جمال الحق وجلاله، ومنصهرون في كبرياء ذاته المقدس. ويقال بأن كلمة (ن) المباركة في الآية الشريفة (ن، والقلم وما يسطرون) إشارة إلى هذا الصنف من الملائكة. وصنف آخر منهم، ملائكة مقربون ومن سكان الجبروت الأعلى، وهم أنواع كثيرون ولكل منهم شأن وتدبير في العالم لا يكون لغيرهم من الملائكة. وطائفة رابعة ملائكة عالم البرزخ والمثال، وطائفة خامسة هم الملائكة الموكلون على عالم الملك والطبيعة، حيث يتولى كل منهم أمراً ويدبر شأناً، وهذا القسم من الملائكة المدبرين في عالم الملك، غير الملائكة الموجودين في عالم المثال والبرزخ. ولا بد من معرفة أنهُ لا توجد أجنحة وريش وأعضاء أخرى للملائكة على مختلف أصنافهم، فإن الملائكة المهيمين حتى سكان الملكوت الأعلى منزهون ومبرؤون من هذه الأعضاء والأجزاء المقدارية، ومجردون من المادة ولوازمها ومقدارها وعوارضها. وأما ملائكة عالم المثال والموجودات الملكوتية البرزخية، فمن المحتمل أن تكون في هذه الطائفة من الملائكة، جوارح وأعضاء وأجنحة ورياش وغيرها، ولما كانوا من عالم المثال والبرزخ، وكان لهذا العالم كمية وكيفية، كان لهذه الطائفة شكل خاص، وجوارح مخصوصة وإن قوله تعالى: «والصافات صفا»، و«أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) يرتبط بهذه الطائفة من الملائكة. ولكن للملائكة المقربين والقاطنين في الجبروت الأعلى، والإحاطة الوجودية القيومية، فهم يستطيعون أن يتمثلوا في كل واحد من العوالم بهيئة وصورة تتناسب مع ذلك العالم. كما أن جبرائيل الأمين، الذي هو من المقربين للساحة المقدسة، وحامل الوحي الإلهي، ومن أعلى مراتب موجودات سكان الجبروت، كان يتمثل لرسول الله ﷺ، في شكل خاص دائماً، وفي شكل مطلق مرتين، وفي عالم الملك حيناً، وخاصة في صورة دحية الكلبي رضيع رسول الله ﷺ.
أعتقد أن الرأي الثالث أبان ووضح الرأيين السابقين، وأضاف إليهما ما يبين لنا معنى وجود الأجنحة لبعض الملائكة، وأستطيع أن أضيف بأن تمثل الملائكة بصورة الطير لأن الطير يرمز للسلام والمحبة والجمال، ويبعث الطمأنينة والراحة لمن يراه.
بقي شيء..
ما نحنُ الا طلاب علم ومعرفة، وبصراحة أنا أحب مثل هذه الأسئلة، لأنها تجعلني أبحث وأفتش في بطون الكتب، فاكتسب الكثير من العلم والمعرفة، وتفتح ذهني وتستفزني للكتابة.