ابتسامتك
قلتُ لها:
لن أستعملَ أوجاعي كلَّها، لن أستثمرَها لأكتبَ عن آلامِكم ، غيرَ أنَّني سأستعملُ خيالي، وأجعلُه يعملُ بكلِّ قدرتِه، لأُسافرَ إليكِ حيثُ أنتِ، أُريدُ أن أشربَ الشَّايَ معكِ، أن أرقصَ معكِ، أن أُقبِّلكِ على خدِّكِ الأيسرِ، وعلى خدِّكِ الأيمن. أريدُ أن أفتحَ عينيكِ بقبلةٍ، لأرى طفولتي، وأرى كيف تطوفُ النَّاسُ حولَ تماثيلِ الشَّمعِ.
لن أستعملَ أحزاني معكِ، فهي مثل رفوفِ خزانتي، ممتلئةٌ بالفراغِ، لا تحاولي أن تطلبي منِّيَ المفتاحَ، لا أُريدُ للسَّرابِ أن يمرَّ من هناك، ولا أُريدُ أن أسمحَ لبذورِ أحزاني أن تشُقَّ التُّرابَ أو أن تشُقَّ دمي، فكلُّ هذه الأزهارِ الحمراء خرجتْ من دمي.
لا أُريدُ أن أستعملَ كلَّ أفكاري، فبعضُها مثلُ الكتبِ القديمةِ، أو مثلُ المخطوطاتِ التي أصابَها العفنُ، وبعضُها مثلُ لوحاتِ سيلفادور دالي، خاليةٌ من النَّغم.
كم مرَّةٍ استعملتُ دمي، لأُصغيَ إلى صوتِكِ، وأنتِ تقولينَ: تأخَّرَ الوقتُ، الحُلمُ يناديني، لأرحلَ حيث ينبغي أن أكونَ.
كم مرَّةٍ طلبتُ إليكِ أن تمسحي بيديكِ تلك الشُّقوقَ الصَّغيرةَ في ذاكرتي، حتى لا تتسرَّبَ بعضُ رؤايَ، وبعضُ أبجديَّتي، وتُمزِّقَ الأقنعةَ، وتصبَّ الضُّوءَ في العيون، فالأعشابُ المتوحشةُ ابتلعتْ سنابلَ القمح.
لن أستعملَ أبجديَّتي على صورةٍ تُشبهُكم، فقصائدي بلا مفاتيحَ، ولا عتباتٍ، ولا مساحاتٍ بيضاءَ، وقصصي لا بطلَ فيها يصرخُ، أو يثورُ، أو يرقصُ مع امرأةٍ، أو يُقدِّمُ نفسَه مُخلِّصاً كالمسيحِ، أو ثائراً كجيفارا ، أو قارئاً للأحلامِ مثلَ فرويد، أو يسعى لإعادةِ تدويرِ التَّاريخِ كماركس.
لا بطلَ عندي يخرجُ من الطَّبقةِ المطحونةِ، المقهورةِ، المقموعةِ؛ فالقهرُ والقمعُ في الشَّرقِ لا يُنتجانِ إلَّا أبطالاً في الجُبنِ، والذلِّ ، والصَّمتِ.
سأحاولُ أن أستخدمَ تلكَ الابتسامةَ، التي قطفتُها من عينيكِ، ومن شفتيكِ، لعلَّها تفتحُ أبوابَ الحياةِ للجياعِ، والمقموعينَ، والمقهورينَ، والمظلومينَ.
هامش:
كلَّما ابتسمتِ، تفتَّحتْ يا حبيبةُ براعمُ شمسكِ في حقولِ الظَّلام .