الأربعاء ٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٧
بقلم زهير كمال

الحراك المغربي وخيالات المآتة

شهد المغرب سلسلة من الاضطرابات الشعبية وبخاصة في شماله أي في منطقة الريف، اندلعت شرارة هذه الاحتجاجات بعد مقتل بائع الأسماك محسن فكري طحناً في سيارة القمامة، حيث كان يحاول استرداد بضاعته التي صادرتها الشرطة في مدينة الحسيمة.

ألا يذكرنا هذا بحادث آخر وقع في سيدي بوزيد مع بائع الخضار محمد بوعزيزي وكان السبب المباشر في ثورات الربيع العربي، أو بخالد سعيد الذي اغتيل على يد الشرطة المصرية أيام مبارك؟ ولن نستمر في سرد حوادث أخرى مماثلة في كل أقطار الوطن العربي، فالحالة واحدة، وهي دلالة على الانفصام الكامل بين الدولة ورعاياها من الطبقات المسحوقة والمعدمة، بين الشباب ورغبته في العمل بأية مهنة شريفة مهما كانت وضيعة ولكنها تضمن حياة كريمة وبين أنظمة تمثل شريحة صغيرة من المجتمع استشرست في الظلم والقمع والفساد لحماية مصالحها والحفاظ على الأوضاع القائمة التي وضعت كل الاقطار العربية على حافة الهاوية .

منذ (طحن) الشاب محسن فكري وحتى يومنا هذا أي قرابة أحد عشر شهراً ما زالت الاحتجاجات السلمية والمظاهرات اليومية تحدث دون كلل أو ملل في منطقة الريف.

ولا شك في أن رياح الديمقراطية تهب بقوة على أقرب منطقة في الوطن العربي لأوروبا، فالإسبان يمارسون حقهم في التظاهر، وأهل المغرب بعامة والريف بخاصة الذين يتقن كثير منهم الإسبانية يشاهدون ذلك على شاشات التلفاز ولا بد أن يتأثروا ويتعلموا من جيرانهم .

الفرق الوحيد أن المتظاهرين الإسبان يرجعون الى بيوتهم كل مساء، أما أهل الريف فان هذا الأمر في حكم الغيب.

فالنظام المغربي مثله مثل باقي الأنظمة العربية يؤمن بأن القمع هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الشعب، وإن لم ينفع القمع فإن المزيد منه كفيل بحل المشكلة.

وللتذكير فقط فإن جورج بوش أرسل معتقليه إلى بعض الأقطار العربية ومنها المغرب للتحقيق معهم باستعمال وسائل التعذيب المختلفة التي تتفنن فيها أجهزة المخابرات العربية لانتزاع الاعترافات بالقوة ، فلا يوجد قوانين تمنع التعذيب وإن وجدت فليس هناك رقيب ولا حسيب.

لم نجد وقتها أو بعد ذلك أية مؤسسة أو فرد يحتج على الموضوع ويطلب التحقيق بعد أن كشفته الصحافة الغربية، فربما كان الموضوع تلفيقاً ولكن حتى النظام لم يكلف نفسه بنفي الخبر.

ربما كان لسان حال الأحزاب والمؤسسات يقول إن هذا هو قدرنا الذي لا فكاك منه، أو أن الأمر طبيعي في ممارسة التعذيب بحق المارقين والفاسدين في الأرض الذين يتجرأون على ولي الله فيها، صاحب البلاد والعباد.

وبالطبع تستمر حالة ركود الماء الآسن في المستنقع في هذا الوطن العربي الكبير حيث يأكل الكبير الصغير ويحتال الكبار ويتفننون في إيجاد طرق جديدة لسرقة المال العام، أما الحكومات على مختلف اتجاهاتها فإنها مثل (خيال المآتة) تدعي أنها تراقب الوضع وتخدم الدولة وتسهر على راحة مواطنيها ، ولكنها تغمض أعينها على ما يجري من تحتها من سرقات.

والطريف في الأمر أن كافة أنظمة الحكم في الوطن العربي تحتوي على أجهزة لمكافحة الفساد كما أنها تحتوي على هيئات لحقوق الإنسان، أي أن الديكورات كاملة ولكن نجد أن الفساد يستشري ويزيد وحقوق المواطن تغتصب وتختفي.

وهكذا تظهر على السطح حالات تفضح الورم السرطاني الجاثم في الجسد العربي كما وجدنا ذلك في حالة محمد بوعزيزي ومحسن فكري. والحق أن الشعوب العربية هبت وتهب وستهب لتعبر عن الاحتقان الدائم.

نجد ذلك في البحرين في أقصى الشرق الى الريف المغربي في أقصى الغرب، وعندما تستمر حركة احتجاج على نطاق واسع ولمدة طويلة فإننا لا نطلق عليها حراكاً وإنما انتفاضة وهو الاسم اللائق بها.

وما دام المقال عن الشأن المغربي فان المرء يصاب بالعجب عندما يرى هذا العدد الكبير من الأحزاب التي تتنوع اتجاهاتها من اليمين الى اليسار. ويتفق الجميع على أن الوضع في غاية السوء، ولكن لا يجرؤ أي حزب على تبني الانتفاضة وتطويرها، فالأمر يعني مواجهة السلطة وهي أجبن كثيراً من ذلك ، وهكذا نستطيع القول إن هذه الأحزاب على كثرة عددها إنما هي خيالات مآتة أيضاً.

ولكن سرعان ما تفرز الانتفاضات الجماهيرية قادتها ، وهكذا برز ناصر الزفزافي وسليمة الزياني وغيرهما ممن لم يتأثروا بالعفن المستفحل في أحزاب الطبقة الوسطى.

وكالعادة تسخّر أجهزة السلطة المختلفة أدواتها من أجل تحطيم الانتفاضة وقادتها، فتارة تصف الانتفاضة بالجهوية أو العرقية وربما نتذكر وصف السادات لها بانتفاضة الحرامية، أما قادتها فهم عرضة للاعتقال والتعذيب والإهانات مثل تصويرهم عراة أو في أوضاع مخلة.

لاحظنا بعدها مسلسل التصريحات المستهجنة والشاجبة والمستنكرة لشخصيات مهمة في الحكومة، وكأنهم لا يعرفون أن هذا هو النهج القائم للسلطة التي يخدمونها.

وسمعنا وقرأنا الهمهمة والتمتمة وطحن الماء ولكننا لم نرَ ترجمة فعلية لتصريحاتهم القوية والشاجبة بأن يقدموا استقالاتهم، وهكذا كان الهدف منها هو امتصاص نقمة الجماهير. واذا سألنا لماذا لم يستقيلوا فالجواب بسيط: إن العبيد ( Esclaves ) لا يستقيلون.

ولعل من أغرب التصريحات تصريح رئيس الوزراء السابق الذي قال إن الفساد يزداد في البلاد وهذا تصريح في منتهى الخطورة، أليس من المفترض أنه حكم لمدة ست سنوات متواصلة وهي مدة كافية وكفيلة بإنهاء الفساد واقتلاعه من جذوره؟ فلماذا لم يفعل ذلك؟ واذا لم يكن في استطاعته فلماذا استمر في الحكم الى أن تم الاستغناء عن خدماته؟

تكشف انتفاضة الريف المغربي الرائعة عن الخلل الدائم في نهج الحكم القائم في الوطن العربي ككل، فالطبقة الوسطى التي تفكر وتبدع وتعمل على التقدم في الدول الأخرى إنما تتحول في بلادنا الى عبيد وخدم للحاكم serviteurs et esclaves، وتتحول إلى أفراد مدجنين خائفين مذعورين لا يملكون من قرارهم شيئاً، وللتشبيه فإنهم يتحولون إلى خيالات مآتة لا تستطيع طرد العصافير التي تقف على رؤوسها.

وهكذا فلا مناص - إن أردنا التقدم والنهوض - أن ننظر في النهج القائم فيصبح رأس النظام يملك ولا يحكم ويصبح رئيس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس نواب الشعب.

كما أن فصل الدين عن الدولة هو أحد الأسس الرئيسية للتقدم ، فلم يعد لازماً الدعوة لطاعة ولي الأمر والدعاء له بالرشد والصلاح وغير ذلك مما يخدر العامة بدعوتها إلى الاتكالية ويعميها عن المطالبة بحقوقها المشروعة التي ينص عليها الدستور، الذي يحوله حاكم اليوم الى قرطاس ورق لا يساوي الحبر الذي كتب به.

في كل أقطار الوطن العربي بلا استثناء، لسان حال الفقراء والشباب منهم يقول: هذه الدولة ليست لنا.

كل أقطار الوطن العربي براميل بارود قابلة للانفجار في أية لحظة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى