الثلاثاء ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
زينب حفني في حوار مع « جريدة االوقت البحرينية»
بقلم عبد السلام العطاري

أنا أكتب لأنني بقلمي أفجّر ما أحس به على الورق

هي وملامحها عند خط الاستواء تقف مشاكسة معاركة من دون أن تأبه للظى ألسنة تحرق أكثر من شمس الربع الخالي، لغتها متجددة وان قسوت عليها بذلك السؤال ليس إلا لمجرد أن نذهب معها ونحن ندرك أن السائل يعلم أحيانا ببواطن الجواب، عرفتها منذ وقت ولامست مدى رغبتها بمنازعة الظلم وقلمها الذي يرفض أن يكون غير ذي حد يكشط ويميط اللثام الذي يصفّد أفواه الكثيرات من النساء اللواتي يحلمن بطقوس الحرية وممارستها خلسة أحيانا، كانت زينب ومازالت تقرع وتدق ذلك اللثام لعلها تخرج ما تحته من غناء جميل وتظهر للعين كحلها البريء من سطوة الفولاذ.
* قوة الكاتب تُقاس بمدى اختراقه للمحظور، أو كما ترغبين بالمسكوت عنه، ما هو المسكوت الذي عرّته زينب حفني؟
 القوة في تعرية الواقع المستتر، لا تُعد دخيلة على مجتمعاتنا العربية، بل هي مغروسة منذ قرون طويلة في موروثنا الفكري، لكن مع ارتفاع المد المتطرف، وسيطرة أعراف وتقاليد متزمتة على نمط الحياة الاجتماعية، أدّت إلى النظر للأمور المتعلقة بالدين والسياسة والجنس، على أنها تابو محرّم لا يجب الاقتراب منه، مهما كانت الدوافع والأسباب.
أريدك أن تعلم أنني لم أعتدْ إسدال الخمار على وجهي، وأنا أسير في طرقات الحياة، لإيماني بأن الشفافية والوضوح والصراحة، اسلم الطرق للوصول إلى نهاية الدرب. نعم.. عرّيتُ من خلال مقالاتي وقصصي ورواياتي، كثيراً من آفات مجتمعي، عريّتُ الازدواجية، عرّيتُ الزلات، عريّتُ الوجوه التي تتعمد وضع قناع الفضيلة على وجهها نهارا، ونزعه عندما يخلد الجميع للنوم. عرّيتُ كل ما استفزني، ودفعني للصراخ، وسن قلمي، للنـزال على الورق.
* الخروج من تحت عباءة الجسد، ليس بالأمر السهل. ألم يكن في حسبان زينب حفني تلك الصورة؟
 قلتُ في واحدة من مقابلاتي التليفزيونية إنني لم آتِ بجديد، وأن الأدب المكشوف كان سمة من سمات موروثنا الفكري. اقرأ شعر أبو نواس. اقرأ العقد الفريد، ألف ليلة وليلة، طوق الحمامة وغيرها من كتب التراث، ستجد أن مساحة الحرية الفكرية كانت متاحة على آخرها. لم يكن حينها المفكر أو الأديب يتعرّض للملاحقة القانونية، أو يخضع للاستجواب، أو يُنعت بالمارق لأنه خرج عن المألوف. لكن مع هذا أؤمن بأن لكل شيء أثماناً في الحياة، وقد دفعت كثيراً منذ أن ولجت إلى عالم الكتابة. وهنا أتذكّر عبارة قالها لي يوما أحد الشعراء.. الكاتب أو الشاعر الذي لا يُحارب ولا يُشتم ولا يُرجم، ميت.
* تقول زينب حفني ‘’هناك صفة جميلة في المرأة لا توجد لدى الرجل، أنها حين تؤمن بشيء تحارب من أجله بضراوة، ملقية بنفسها في رحى المعركة من دون درع يقيها من الضربات القاتلة’’.. صورة حزينة وخائفة أليس كذلك؟
 لماذا قلتَ إنها صورة حزينة وخائفة، لماذا لا تقول إنها صورة تدل على بسالة المرأة، التي عانت على مدى عقود من جبروت المجتمع الذكوري، ومن موروثات اجتماعية عقيمة. امرأة اليوم لم يعد هناك ما يخيفها، فقد خرجت من عباءة الاستسلام، وقررت خوض المعركة بشجاعة منقطعة النظير. أتعرف لماذا؟ لأنه لم يعد لديها ما تخسره، وهي تراهن على قدراتها، في أن تترك بصمة بارزة، وتستعيد مكانتها الحقيقية التي كانت عليها في عصور الإسلام الزاهية.
* أيهما نحتاج للحوار. الآخر الغربي أم الآخر العربي، وكيف وجدت زينب الآخرين؟
 أولا، نحن بحاجة للحوار مع ذواتنا، أن نُصادق أنفسنا، أن نُقلّب الأمور على أوجهها كافة لنرى الواقع على حقيقته. وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة للحوار مع الآخر العربي، أن نفهم تطلعات الجيل الجديد، مطالبه، احتياجاته، نبلور ذهنه، نجعله يُدرك أين يقف، ومتى يسير، وإلى أين يتجه. ومن جهة ثالثة، نفتح جسر من الحوار البناء مع الآخر الغربي، فمن غير الممكن في عصر الثورة المعلوماتية، والانفتاح الإعلامي، أن ننغلق على أنفسنا، ونرفض كل مايأتي إلينا من الآخر الغربي، بحجة المحافظة على بنية مجتمعاتنا من الانحدار، وبذريعة الخوف على أبنائنا من الانسياق خلف المعتقدات الغربية.
تسألني كيف وجدتُ الآخرين، من الصعب على المرء وضع الجميع في سلة واحدة، يحملها بين يديه ليؤكد نظرياته، أو ليشتكي من ظلم الناس عليه. فمن غير الممكن أن تجد الجميع يُصفق لك، أو تجد الكل يُعطيك ظهره إمعانا في إذلالك. لكن الحياة تتقلب كل يوم، مع مرور الزمن، ونشوء أجيال جديدة، لذا ستجد غدا من يسير على دربك، وستلقى أفكارك التي تُنبذ اليوم أرضا خصبة في مجتمعك.
* لمن تكتب زينب حفني، ومن تحرّض في كتابتها وعلى من؟
 لم أسأل يوما نفسي وأنا امسك بقلمي، لمن أكتب تحديدا، الكاتب الحقيقي، هو من يكتب حين يشعر بثورات من الغضب تجتاح دواخله. أنا أكتب لأنني بقلمي أفجّر ما أحس به على الورق. أكتب من أجل أن أرى مجتمعي أجمل مجتمعات الدنيا. القلم أمانة، لا يمكنك الإمساك بالقلم، إذا كانت أناملك ترتعش جبنا، أو خوفا، يجب أن تكون مقتنعا بمبادئك وقيمك.
أنا لا أغوى التحريض، وليس من طبعي الشجار من أجل التشفّي بسماع أنّات الجرحى. كل ما أطمح إليه، أن أرى تطلعاتي مغروسة في عقول وأذهان أفراد مجتمعي.
* سعفة نخيل لا تظلل عابر سبيل طويلا، أين تستظل زينب حال أقفرت الصحراء من نخيلها؟ ما اقصده على ماذا تتكئ زينب في صراحتها التي توصف بأنها بلا حدود؟
 الصراحة هي جزء لا يتجزأ من شخصيتي. علمني والدي أن أكون واضحة في مقصدي. صريحة في تعاملي مع الآخرين. هذه الشفافية والجسارة، تحمّلتُ من اجلها كثيراً، لكنني مازلتُ أؤمن بأنها النبراس الآمن لكل امرء مهما علا أو قل شأنه.
تسألني على من أتكئ، إنني استند على ذاتي، على آمالي التي ربيتها في حجري، على أحلامي التي آمل أن أراها يوما تسير بقدمين صلبتين على أرض الواقع.
* قلت في حوار سابق انك نوال السعدواي الأخرى، ما الذي وجدتيه في نوال، على رغم أن هناك من حطم ناموس نوال، وكنّ أكثر جسارة منها؟
 أن لم أقل إنني نوال السعداوي السعودية. لقد اخبرني الزميل تركي الدخيل في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه معي، أن هناك بعض المواقع على الإنترنت، تنعتني بأنني نوال السعداوي السعودية. وأجبته ما الضير في أن أكون نوال السعداوي السعودية كما يُقال عني. لكن هذا لا يعني أنني أوافق نوال السعداوي على كل ما تقوله خصوصاً في مجال التشريعات الدينية، التي أرى أنها قد شطحت في كثير منها. مع هذا لا استطيع أن ابخس من حق نوال السعداوي، في كونها رائدة في مجال حقوق المرأة، ولا استطيع إنكار إنجازاتها الفكرية التي قدمتها على مدى ثلاثة أو أربعة عقود.
لا أدري لماذا في عالمنا العربي ننسى الإيجابيات ولا نتذكر سوى السلبيات. الإنسان كائن متكامل، يجب أن نُثني على محاسنه، كما نُحاكمه على تجاوزاته. عبارة أن هناك من حطّم ناموس السعداوي، هذه عبارة غير منطقية، لأن كل جيل يُسلّم القيادة للجيل الذي يأتي بعده. فأنت لا يمكن أن تطمس تاريخ من سبقوك، لكن باستطاعتك ترك بصمة مغايرة إن شئت، وهذا من حق كل صاحب فكر أياً كان نهجه.
* أجدك كثيرة المنابر، اللغة هي اللغة، أين وصلت زينب من جمهورها ومعه؟
 ما الضير في أن أكون كثيرة المنابر؟ وماذا تقصد بأن اللغة هي اللغة؟ أنا لستُ أديبة فقط، أنا كاتبة، وناشطة حقوقية في قضايا المرأة. لقد شاركت في كثير من المنتديات والمحافل العربية والدولية، وقد ساهمت مشاركاتي في فتح آفاق كثيرة أمامي، في رؤية عوالم جديدة، من خلال تبادل الأفكار، والاطلاع على تجارب المثقفين، على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم.
* ماذا تقول زينب حفني للمرأة الخليجية؟
 قد يكون النفط أدى إلى رفاهية المرأة الخليجية عقودا، لكنني أراها اليوم تجاوزت الترف الاجتماعي، وخرجت من مرحلة اللاتوازن التي كانت تحيا فيها، وقررت تحطيم طوق الفولاذ الذي يُحيط بخاصرتها، وأصبحت في العصر الحالي، بفضل علمها وثقافتها تملك وعيا، ورؤيا ناضجة تجاه قضايا مجتمعها، وهو ما يؤهلها لقيادة المستقبل جنبا إلى جنب مع الرجل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى