الثلاثاء ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم حسين أبو سعود

التاريخ الزاهر لحمولة آل مناف من آل ياسر

عندما شرعت بقراءة كتاب التاريخ الزاهر لحمولة آل مناف من آل ياسر لمؤلفه اللواء الحقوقي ياسين الياسري، كنت مجاورا للحضرة الكاظمية المشرفة وبالتحديد في شهر رمضان للعام 2012 فأضفى الزمان والمكان حلاوة مفعمة بالإيمان إلى متعة القراءة والإطلاع.

لقد عايشني الكتاب مع تاريخ زاهر مشرف لأسرة علوية عريقة، فوجدت فيهم من خلال الصفحات الكرم والجود والإيثار، ووجدت بين آل ياسر العلماء والأدباء والوجهاء ورجالات دولة من الطراز الأول، وتبين بان مكارم الأخلاق العشائرية تجبر الفرد على التحلي بها والتخلي عما سواها من لؤم وبخل ودناءة وجبن، رأيت في الكتاب صورا فوتوغرافية للماضين منهم وأضفت إلى عمري بعضا من أعمارهم وأنا أتخيل ديارهم ومزاراتهم وبطولاتهم عبر الحقب كما اكتشفت ان الحالة القبلية هي أساس قراني وإرادة ربانية كما في الآية الكريمة (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وأنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) وقوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وقد يحتمل معنى تعارفوا تنظيم العلاقات فيما بينهم فصارت بذلك للعشائر عادات وأعراف وقوانين لايحيدون عنها بل ويجدر الافتخار والتمسك بها.

ان الحالة العشائرية وان كانت متأصلة في بلاد الرافدين أكثر إلا أنها لا تقتصر عليها فقط ولا على الدول العربية وحدها وإنما هي موجودة في إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وغيرها كما أنها موجودة في الدول الأوربية أيضا ولكن بأضعف صورها حيث توجد بعض الأسر العريقة مازالت تفتخر بحمل لقب العائلة جيلا بعد جيل.

ان هذا الكتاب ليس لآل ياسر فقط ولا لمن يريد معرفة المزيد عنهم وإنما لكل من له ولع بمعرفة القبائل وأصولها وعاداتها وتقاليدها، والمكتبة العربية تحتاج لكتاب آخر يحتوي قصص إنسانية مشرفة ومواقف رجولية مميزة لا تنسى لرجالات آل ياسر يستحق أن تخلد و يكتب عنها كما فعل الأستاذ فهد المارك في كتابه (شيم العرب) الذي ضمنه مواقف فريدة لرجال القبائل.

ومن الأمور التي لفتت نظري في الكتاب صور الإجازات المكتوبة بخط اليد التي أعطيت لعلماء أجلاء من آل ياسر حازوا على ثقة المراجع العظام، وأنا تستهويني الإجازات العلمائية ويبهرني جمال الخط اليدوي وقوة اللغة والصور البلاغية في التعبير وقد وجدت ان خط بعض العلماء بديع للغاية كما سلاطين آل عثمان الذين يتميزون بجمال الخط وإتقانه،وقد استوقفني الأسلوب الجميل للعلماء في كتابة الإجازات التي تحوي السجع المحبب، وكنت احسب في الماضي بان هناك قاعدة خاصة في الدعاء لصاحب الإجازة حتى قرأت هذا الكتاب فتبين بان لكل مرجع أسلوبه الخاص في الدعاء فمنهم من يكتب عن فلان: دامت إفاضاته أو زيد فضله أو دامت بركاته ومن الصيغ الأخرى: دامت توفيقاته أو دام توفيقه وأيده الله فيما ينفرد آية الله العظمى محمد جواد الطباطبائي التبريزي بكتابة: (أدام الله بركات وجوده)كما في إجازته للسيد حسن السيد ياسر الياسري فيصفه بـ (سيد الاطياب والانجاب فضيلة العلامة السيد حسن السيد ياسر أدام الله تعالى بركات وجوده) والسيد الخوئي (قدس) يكتب للسيد حسن الياسري عبارة (سلمه الله) واحدهم يكتب للسيد ياسر عبارة لطيفة للغاية وهي: (إلى السيد ياسر يسر الله له المعاسر)، على أن عبارة (دام ظله) خاصة بالمراجع العظام ويزيد البعض عليها كلمة (الوارف ) فتكون (دام ظله الوارف) وقد كتبت ما يشبه هذا في مقال لي نشرته الكثير من المواقع بعنوان (رسالة في ألقاب الساسة والعلماء) وفيه فوائد لمن أراد الإطلاع.
إن كتاب التاريخ الزاهر جهد كبير بذله المؤلف لإبراز شخصيات أثَرت في المجتمع العراقي، فكم من الليالي الطوال قضاها ساهرا كي ينجز مثل هذا الكتاب الفريد رغم مشاغله الكثيرة كونه شغل مناصب كبيرة في الدولة تستحوذ على كل وقته وجهده ويقول الأستاذ ثامر عبد الحسن العامري في مقدمة الكتاب )وهو بحق تحفة فنية ثمينة ونادرة، غزير بمعلوماته النسبية والتاريخية القيمة إذ انه بحث نسبي بديع وصحيح لا غبار عليه) كما كتب العديد من الفضلاء مقدمات للكتاب فاثنوا عليه وقيموه أحسن تقييم فيما امتدحه بعض الشعراء بقصائد قوية في معناها ومبناها تحوي صورا من الفخر والاعتزاز، والفخر جائز ومطلوب إذا كان كما قال الشاعر علي الغرباوي:

والفخر في النسب الجليل فضيلة
إن زانه دين وحق معبَر

وجواز الفخر لا يأتي من فراغ وإنما من القران والسنة والروايات كما يذكر المؤلف، ففي الآية التي تتحدث عن الشعوب والقبائل فيها دعوة إلى العمل الصالح(إن أكرمكم عند الله اتقاكم)والعمل الصالح حقيق أن يفتخر به، وقول الرسول الأكرم صلى الله عليه واله (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فان صلة الرحم محبة في الأهل وثراة في المال ومنساة في الأثر) وحقيق بواصل الرحم ان يفتخر بفعله على العكس من قاطع الرحم.

يعود نسب الأسرة الياسرية إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وفي ذلك قول شاعرهم سامي الياسري:

من عزم زيد، شهيد الحق جدهم
أعطوا الغزاة دروسا حينما ثاروا

وأما اصل التسمية فيعود إلى جدهم السيد ياسر الكبير (الأول) بن السيد شوكة الكبير (الأول) ص49، ويتميز ذرية السيد ياسر الكبير بالكثرة والعدد ويتمركز سكناهم في مدن جنوب العراق ولكنهم توزعوا في باقي المحافظات أيضا فصار جماعة منهم في بغداد وكركوك بل وحتى في بلدان المهجر بعد الهجرة المباغتة للعراقيين إلى خارج القطر وأنا شخصيا تربطني صداقة حميمة بأحد السادة من آل ياسر في لندن.

إن تشابه الأسماء يعتبر مشكلة حقيقية للباحث في الأنساب إلا أن تشابه الأسماء لدى الأجداد لم يثن الباحث من تحري الدقة فأضاف كلمة الأول والثاني والثالث إلى الأسماء المتكررة، لا سيما اسم السيد مناف الذي يتكرر عدة مرات فيصفه تارة بالأول وتارة بالثاني والثالث حسب الأقدمية ص83، ويعاني عادة الباحثون في الآثار وتاريخ المراقد الكثير بسبب تشابه الأسماء فيبذلون جهدا مضاعفا لمعرفة الحقيقة، وقد ذكر المؤلف في ص 318 الخلاف على اصل تسمية لقب (السادة آل ياسر)وهو خلاف ما زال عالقا في أذهان البعض من آل ياسر رغم ان جميع الفروع تنحدر من أرومة واحدة، ويبدي رأيه الشخصي في ذلك استنادا إلى مخطوطات تاريخية قديمة عند تتبعه لمخطوطات كبار النسابين فيخلص إلى نتيجة أن التسمية تعود إلى السيد ياسر الكبير بن السيد شوكة، وقد لا يهتم البعض ممن لا يهمهم الأمر بأصل التسمية ولكن الأمر في غاية الأهمية لمن يتحرى الدقة وفق قواعد البحث الموضوعي والتوثيق العلمي، وقد اعتمد المؤلف في بحثه على أكثر من ستين مصدرا فضلا عما هو مخزون في صدور العارفين والنقل الشفاهي.

لقد برز الكثير من آل ياسر في الحوزة الدينية فكان منهم العلماء الكبار ومعتمدي المراجع العظام ومنهم من ضم إلى جانب علم الأديان طب الأبدان أيضا مثل العلامة الكبير السيد طه السيد ياسر حيث كانت له دراية واسعة وإطلاع تام بالأمور الطبية لدراسته الطب القديم وبراعته في تشخيص الأمراض وعلاجها ص115، وقد افرد المؤلف للمبرزين من آل ياسر صفحة كاملة مع صورة فوتوغرافية كما فعل مع السيد عيسى الياسري وهو شاعر بارز له خمسة دواوين وقد تم ترجمة شعره إلى لغات أجنبية وحاز على جائزة الكلمة الحرة لعام 2002 من منظمة القلم العالمية في هولندا، وقد تناول العديد من النقاد أعماله الأدبية بالدراسة والتحليل ص201، كما افرد المؤلف أيضا صفحة خاصة للسيد حسين السيد علي الياسري الذي كان من أعلام الأسرة ومن أوائل الشخصيات التي امتلكت السيارات الشخصية والتي كانت تسمى حينها (الطرام)حيث قام بشق جادة(شارع) من مركز المدينة تؤدي إلى منزله، واهم ما يميز هذه الشخصية انه عاش 130 سنة ص231، وقد لا تكفي الصفحة أو الصفحتان لبيان مآثر بعض الشخصيات والمؤلف الذي كتب عن الجميع لم يكتب عن نفسه شيئا وهو عين بين أعيان آل ياسر وعلم من أعلامهم ولكني أجد لزاما أن انقل ما كتبه عنه السيد كامل السيد سلطان الياسري في ص 21(عرفت السيد ياسين الياسري خلال معايشتي معه ما ينيف على العقدين من الزمن رجلا طيبا شهما واسع الأفق نبيلا يحب الخير لأهله ولجميع مواطنيه كريم جواد ملتزم خدم أسرته الكبيرة بكل ما يستطيع وكما قيلت بحقه العبارة الخالدة (انه سليل العلماء)ص21.

وأقول بأنه أي السيد المؤلف كأسلافه يحرص أن يترك سيرة حسنة معطرة مليئة بالعطاء تتناقلها الأجيال من بعده علما بان السيادة والانتماء للبيت العلوي الرفيع تكفيه كي يحظى بالاحترام الكامل والمكانة اللائقة ولكن كيف إذا زان ذالك علم وعمل؟.

وقد يكون من الضروري في النهاية القول بان الكتاب طبع للمرة الثالثة في المطبعة العربية في بيروت عام 2011 ويقع في 370 صفحة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى