الجمعة ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم
التـمثـال
متثاقل الرأس الكبير بلا حراك..ومآثر التاريخ تولد من شفاهك..مثل تفقيس البيوض مع الربيع.وعيونك الموتى تفتش في زحام الناس عن متحدث..كي يطرد الصمت الطويل..لكنها أبدا تضيع.يا أيها المصلوب فوق تقاطع الزمن الملوث..بالهزائم والتمائم والغنائم والجماجم..والضلوع.عبثا تحاول أن تدوم..لتقهرالأيام في جريانها..فغدا ستأتي من وراء الغيب..كل قوافل المجهول..تنبش سرك المدفون في ليل الصقيع.وغدا سيولد من بطون الغيب..أطفال إذا مروا هنا بصقوا عليك..وغدا ستنقش فوق صدرك أحرف أخرى لعشاق جدد..يتفاخرون بقبلة الخد الحرام..وسرهم في عتمة اللقيا يشيع.فالدهر – يا تمثال - يمضي مسرعا..لا،ليس مثلك جامدا..وعيونه تبكي و تضحك..ليس مثل عيونك الياقوت والنحت الصنيع.*** ***صنعوك من حجر وعند تزاحم الأحياء..جهرا ثبتوك..أبدا تمرعلى جفون العين عند النظرة الاولى وخيط الصبح.وعلى نجيع الظلم والجبروت..قد مزجوا معادنك الثمينة بانصهار اللحم..فوق موائد السهرات والسكرات في ليل الشتاء..لك قبلة الشمس التي ذلت لها ريح الشمال..وعفنت فوق اختمار الملح.وصدى تراتيل مع التسبيحة البكر..على شفة البزوغ..ولك المطر..ولك الغبار بكل ألوان النوافذ..والتماع البوح في روحي وشدو البوح.ولك النجوم وكل كلاب نصف الليل إذ تأوي إليك..لك روث كل الطير..إذ تهوى الوقوف على شموخك..دون أن تدري بأن قوافل الأمجاد..مرت من هنا..يوم انفتاح الجرح.لك كل ما في الوقت من أيقونة الزمن الجميل..وكل ما بخلت به نظرات عاشقة..تخبئ من طلوع الضوء غلطتها..وتكتب فوق خصرك اسمه السري..كي لا يفضح التصريح ما من أجله تجري الدماء..ويحصد السيف الثلم كل سنبلة من العشق الطفولي..الذي يختار لون عيونها..فيجف بحر القمح.*** ***ليت الذين على مدى الأيام قد نصبوك في صدر الزمان..تفكروا..أن الخلود من المحال.وأن خطو العمر لا يكفي اإيقاف الدهور..وليت ما نصبوا وكان بظنهم رمز البقاء..يوما يصير إلى زوال.يا أيها التمثال عذرا..من طلائك، من غلائك، من علائك..من قداستك التي خدعت بها الأجيال.كل الكلام على شفاهك أخرس..ومقامك العالي قصير..ويداك عاجزتان عن طرد الذباب..فأنت من حجر رخيص..الكون حولك دائم الدوران لا يهدأ..زرعوك، قالوا: للحياة.لكنهم كذبوا..فأنت إلى السكون..إلى السكوت..إلى الممات.