الكنايات والتهكّمات، وجهود صون التراث اللامادي
الكناية في اللغة:
هي أن يعبّر عن شيء معين بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامعين كقولك: هم بنو أمي أي أخوتي. بمعنى أن يتكلم بشيء يستدل به على المكنى عنه ولا يختلف المحدثون في النظر إليها على أنها: لون من ألوان التعبير البياني، وأن يدلّ اللفظ على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز. وقيل إن الكناية تعني: العدول على الألفاظ والعبارات الموضوعية - أصلا ً- للدلالة على معنى، أو شيء إلى عبارات أخرى تشير إليه.ومهما تعددت التعريفات، فهي لا تخرج عن كونها استعمالاً لفظياً مجازيا يقدم عليه توسعاً واقتداراً واختصاراً ثقة بفهم المخاطب. كما يقول الثعالبي في كتابة (فقه اللغة وسر العربية).
والكناية كما يقول البلاغيون على أنواع منها:
كناية عن صفة، كناية عن موصوف، كناية عن نسبة. يتضح من تعريف الثعالبي في أعلاه أن من أهداف الكناية الإيجاز وارى أن الكناية في الموروث الشعبي أكثر شيوعاً مما هي في الفصيح بسبب ميل العاميّة إلى السرعة تماشياً مع متطلبات الحياة وانعكاساً لسرعة إيقاعها خلافاً لاشتراطات الفصحى التي تتطلب التأني - النسبي - في اختيار اللفظ والدقة في مراعاة الضوابط اللغوية وتفادي الوقوع في اللحن. كل هذا يجعل من شيوع الكناية العاميّة أمراً سائغاً ومقبولاً.ومن نماذج الكنايات العاميّة ونأخذ تلك المتداولة في الجزيرة السورية أنموذجا:
1- وجهه مثل الليمونه(خائف)
2-إذني طنت(أحد ما خاض بسيرته)
3-عيني ترفّ(يعتقد بخبر سىء)
4- عيونه زاجّات(غضب)
5-عظامي تصل ّ(التعِب)
6- إلبس الباب(أخرج)
7-عينه فضية(الكريم)
8-عينه ضيجة(البخيل)
9- شمّع الخيط(هرب)
10- شلع البيشة (أي تخلّص من الرباط كناية عن المجنون) .
أمّا التهكمات الشعبية والتي هي الأخرى أحد موضوعات التراث اللامادي فهي عبارات أو مفردات ساخرة يراد بها غير معناها المباشر والتهكم في اللغة: الاستهزاء وهي تتماهى مع النكته لكنها تختلف عنها وظيفيا ووجه التماهي في الصوغ الفني،فالتهكمة غالبا ما تكون كالنكتة مثيرة للضحك، والتهكمة كناية ساخرة ومن نماذجها:
1- بايع ومخلّص:(مستهتر)
2- مأجّر:(مجنون)
3- بيه خويطات.(عقله ضعيف)
4- - طالعه عينه:(وقح)
5- قرط رأسه (الموت)
وقد تكون التهكمة مفردة واحدة مثل: يجرخ – يجلد - يصلح - يسرد، أي (يكذب) وقد تكون التهكمة بواسطة الإشارات الحركية، مثل: قلب الشفة، رفع الحاجبين، الغمز واللغمز،...وسواها،ومن التهكمات عبارات: النهي، والتأنيب،والشماتة،مثل قول عبارات:(تستاهل- خليك -) لمن يؤذي نفسه.
ومنها استعمال عبارات زجر حيوانات مثل: الزرد للحمار، العيمة للغنم، الفشة للماعز، الدود للكلاب،وسواها،هذا إذا ما غيبنا عن الذكر الشتائم الساخرة،
وهناك من يخلط بين جملة هذه المفاهيم ولا يفرّق بين النكات والتهكمات، وربما طال هذا الخلط الأمثال أيضا، فهناك من يعدّ التهكمات والكنايات من الأمثال،وهذا خطأ واضح يرتكبه بعض الكتاب فضلا عن العامّة،ونرى أن أسباب كل هذا الخلط تعود إلى غياب الدراسات الجادّة التي تتناول التراث اللامادي الذي هو ثقافة الشعب ومعارفه المتداورة شفهيا،وترفّع النقاد عن تناول الأدب الشعبي بجوانبه المختلفة والنظر إليه على أنه ثقافة مبتذلة وهامشية وبالتالي ترك هذا التراث عرضة لموجات الغزو العولمي والاختراق الثقافي لمنظومات الثقافة الوطنية،مما حدا بمنظمة (اليونسكو) إلى إقرار الاتفاقية الدولية لصون التراث اللامادي عام 2003 ومطالبة الدول الأعضاء في الاتفاقية بجمع وتوثيق ودراسة التراث الشعبي بجانبيه المادي واللامادي. وأرى أن كثيراً من الجهود العربية في صون التراث تتخبط بين سوء الفهم، وتخلّف الأسلوب،وبين هذا وذاك أسلوب بعض المهرجانات الاحتفالية التي ينتهي مفعولها بانتهاء فعالياتها، فضلا عن الندوات الخطابية الهشة فارغة المضمون التي تهدف بالدرجة الأولى إلى البهرجة الاستعراضية الإعلامية الكاذبة.والتي تتيح لكل مغرور ومهووس ومدّعي استغلالها منبراً لممارسة هواية الخطابة.
كل هذا ولا نجحف الاتجاهات الجادّة التي عمدت إلى التأسيس لمناهج عمل ومشاريع وخطط مستدامة لتوثيق وصون التراث اللامادي المهدّد بالانقراض. ومنها جهود بعض البلدان في لحظ المفاهيم التراثية في المقررات الجامعية والمناهج التربوية وإصدار المجلات المتخصصة، وتشكيل اللجان الوطنية والفرق المدربة لجمع هذا المخزون الهام من ثقافة الشعب.