الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
ظاهرة سياسية
بقلم فيحاء عبد الهادي

جائزة نوبل: الرمادي ما بين الأبيض والأسود

في متابعة لمقالتي الأسبوع الماضي، بعنوان: "جائزة نوبل للسلام لعام 2005: الحد من انتشار العنف أم تحقيق الأمان الإنساني"؛ رأيت أن أوضح بعض النقاط، التي جاءت هناك موجزة، وأن أحاور بعض الأصدقاء، فيما اختلفنا عليه.

أحب أن أشير بداية إلى سعادتي بالنقاش، مع المهتمين، وخاصة حين يختلفون معي، اعتقاداً مني أن الأفكار تغتني بالنقاش، وأن الحوار أداة صحية ضرورية للكتابة، وأن النقد سلاح فاعل لتطوير الكتّاب.

قلَّلت واحدة من الرسائل، من أهمية جائزة نوبل العالمية، واعتبرتها منحازة بالمطلق إلى إسرائيل وأمريكا، بينما أكدت الرسائل في مجملها، على دعمها لجهود النساء، ونضالهن من أجل السلام، كما عبرت عن استيائها، من انحياز اللجنة النرويجية، المنتخبة من البرلمان النرويجي، لإسرائيل وأمريكا، في اختيار الفائز بجائزة نوبل للسلام، للعام 2005.

في نقاش الأفكار الواردة، أحسست بضرورة طرح مسألتين، الأولى: أهمية جائزة نوبل، والثانية: استمرار مشروع الألف امرأة، باسم آخر.

أومن بداية أن للجائزة أهمية عالمية، وأن من يتلقونها يحققون انتشاراً يتخطى حدود أقاليمهم وأوطانهم، حيث تعرف أعمالهم، وتترجم إلى لغات مختلفة، وتتناول أعمالهم وسيرهم، بحوث ودراسات جامعية؛ الأمر الذي يترك بصماته على شعوبهم. وأومن في الوقت ذاته، أن الجائزة، لا تصنع كتاباً أو علماء أو مفكرين. وإذا كان بعض متلقي الجائزة لا يستحقونها، مثل توماس شيلينغ، وروبرت أومان، إلاّ أن بعضهم أثرى الجائزة بأعماله الفكرية، والأدبية، والعلمية، مثل: نجيب محفوظ، وغارسيا ماركيز، وماري كوري، وإيرين جوليو كوري، وإرنست همنغواي، وغونتر غراس، وبرتراند راسل.

لا أومن بالموضوعية المطلقة، عند اختيار الفائزين بجوائز نوبل، وأعتقد أن أية لجنة أكاديمية علمية، تتأثر بعوامل ذاتية، رغم كل محاولاتها، اعتماد منهج الموضوعية الخالصة. فرغم أن أعضاء أكاديمية نوبل، لا يخضعون لإملاءات وشروط مسبقة؛ إلاّ أنهم يتأثرون بالضرورة، بعوامل عديدة، على رأسها العوامل السياسية العالمية المتغيرة؛ الأمر الذي يصمهم أحياناً بالانحياز السياسي، وخاصة في ظروف سياسية حرجة بعينها. هذا ما دفع كتاباً كباراً مثل: جان بول سارتر، إلى رفض جائزة نوبل للآداب العام 1964م، والكاتب الفيتنامي لي دوكاثو، الذي رفض جائزة السلام لعام 1973م؛ لأنها منحت له مناصفة، مع هنري كسينجر.

أما عن عالمنا العربي، فقد نظر دوماً إلى الجائزة من خلال ارتباطها بالسياسة، والمؤامرات السياسية، وليس بالإنجاز العلمي أو الأدبي أو الفكري. لم تقيَّم إنجازات زويل العلمية الباهرة، أو إنتاج محفوظ الأدبي المبدع، أو وقفة البرادعي في وجه الضغوطات الأمريكية؛ بل تركز القول، حول المواصفات المطلوبة لنيل الجائزة، والتي على رأسها الانصياع للغرب.

وإذا كانت مكانة العرب الأدبية والفكرية، مرتبطة بمكانتهم السياسية والعالمية، وإذا كان للغرب شروطه ونظامه، الذي يحتكم إليه؛ فمن الضروري، أن تكون لنا إنجازاتنا، على جميع الأصعدة. تلك الإنجازات، التي سوف تجعل العالم يبحث عنا، ويعترف بإسهاماتنا، دون أن نصب جام غضبنا على انحيازه ضدنا.

أما بالنسبة لمشروع الألف امرأة، فبالرغم من أن النساء الألف، لم تفزن بالجائزة؛ إلاّ أنهن لم تولولن وتتهمن اللجنة بالانحياز ضدهن. ثمّنّ إصرار البرادعي، على الوقوف في وجه الضغوطات الأمريكية، الهادفة إلى إرغام الأمم المتحدة، على قبول مبرراتها المزعومة، للحرب على العراق، وبالذات ما يخص إخفاءه أسلحة الدمار الشامل. أعلنَّ موقفهن، وأوضحن اختلافهن في المفهوم والفلسفة، عن البرادعي، ودعوْنه لمراجعة قرارات وكالة الطاقة الذرية، ذات المعايير المزدوجة، التي تسمح بتطوير تقنيات الطاقة، وتدعو إلى الحد من استخدام الأسلحة النووية، لأغراض عسكرية، في الوقت ذاته. وطالبن منظمة الصحة العالمية، بأن تتولي مسؤولية تقدير الأثر الصحي، للإشعاعات النووية، عوضاً عن المهنيين الأطباء، من وكالة الطاقة.

واستمرت النساء في عملهن، حيث لم تكن جائزة نوبل، سوى وسيلة لهدف أكبر، هو إبراز إنجازات النساء، والتوثيق لعملهن من أجل السلام، والتقييم العلمي الأكاديمي، والنضال من أجل عالم أفضل.

وما إنجاز الكتاب التوثيقي: "ألف امرأة عبر العالم" من نشر سكالو فيرلاغ/ زيوريخ، وإقامة معرض الصور التوثيقي، وإنشاء الموقع الإليكتروني، والبدء في إجراء البحوث والدراسات، سوى دليل على نجاح المشروع.

يعرض الكتاب لقصص، ورؤى، وطرائق عمل ألف امرأة؛ الأمر الذي يمكن أن يشكل هادياً ودليلاً ونموذجاً، للمنظمات غير الحكومية، والجامعات الأكاديمية. ويتكون معرض الصور، من ألف بطاقة، تتضمن صور المرشحات، ونبذاً عن حياتهن وعملهن. واحتوت الصفحة الإليكترونية، على صور للمرشحات، وقصص عن عملهن، الأمر الذي سوف يتيح مجالاً للتشبيك، وتبادل الخبرات بين النساء.

أما مشروع العام 2006، فعنوانه: "ألف امرأة عبر العالم"، وسوف يركز عمله، على التشبيك الفاعل ما بين الألف امرأة، عبر شبكة الإنترنت، وسوف يكون بإمكان النساء نشر المزيد عن عملهن، وعن منظماتهن، ومناطقهن، وسوف يشكل الموقع مرجعاً في موضوع السلام والنزاعات. أما النساء اللواتي لا تملكن وسيلة اتصال تقني، فسوف تلتقين عبر المؤتمرات والندوات الإقليمية. ويطمح المشروع، إلى إرسال ملخص للرؤى والاستخلاصات، إلى الأمم المتحدة، بمناسبة الذكرى السادسة، في أكتوبر 2006، لقرار الأمم المتحدة 1325، الذي يطالب بإشراك المرأة على كافة المستويات، في مفاوضات السلام.

قرأ العالم بأجمعه، عبر المنبر الدولي، الذي توفره اللجنة الأكاديمية السويدية، نص رسالة هارولد بنتر، بمناسبة فوزه بجائزة نوبل للآداب للعام 2005. تلك الرسالة اللاذعة الساخرة في لغتها، النقدية في مضمونها، والتي أتاح لها فوز صاحبها بالجائزة المرموقة، أن تنتشر بهذه الكثافة. تحدث عن وجوب فوز أمريكا بجائزة إبداعية، فقد "أبدعت في التلاعب بالقوة في العالم، واستطاعت التخفي وراء شعار الدولة، التي تعمل للمصلحة العالمية، لتنفذ بذكاء منقطع النظير، عملية تنويم مغناطيسي للعالم بأسره"، وانتقد الكثيرون ممن يصمتون، عن فضح جرائم الولايات المتحدة، بحق البشرية، ونوّه إلى نقص الوثائق، التي تفضح هذه الجرائم، ووصف أمريكا بأنها تفوقت، حين قدمت عرضاً مسرحياً عالمياً، "وهو عرض وحشي، وغير مبال، ومهين، وقاس؛ ولكنه عمل ماهر، يقوم به بائع ذكي، وسلعته عشق الذات".

وبعد، أرى الرمادي، ما بين الأبيض والأسود.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى