الحصيات الكلوية بين الطبّ والتقاليد الشعبية
في تراثنا الشعبي ولا سيما لدى سكان المناطق الحارة كالجزيرة والفرات والبادية عرفت تقاليد متداورة شفاهيا لطبابة الحصيات الكلوية، واستمرت هذه التقاليد رغم التطور الكبير الذي جرى على مختلف المعارف والعلوم الطبية، ورغم عدم سؤالنا عن أسباب هذا الاستمرار الذي نتركه للقارئ، فإن الأحرى بنا تتبع هذه التقاليد وتوصيفها لنقول في البداية: هل حقا لهذه الوصفات الجاهزة أية قيمة علمية؟ وما الذي يجعل بعضهم يتبرع على الفور بإبداء النصح ومنح التعليمات بلا مقدمات حتى لوصادف المريض في عيادة طبيب الكلية المختص أوغرفة انتظار الدور لتفتيتها؟ وليس العجائز وحدهن من يلحّ على هذه الوصفات الشعبية فالأمر يبدو أكثر من هذا عندما تجده شائعا في مختلف الأوساط !ويعدد أصحاب هذه الوصفات أنواع الخلطات ويبدون تعليمات دقيقة ويلحون عليك بأن تعدهم بتعاطيها فمنها على سبيل المثال: بذور الكتان،الغزل المتشكل حول عرانيس الذرة الصفراء، بذرة الخلة المسماة ( الديرم )وهي ذات رائحة ذكية وتستعمل عيدانها لتنظيف الأسنان، ماء الفجل، الثوم، ماء البقدونس، زيت الزيتون مع عصير الليمون، مصل اللبن، ماء الشعير بعد غليه، شراب المتا، شوك القطب، نبتة عريف الديك الضارة بحقول لقطن،وهذه النبتة تعدّ من موادهم الغذائية فهي تؤكل مسلوقة كالسبانخ ،وبعضهم يصف القشرة الداخلية لقوانص الدجاج وتناولها مسحوقة بعد تجفيفها، وكلها توصف على الريق صباحا بعد غليها بالماء، ويذكرون بكثير من التفصيل أسماء الذين تخلصوا من حصياتهم تماما بفضل هذه الوصفات، لكن الغريب في الأمر والمدهش منه أكثر أن بعض أصحاب هذه الوصفات هم شخصيا من مراجعي عيادات الأطباء للتفتيت أو العمل الجراحي فلماذا؟ نترك أيضا الجواب هنا للقارئ لنتوجه فورا إلى الدكتور محمد الناصر أخصائي الجراحة البولية والذي يشغل موقع رئيس الشعبة البولية في مشفى الأسد بدير الزور منذ عام 2003 ونجعل منه طرفا علميا مقابلا لكنه ليس طرفا نديّا بقدر ما هو داحض لمزاعم شعبوية غير علمية ولا أساس لها إلا الصدفة وحدها التي تتزامن مع خروج الحصيات بشكل تلقائي مع البول بسبب تناول كميات وفيرة من الماء، مع الإكثار من المشي. إن هؤلاء (الحكماء) المتبرعين بالوصفات يزعمون أيضا أن وصفاتهم غير ضارة بالصحة وقد يبدو هذا الزعم صحيحا إلى حد ما إذا ما علمنا أن بعضها مؤكد من الناحية العلمية.
أما عن أسباب تشكل الحصيات في المفهوم الشعبي فهم يتهمون السبانخ ،والسمك، والسكر، والشوكولا، ومشتقات الحليب وتحديدا الخاثر، والبيض، والكولا، والمشروبات الغازية،وملح الطعام كونه يسبب العطش،والكرش والمصارين المسماة قشة أو جوقات أو باجة، أمّا البدانة وتعاطي الدهون فهي عوامل مساعدة على تشكل الحصيات، كما لا يستثنون العامل الوراثي،فيسألون عن الأجداد، والأخوال، والأعمام، وهي أسباب أو مقدمات صحيحة نسبيا، لكن الدكتور الناصر يوافقنا ما جهدنا به في البحث عن الأسباب العلمية لتشكل الحصيات فزرنا عيادته في شارع العابد المسمى شارع الساعة ( ستة إلا ربع ) ولا ندري ما سبب هذه التسمية، لنتعرف في البداية على سيرته العلمية وحكايته التاريخية مع الحصيات التي ينحت بها منذ أن اختص بالجراحة البولية عام 1985 وأوفد إلى ألمانيا للتدريب على أجهزة التفتيت، ثم أوفد الى بريطانيا ، واتبع دورة أخرى للتدريب على التفتيت من قبل شركة وولف، وتفتيت حصيات الحالب، ودورة تنظيرفي مشفى الكلية، فضلا عن العديد من المهام الطبية والإدارية والمهنية ذات الصلة، ثم نتعرف منه على الأسباب العلمية لتشكل الحصيات الكلوية، لنجد أنها تتشكل عندما يتشبّع البول بمواد كيميائية مختلفة، وهذه المواد قد تتبلور وتشكّل ترسبات، تتشكل الحصاة بوجود تقرح في خلايا الأنابيب الجامعة أو من الحموض الأمينية والكربوهيدرات وقد تكون خثرة معوية أو خلايا قيحية أو جرثومية، تتشكل حصيات الكلية بصورة أكثر تواترآ عند الرجال في مقتبل وأواسط العمر، ويكون للأشخص الذين يعيشون في مناخ حار فرصة أكبر لتطوير الحصى في الكلية، وهذا ما يفسر كثرتها في البادية والجزيرة والفرات، وهناك بعض الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بهذه الحالة.
وتتكون بعض حصوات الكلية من أملاح الكالسيوم وهذا النوع من الحصى يظهر جيدا على صور الأشعة، وهناك حصوات أخرى تتكون من الاوكزالات أو الفوسفات أو حمض اليوريك، أو السيستين أو الميثيونين. وبشكل عام فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عديدة، تشمل النقرس، فرط نشاط الغدد جار درقية، متلازمة سوء الامتصاص أو المرض المعوي الالتهابي قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بحصى الكليه. إنّ الدكتور محمد الناصر وسواه من الاخصائيين يرون في بعض هذه الوصفات الشعبية مضيعة للوقت ، سببها اليأس والإحباط والتعلق بقشة للتهرب من العمل الجراحي أو التفتيت الذي ليس له أية مضاعفات أو أضرار على الكليتين كما يودّ تسويق الإشاعات بعض المغالين ولا نقول المشعوذين لان الطب الشعبي والبديل قد يفيد في حالة أو بعض الحالات، من قبيل المصادفة وليس من قبيل الدراسة والمعطيات العلمية ،وهو ليس بالضرورة نافع في كثير من أنواع الحصى وتركيبها فهذه الأمور تعود إلى أسباب تشكل الحصيات وهي كثيرة كما رأينا .
أما الوقاية من تشكل الحصيات فهي:
– شرب الكثير من السوائل ( حوالي ثلاث لترات يوميآ) وزيادة مدخول السوائل أثناء الجو الحار وممارسة التمارين الرياضية ، وإبقاء البول قلوي التفاعل لفترة طويلة .
- إنقاص ما تتناوله من البروتين والحدّ من ملح الطعام، وتجنب الإكثار من تناول، السبانخ و الهليون و الراوند،والخضار القاتمة ، لأنها تحث على تكوّن حصوات الأوكزالات. وتجنب منتجات الألبان كالزبدة و الجبنة أو التقليل منها، وتناول كميات من عصير البرتقال والليمون ،هنا يتساوق العلم ويتصالح نسبيا مع بعض التقاليد الشعبية ولما لا أليست بعض التقاليد والمعارف الطبية الشعبية مأخوذة من التجارب وهي ممارسات معروفة متداورة لديهم كابر عن كابر بسبب غياب البدائل فأين لهم من أجهزة التفتيت والتنظير والتصوير وهم لا يملكون غير وسيلة واحدة وهي نصح مريض الحصيات برعي الغنم ، وملاحقة الطرائد، والمشاركة في الألعاب والطقوس الشعبية كالرقص والدبكات والدحّة ليضطر إلى المشي والركض، والإكثار من الحركة ،لعلها تنزل بلا تفتيت أو جراحة، أو أنها تقتله كما فعلت بالجاحظ .