الحد من انتشار العنف أم تحقيق الأمان الإنساني
بينما كنت مع مئات الآلاف من نساء العالم، نحبس الأنفاس، أملاً وتوقعاً، أن تفوز ألف امرأة، بشكل جماعي، بجائزة نوبل للسلام، لعام ألفين وخمسة؛ فوجئت باختيار محمد البرادعي، والهيئة الدولية للطاقة الذرية، للفوز مناصفة، بالجائزة.
وجدت نفسي في حيرة إزاء هذا الاختيار. ففي الوقت الذي سرني فيه، اختيار رجل خالف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، في شن الحرب على العراق، وأعلن أن أساس منطق الأمريكيين، كان كذبة كبرى، وشهد شهادة حق، في وقت يندر فيه الشهادة بالحق؛ ساءني ألاّ تقدر جهود جماعية، لنساء عملن طويلاً وبدأب، كقياديات في مجتمعاتهن، من أجل العدل والحرية والسلام العادل، في المجال السياسي والاجتماعي، أو في مجال الإبداع، أو في مجالات متعددة ومختلفة، مثل: محاربة الفقر، ومحاربة جرائم الحرب، والتعليم، والصحة، ومحاربة العنف، والسيطرة على الموارد.
كانت اللجنة محقة، في تقدير الشجاعة الأخلاقية، للدفاع عن خطر انتشار الأسلحة النووية، وفي تحذيرها المبطن لرئيس الولايات المتحدة، وبريطانيا - التي ساندت أمريكا في غزو العراق- من هجوم على إيران، بسبب برنامجها النووي. وقد عبر رئيس لجنة نوبل في النرويج: أولت دانبوت مويس، عن رأي اللجنة، ومضمون خيارها بقوله: "إن هذه رسالة إلى جميع سكان الأرض. إفعلوا ما تستطيعون للتخلص من الأسلحة النووية. إن قوة الشعوب جبارة".
وإذا كانت وكالة الطاقة الذرية، وعلى رأسها البرادعي، قد أعلنت رسالتها - حيث تناضل من أجل الاستخدام الآمن والسلمي للطاقة الذرية- المنبثقة عن فلسفة إنشاء الوكالة - التي تقوم على الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما دامت التقنية منتشرة سواء بإرادة الوكالة، أم بغير إرادتها- فما هي رسالة الألف امرأة، اللواتي رشحن لنيل الجائزة؟ وما هي فلسفتهن، وما هي رؤيتهن للسلام؟ وهل يعملن من أجل الحد من انتشار العنف؟ أم من أجل الخلاص من العنف بكافة أشكاله؟
انطلقت فلسفة الألف امرأة، من عمل المرأة الجماعي، حيث تعمل النساء غالباً، من خلال شبكات وليس كأفراد؛ فلماذا لا تنال الجائزة بشكل جماعي؟!
تبنت الرابطة مفهوماً واسعاً للسلام، يعتمد تحقيق الأمان الإنساني، حيث الربط ما بين محاربة العنف، وتحقيق السلام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي لشعوب العالم، - دون انتصار لشعب على آخر- وليس من خلال التفاهمات والمعاهدات، ما بين قيادات الأنظمة السياسية الحاكمة.
جاءت تسمية الألف امرأة، لنيل الجائزة هذا العام، ضمن هذه الرؤية، وهذا التوجه. وقد لعبت النساء - اللواتي تشكلن نصف سكان العالم، واللواتي أقصين وهمشن طويلاً- دوراً حيوياً في بناء السلام الفاعل والعادل، وسوف تستمر الرابطة، في العمل من أجل جعل السلام واقعاً وحقيقة.
هذا هو المفهوم الذي عبرت عنه الرابطة، من خلال إصدار كتاب: "ألف امرأة عبر العالم"، وتنظيم معرض فوتوغرافي، لصور النساء المرشحات، في أوكتوبر 2005، والشروع في إجراء بحث علمي أكاديمي.
هنأت رابطة "ألف امرأة عبر العالم" - التي تابعت مهمات "ألف امرأة من اجل جائزة نوبل للسلام لعام ألفين وخمسة"- البرادعي، ووكالة الطاقة الذرية، بمناسبة فوزه بجائزة نوبل لهذا العام، وقدرت الرابطة، شجاعة الوكالة، وعلى رأسها البرادعي، للدفاع عن خطر انتشار الأسلحة النووية، وللوقوف في وجه الضغوطات الأمريكية، وحلفائها، كما قدرت رسالة الدعم، التي توجهها لجنة الجائزة، إلى منظمات الأمم المتحدة، والتي تؤكد فيها على أن الأمم المتحدة، هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار قرار، يكون فيه العمل المسلح مبرراً؛ لكنها في الوقت نفسه، أسفت لأن لجنة التحكيم، قد تبنت مفهوماً ضيقاً لبناء السلام. ذلك المفهوم، الذي يهمش المجتمع المدني، وبالأخص النساء، اللواتي يعملن من أجل سلام عادل ومستدام.
وفي الوقت الذي ثمّنت فيه الرابطة، قرار اللجنة النرويجية، بالنضال من أجل الحد من انتشار الأسلحة النووية؛ أبدت مخاوفها من سلامة استخدام الطاقة الذرية، الذي يشكل وجودها بالأساس، خطراً على حياة الشعوب، وعلى صحتها ومستقبلها. كما دعت منظمة الطاقة الذرية، لمراجعة قراراتها، ذات المعايير المزدوجة، التي تسمح بتطوير تقنيات الطاقة، وبالسيطرة على إنتاج الأسلحة النووية، في الوقت ذاته، كما طالبت منظمة الصحة العالمية، أن تتولي مسؤلية تقدير الأثر الصحي، للإشعاعات النووية، عوضاً عن المهنيين الأطباء، من وكالة الطاقة. وناشدت المنظمة، أن تتخذ قرارتها، من خلال نقاش علمي مفتوح، بين علماء من كافة الانتماءات السياسية، ومن ضمنهم ممثلو الحكومات، دون تدخل من هذه الحكومات، في مسار النقاش، والقرارات التي يتم الوصول اليها، بما يضمن مصلحة البشرية.
تكرس رابطة ألف امرأة عبر العالم، جل اهتمامها، لنشر رؤية جديدة للسلام، فالسلام ليس مجرد منع الحرب، بل هو يتطلب الأمان الانساني، بمعنى تطبيق العدل الاقتصادي، والثقافي، والسياسي والبيئي. والسلام يتطلب أن تقوم المرأة، وهي نصف المجتمع، بدورها الفعال في السلام، والعملية السياسية لتحقيق ذلك. وتعمل الرابطة، مع آلاف من النساء، بدأب، لجعل هذه الرؤيا حقيقة واقعة، حيث عبرن من خلال ترشيح الألف امرأة، بشكل رمزي، عن وجود ألف نموذج نسوي للتغيير، وألف نموذج للنضال ضد العنف، والتمييز، والقهر والاستلاب، والفقر، والجوع، والمعاناة؛ إذ حين يعم البؤس، واليأس، والقنوط، ويبدو تحقيق السلام مستحيلاً؛ يبرز ألف حل إبداعي نسوي بديل، لصنع السلام.
أما النساء الفلسطينيات، فهن تناضلن بدورهن، من أجل أمان إنساني، مرتبط بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وبناء دولة فلسطينية حرة، تحترم حقوق الإنسان. ويطالبن محمد البرادعي، ووكالة الطاقة الذرية، بتطبيق مبدأ التفتيش، والرقابة على المنشآت النووية، في إسرائيل، بهدف منع استخدامها للأغراض العسكرية.
لا يسعنا، نحن نساء العالم، ممن يتطلعن إلى بناء عالم أفضل؛ إلاّ أن نهنئ محمد البرادعي، ووكالة الطاقة الذرية، بفوزهما مناصفة، بجائزة نوبل للسلام، لعام ألفين وخمسة. وأن نهنئ في ذات الوقت، الكاتب البريطاني المسرحي: "هارولد بنتر" – صاحب المواقف السياسية الجريئة: ضد الهيمنة الأمريكية، وتبعية توني بلير لجورج بوش، وضد الحرب الهمجية على العراق- على فوزه بجائزة نوبل للآداب لنفس العام.