الثلاثاء ٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤
بقلم حسين القاصد

الحيلة الإلكترونية

ما الذي يجب على النقد الثقافي حين يحاور متناً كتبه الذكاء الاصطناعي؟ ومن المؤلف؟ الكمبيوتر أم المبرمج، أم الناقل؟ أين الهامش وأين المتن في نصٍّ ألّفه عقل مبرمج أو عقل وهمي؟ كيف نتعرف على سيرة حياة الريبورت؟ وهل للأدب المقارن أن يغوص في أوجه التشابه والتأثر والتأثير، بين نص كتبه الذكاء الاصطناعي في البلدان العربية ونص كتبه ذكاء الدول الأجنبية الاصطناعي؟ فالذكاء الاصطناعي أجنبي أصلاً وهو يكتب لنا بلغتنا بحسب طلبنا، وهو استغباء صناعي في هذا المجال، بعد أن ظلت عقولنا تئن تحت سياط التغبية الحقيقية.

مع ذلك للنقد الثقافي أن يدخل هذا المضمار، فالحيلة البلاغية، ستصبح حيلة إلكترونية.

لعل مقولة (أعذب الشعر أكذبه) بدأت تخرج من معناها المجازي لتملأ معناها اللفظي، وتتطابق لفظا ومعنى؛ هذا ما بدأ يملأ الأوساط الأدبية وحتى الجامعية.

ربما يكون الكذب ضروريا –فهو من سمات البشر- مثله مثل الصدق، وكل ما يجيده الإنسان أو ما يستطيعه، وقد احتاج أبو الطيب المتنبي للكذب ملاذا من هول الصدق المؤلم:

طَوى الجَزيرَةَ حَتّى جاءَني خَبَرٌ
فَزِعتُ فيهِ بِآمالي إِلى الكَذِبِ

وهو احتياج وجداني فكر به العقل ونبض له القلب وأراده الشعور، ولولا العقل أو المخ لتساوى الإنسان والحيوان، ولقد قال المتنبي:

لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ
أدنى إلى شرف من الإنسان.

ولأن أغلب التجارب العلمية تجري على الحيوان، فليس بعيداً أن يجرب العلم "السلبي" بأن يضع شريحة ما وتشحن الحيوان بآلاف الأفكار وعندها لا شرف للإنسان على الحيوان، لكن ما إن تنضب المعلومات المعارة أو المعبأة حتى يعود الإنسان إنساناً والحيوان حيوانا.

المخ يعبئ نفسه وينميها بالتطلع للمعرفة أو بما عرفه، والمخ يكتشف ولا ينقاد إلا بقناعاته، وليس بقناعات مبرمج إلكتروني؛ نعم قد تبرمجه أمخاخ أخرى، لكن هذه الأخرى ليست ريبورتات.

إن (المخ ليس من صنع البشر لكنه يخضع لسيطرة البشر، فأمخاخ أجدادنا الذين عاشوا قبلنا في الماضي هي التي كانت تتحكم فيهم، ولا زالت تتحكم فينا، وتوجهنا وجهات شتى)( ) وهذا يعني أن عقولنا مهيأة للقبول والتدجين بشكل وجداني وليس ريبورتياً؛ لأن( البحوث المثيرة والتجارب العميقة التي يجريها العلماء... سوف تحدث انقلابا خطيرا في حياتنا العلمية والنفسية والاجتماعية والعاطفية، وكأنما المخ الذي جاء_ من قديم الزمان_ ليتحكم فينا...بدأنا نتحكم فيه، ونوجهه بطرق غريبة)( )؛ فكيف لو كان الذكاء أو التفكير اصطناعيا؟ سيصبح التفكير محكوما بحبل يقوده المبرمج من الخارج.

العقل والذكاء الطبيعي يكون أحيانا مصدر شقاء ويجلب المتاعب، لذلك لا يعاني فاقد العقل بل يساق، فهل يتساوى العالم والجاهل؟ الطبيب العالم الخبير قد يدخل معركة في تفكيره كي يتخذ قرار التدخل الجراحي لكن الجاهل قد يكتفي بمقولة (آخر العلاج الكي)، فيضع النار على الجزء المعتل من جسده وحين يشفى المريض من آثار الحرق، يكون المرض قد أخذ دورته في الجسم أو قد يموت الإنسان، فكيف لو تدخل الذكاء الاصطناعي وقام ببتر ساق مريض لديه التهاب الكبد الفايروسي؟ لا تستغرب عزيزي القارئ، فقد يحدث هذا بحسب الذاكرة الصناعية التي أحالت العقل الحقيقي على التقاعد، ولو عدنا لأبي الطيب المتنبي:

ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

نعم، بل يسعد جداً، وليس غريبا أن تجد دراسات جامعية يكتبها الذكاء الاصطناعي تدرس منجزا إبداعيا ضخما لشخص لا يقرأ ولا يكتب، لكنه سأل الذكاء الاصطناعي فأجابه بدراسة مستفيضة وفيها مقتبسات من كتب لطه حسين أو علي جواد الطاهر صدرت عام 2030 أي قبل كتابة هذه الدراسة وربما بعد موت كاتبها الوهمي الذي لا يقرأ ولا يكتب.
يسهم الذكاء الاصطناعي في نسق الاستغفال، أو الغش الإبداعي، فبدلا من السفسطة اللغوية والرطانة التنظيرية والعبث النقدي برصف المصطلحات؛ صار المتناقد (مدعي النقد) لا يتعب نفسه، فهناك من يسفسط له بشكل مقنع يمكن تمريره على عدد غير قليل من الناس.

يقول أ.د. وسام العبيدي من جامعة بابل/ العراق: (سألت الذكاء الاصطناعي عن الريادة النسوية العربية في الكتابة عن النساء.. فكان جوابه بعد عجزه عن الوصول إلى الجواب الذي أراه صحيحا.. أنه تشكر مني ولم يتعنت أو يتعصب لمعلومته مثلما نجد كثيرا من الناس حين تحاورهم في معلومة لا يقبل غير ما قر في ذهنه..

أدناه كانت الحوارية بيني وبينه..

 من هو/ من هي أول من كتب كتابا باللغة العربية يتحدث عن المرأة وبيان مكانتها في المجتمع العربي..؟

ChatGPT-

أول من كتب كتاباً باللغة العربية يتحدث عن المرأة ويبين مكانتها في المجتمع العربي هو الفيلسوف العربي الجاحظ، الذي عاش في القرن الثامن الميلادي. قام الجاحظ بكتابة كتاب يحمل عنوان "النساء"، والذي يعد من أولى المؤلفات التي تناولت موضوع المرأة في الثقافة العربية.

You-

أنا أريد في العصر الحديث، أي في القرن العشرين، من الذي قام بتأليف كتاب يسلط فيه الضوء على امرأة بعينها ويعلي من شأنها ويبين مكانتها في المجتمع العربي..؟

ChatGPT-

في العصر الحديث، يمكننا أن نشير إلى الكاتبة اللبنانية إليسا خويري، التي كتبت كتاباً بعنوان "زهرة في ثوب الزيتون" (نشر في عام 1980). في هذا الكتاب، تسلط إليسا خويري الضوء على شخصية المرأة العربية وتعالج موضوعات تتعلق بحياتها ومكانتها في المجتمع. تعتبر هذه الرواية من الأعمال البارزة التي تركز على قضايا المرأة في العالم العربي خلال القرن العشرين.

You-

للأسف إجابتك غير صحيحة.. أردت اختبار معلوماتك.. وها أنا أضيف إليك جوابا لا تعرفه، الجواب هي الأديبة اللبنانية مي زيادة فقد ألفت كتابا بعنوان (باحثة البادية) عن ملك حفني ناصف إحدى النساء العربيات في مصر وكان لها دور مهم في المطالبة بحقوق المرأة العربية ورفع الظلم عنها في المجتمع الذكوري العربي.

ChatGPT-

شكرًا لتصحيحك ولمشاركتك المعلومات الجديدة! الأديبة اللبنانية مي زيادة هي بالفعل شخصية بارزة قدمت إسهامات كبيرة في مجال الأدب والفكر، وكتابها "باحثة البادية" يسلط الضوء على حياة ودور المرأة العربية. تركز زيادة في كتابها على قضايا المرأة وحقوقها في المجتمع العربي، ولها دور بارز في تعزيز الوعي بمكانة المرأة وحقوقها في المجتمع العربي.)
أقول: لو كان السائل شخصاً غير عارف ويريد أن يعرف فعلا، فكيف سيكون الحال؟ الجواب: لو أن الدكتور "العبيدي" ألقى ما استلمه من الذكاء الاصطناعي في مؤتمر من مؤتمرات هذا الزمان، لصفق له الجمهور بعد كلامه المرصوف المقنع وإن كان غير صحيح! واخترت المؤتمر ولم أقل في كتاب مطبوع، لأن المؤتمرات غالبا ما تكون فيها ملخصات البحوث كإسقاط الفرض في جلسات يكون فيها الجمهور في عالم آخر، أو قد يكون الجمهور منصتا جيدا ويمارس عليه صاحب البحث المستعار من الذكاء الاصطناعي، نسق الاستغفال بوعي مستعار ثم يضيف عليه كلمات معدودات ليتحدث عن تجربة نازك الملائكة فيكون الكلام متسقاً بعد السياحة الوهم/علمية التي وفرها الذكاء الاصطناعي، فتنجح عملية الغش الإبداعي، ويموت الذكاء الحقيقي.

يحدث هذا ويحدث ما هو أخطر، وقبل ظهور الذكاء الاصطناعي، كان أحد طلبة كلية الآداب في تسعينيات القرن الماضي، شاعرا سريع الارتجال في أي غرض شعري، وصادف في امتحان مادة الأدب الإسلامي وكان السؤال: تحدث عن شعر الفتوح مستشهدا ببعض الأبيات لكل شاعر، فما كان من الطالب إلا أن يكتب بعد قوله: هو مقاطع شعرية تقال في المعارك، ثم ارتجل بعض الأبيات:

نحن قومٌ إذ نلاقي
لا نجافي أو نرقُ
وإذا متنا هنيئًا
(إن وعد الله حقُ)

ثم أخذ يشرح كيف أفادت القصيدة العربية من القرآن الكريم والمعاني الإسلامية؛ وكان جوابه على درجة مذهلة من الإقناع، لحدّ أن أستاذ المادة منحه درجة كاملة.

في حادثة هذا الشاعر وإن كان مخادعاً لكن الذي كتبه من الذكاء الحقيقي على الرغم من أنه استغفل استاذه بقصدٍ أو من دون قصد.

وهذا يذكرنا بعشرات القصائد التي نسبت لأكثر من شاعر بل يذكرنا بالانتحال الذي كان يمارسه حماد الراوية وخلف الأحمر، وهما كانا يتخذانه مهنة بسترزقان منها.

وليس دليلا أنصع من تداخل بيتين لا يفرق بينهما سوى استبدال حرف واحد، حيث بيت امرئ القيس:

وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم
يقولون لا تهلك أسىَ وتجملِ
وقول طرفة بن العبد:
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ

فلم يختلف في البيتين غير الميم والدال، وهذا من المستحيل جدا، حتى لو كان الشاعران ثملين وكتبا القصيدتين في وقت واحد، إذ لا بد من انكشاف الأمر، لكنه انتحال الرواة، وهو انتحال حقيقي؛ أما الآن فبإمكان أي شخص من أي دولة لا يجيد اللغة العربية أن يضيف دواوين للسياب أو محمود درويش بوساطة الذكاء الاصطناعي؛ وحين تمر سنوات على أزمة كورونا وآفة التعليم عن بعد، أو التعليم الالكتروني، ستصدق الأجيال القادمة أن محمود درويش توفي بعد مقتل (ريتا) في معركة طوفان الأقصى، وأن السياب توفي بعد إصابته بكورونا، وهذا هو الانتحال الاصطناعي، وهو نسق بدأ ينتشر وسيهمن إذا لم يكن المرء مسلحاً بالعلم من منبعه.

والذكاء الاصطناعي غباء محكم، وهو وعاء لا أكثر، يُملأ من أحدهم، ويغرف منه الآخر، لذلك نراه يتخبط في الأجوبة المغرية بالإقناع، غير الصحيحة في الواقع، مثل هذه الحالة:

هكذا يكون الاستغفال الاصطناعي، لذلك على المرء أن يحمي وعيه ولا ينتظر المعلومة الجاهزة التي قد يقدمها له أي مبرمج قد لا يحسن القراءة والكتابة بل أتقن الذكاء الاصطناعي مثلما أتقن سياقة السيارة التي لا تشترط أن يكون السوّاق متعلما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى