السبت ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم علاء بيومي

العلاقة بين اللوبي الموالي لإسرائيل ومسلمي أمريكا

الأسبوع الثالث من شهر يونيو 2004 شهد حادثة تصادم افتعلتها بعض أكبر المنظمات الأمريكية الموالية لإسرائيل مع طلاب مسلمين بإحدى جامعات ولاية كاليفورنيا، وعلى الرغم من خروج الطلاب المسلمين من الحادثة سالمين غانمين وارتداد الحادثة بالفشل والإحراج على المنظمات الموالية لإسرائيل التي افتعلتها إلا أن الحادثة جددت في أوساط المسلمين الأمريكيين مشاعر الحيرة والقلق من نوايا منظمات اللوبي الموالي لإسرائيل تجاههم، كما أعادت الحادثة تذكير مسلمي أمريكا برصيد منظمات اللوبي الموالي لإسرائيل على صعيد مساعيها لتهميش قوى مسلمي أمريكا السياسية وتشويه صورتهم خاصة منذ أحداث سبتمبر 2001، وسوف نستعرض في هذا المقال بشكل سريع سجل اللوبي الموالي لإسرائيل في حق مسلمي أمريكا خلال السنوات الثلاثة الماضية.

حادثة كاليفورنيا نموذجا

في منتصف شهر يونيو 2004 شنت بعض أكبر المنظمات الموالية لإسرائيل بأمريكا حملة شعواء ضد الطلاب المسلمين بجامعة ولاية كاليفورنيا بمدينة إريفين بسبب رغبة بعضهم (حوالي عشرين طالبا) في ارتداء وشاح أخضر مكتوب عليه عبارة الشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله) والآية الكريمة "رب زدني علما" خلال حفل تخرجهم.

وعلى الرغم من بساطة مطلب الطلاب المسلمين والذي اعتبره مسئولو الجامعة "تعبيرا عن التعددية والحرية الشخصية والسياسية" ولم يعيروه اهتماما في البداية شنت ثلاثة على الأقل من أكبر المنظمات الأمريكية الموالية لإسرائيل حملة نقد لاذعة للطلاب المسلمين سارعت بعض أبواق الإعلام اليمينية المتطرفة - مثل قناة فوكس الأمريكية - لدعمها.

والمنظمات الثلاثة هي المنظمة الصهيونية الأمريكية (أسست في عام 1897)، والكونجرس اليهودي الأمريكي (أسس في عام 1918)، وعصبة مكافحة التشويه اليهودية وهي أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية المعنية بمكافحة اللاسامية والمؤسسة في عام 1913.

اتهمت المنظمات الثلاثة الطلاب المسلمين بأن ارتدائهم الوشاح يعبر عن مساندتهم الضمنية للإرهاب وشبهت المنظمات الموالية لإسرائيل الوشاح بالملابس التي ترتديها بعض الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، وأكثر من ذلك تمادت لجنة مكافحة التشويه في إساءتها للمسلمين عندما أشارت إلى الشهادة – في بيان لأحد مكاتبها بكاليفورنيا - على أنها "تعبيرا عن الكراهية" وعلى أنها "ترتبط ارتباطا وثيقا" بالإرهاب وأنها عبارة "مسيئة للطلاب اليهود".

وطالبت المنظمات جامعة كاليفورنيا بإريفين بمنع الطلاب المسلمين من ارتداء الوشاح خلال حفل تخرجهم وإدانة ارتداءه علنا.

في المقابل رفضت الجامعة مطالب المنظمات الموالية لإسرائيل على الرغم من الهجوم الإعلامي الذي تعرضت له من قبل وسائل الإعلام اليمينية والمنظمات الموالية لإسرائيل ومسانديها والذين سارعوا بمراسلة الجرائد المحلية بكاليفورنيا لوضع مزيد من الضغوط على الجامعة، كما مر حفل تخرج الطلاب المسلمين بسلام والذين ارتدوا الأوشحة والتي لم تلفت انتباه أحد من المئات الذين حضروا حفل التخرج وانشغلوا بمشاركة ذويهم فرحة تخرجهم كما أشارت وسائل الإعلام المحلية التي تابعت القضية.

أكثر من ذلك اضطرت عصبة مكافحة التشويه على تقديم اعتذارها لمسلمي أمريكا بسبب ما ذكرته من عبارات مسيئة في حق عبارة "الشهادة" بعد أن طالبها بذلك مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) والذي يعد أكبر جماعات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية في بيان رسمي صدر عنه في التاسع عشر من يونيو 2004.

سجل اللوبي الموالي لإسرائيل في حق مسلمي أمريكا

الحادثة السابقة ليست المرة الأولى - خلال السنوات الثلاثة الأخيرة - التي تتعرض لها المنظمات الموالية لإسرائيل للفشل والإحراج على الصعيدين الإعلامي والعام بسبب مواقفها الساعية لتشويه سمعة المسلمين الأمريكيين ولإعاقة اندماجهم الإيجابي بالمجتمع الأمريكي.

 ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالا في الثالث من نوفمبر 2001 كشف عن تنظيم مجموعة من أكبر المنظمات الموالية لإسرائيل حملة لتشويه صورة مسلمي أمريكا ومنظماتهم بعد الاهتمام الإعلامي الذي سلط عليهم في أعقاب هجمات 11/9.

وقالت الصحيفة أن المنظمات الموالية لإسرائيل شنت "حرب فاكسات أطلقت منذ وقوع الهجمات (في 11/9)، إذ قامت منظمات موالية لإسرائيل أو منظمات يهودية أمريكية مثل عصبة مكافحة التشويه، ورابطة الدفاع اليهودية، ومركز أبحاث الشرق الأوسط والذي يديره الكاتب (الأمريكي المتطرف) دانيال بايبس بمد وكالات الأخبار الأمريكية بحزم من الوثائق المضادة للقيادات مسلمي أمريكا".

وأوضح التقرير أن حملة المنظمات الموالية لإسرائيل ضد مسلمي أمريكا وقادتهم ومنظماتهم جاءت بعد اجتماع الرئيس الأمريكي بقادة مسلمي أمريكا عدة مرات في أعقاب هجمات 11/9، وأن الحملة سعت للتشكيك في مصداقية قادة مسلمي أمريكا ونواياهم أمام وسائل الإعلام ومن ثم أمام الرأي العام الأمريكي.

كما تضمن التقرير مقابلات مع بعض مديري المنظمات الموالية لإسرائيل أكدوا فيها حرصهم على تتبع كل ما يصدر عن المنظمات المسلمة الأمريكية الكبرى وقادتها في المساجد وفي النشاطات الجماهيرية وفي غيرها من الأماكن وتسجيله وتزويد الصحافة الأمريكية ببعض هذه التسجيلات إذا تطلب الأمر.

 وفي الفترة ذاتها وتحديدا في أكتوبر 2001 أصدرت اللجنة اليهودية الأمريكية وهي أيضا واحدة من أكبر المنظمات الموالية لإسرائيل وأسست في عام 1906 إحصاءات سكانية حاولت التقليل من أعداد مسلمي أمريكا، وأشارت وكالة أسوشياتد برس الأمريكية في تعليقها على تقرير اللجنة إلى أن مدير اللجنة ويدعى دايفيد هاريس سبق وأن حذر في مقال نشره بجريدة جروزاليم ريبورت الإسرائيلية في الحادي والعشرين من مايو 2001 من التحدي الذي يمثله زيادة أعداد مسلمي أمريكا وتأثير ذلك على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

وقال أسوشياتد برس أن اللجنة اليهودية الأمريكية تقدر أعداد اليهود الأمريكيين بستة ملايين نسمة وأن منظمات المسلمين الأمريكيين تقدر عدد المسلمين الأمريكيين بحوالي 6-7 مليون نسمة، لذا كتب ديفيد هاريس في جروزاليم ريبورت يقول "رقم ستة مليون له صدى خاص ... هذا يعني أن المسلمين يفوقون في عددهم اليهود في الولايات المتحدة وأن هذه ركيزة لدعوات إعادة تعريف التراث الأمريكي كتراث يهودي- مسيحي- إسلامي كما يهدف قادة مسلمي أمريكا علنا".

 كما أثار موقف المنظمات الموالية لإسرائيل حفيظة منظمات الحقوق المدنية الأمريكية المختلفة بعد أحداث سبتمبر 2001 بسبب موقف بعض أكبر المنظمات الموالية لإسرائيل المساند لقوانين مكافحة الإرهاب بشكل أثار حفيظة منظمات الحقوق المدنية والتي رأت أن بعض هذه القوانين ذات تأثير سلبي على حقوق وحريات مسلمي وعرب أمريكا بشكل خاص وعلى حقوق وحريات الشعب الأمريكي بشكل عام ودعت المنظمات اليهودية الأمريكية للتحالف معها في جهودها لمكافحة التبعات السلبية لهذه القوانين ولكنها المنظمات الموالية لإسرائيل رفضت، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الثالث من يناير 2002.

وقد سبق لبعض المنظمات الموالية لإسرائيل تأييد قوانين مكافحة الإرهاب الصادرة في عام 1996 والتي مررت في عهد الرئيس بيل كلينتون وتضمنت بنود سمحت باعتقال المشتبه فيهم بناء على أدلة سرية لا يتم الإعلان عنها لهم أو لمحاميهم، وقد طبق بند الأدلة السرية بصفة تمييزية استهدفت بالأساس بعض النشطين المسلمين والعرب، وثبت فيما بعد عدم دستورية هذا البند وقامت جماعات الحقوق المدنية الأمريكية بحملات واسعة لإبطاله ولكن بعض المنظمات الموالية لإسرائيل أيدت قانون الأدلة السرية وشهدت أمام الكونجرس تأييدا للأدلة السرية.

 وفي منتصف عام 2003 ساندت بعض المنظمات الموالية لإسرائيل ترشيح الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للكاتب المتطرف دانيال بايبس لعضوية مجلس إدارة معهد الولايات المتحدة للسلام، وهو ترشيح عارضته المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية بسبب رؤى بايبس المتشددة خاصة فيما يتعلق بدعوته المستمرة لتهميش مسلمي أمريكا سياسيا والحد من نفوذهم وقدرتهم على النمو السياسي.

ففي الحادي والعشرين من أكتوبر 2001 ذكر دانيال بيبس في خطاب ألقاه في مؤتمر لمنظمة الكونجرس الأمريكي اليهودي "أنا قلق بقدر كبير جدا - منطلقا من وجهة النظر اليهودية - من أن وجود وارتفاع مكانة وتأثير وانتشار المسلمين الأمريكيين … سوف يمثل خطرا حقيقيا على اليهود الأمريكيين"، كما طالب بايبس في مقال نشره بمجلة كومنتاري في نوفمبر 2001 بتطبيق قوي "لضغوط سياسية واجتماعية للتأكد من عدم منح الإسلام موقعا خاصا من أي نوع في هذه البلاد (أمريكا)".

وتعرض دانيال بيبس خلال عام 2002 لعاصفة من النقد عندما أطلق موقعا الكترونيا يسمى "مراقبة الحرم (الجامعي)" لمراقبة الأساتذة والمؤسسات الأكاديمية التي تنتقد إسرائيل وتتعاطف مع الإسلام والمسلمين، وقد طالب الموقع الطلاب بتزويده بمعلومات عن أساتذتهم وأرائهم السياسية.

وقد ساندت حملة مسلمي وعرب أمريكا ضد ترشيح بايبس عدد من أكبر الصحف الأمريكية وعلى رأسها جريدة واشنطن بوست وعدد من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مثل السناتور الديمقراطي الشهير إدوارد كيندي ومع ذلك وقفت بعض المنظمات الموالية لإسرائيل خلف ترشيح بايبس وأيدته.

 كما سعت المنظمات الموالية لإسرائيل على فترات مختلفة للضغط على منظمات المجتمع المدني الأمريكية ومطالبتها بعدم إشراك المنظمات المسلمة الأمريكية في فعاليتها والتي دارت في كثير من الأحيان حول قضايا الحقوق المدنية ومكافحة التمييز ضد أبناء الأقليات في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي بعض الأحيان رفضت المنظمات الأمريكية المدنية الانصياع لضغوط المنظمات الموالية لإسرائيل وأصرت على دعوة المسلمين الأمريكيين مما جلب على المنظمات الموالية لإسرائيل الفشل والإحراج.

العلاقة بين اللوبي الموالي لإسرائيل ومسلمي أمريكا

متابعة مواقف المنظمات الموالية لإسرائيل تجاه مسلمي أمريكا خلال السنوات الأخيرة يكشف عن الحقائق التالية:

أولا: اللوبي الموالي لإسرائيل مدفوع في مواقفه المضادة لمسلمي أمريكا بتحيزه الذاتي ضد مسلمي أمريكا، فمواقف اللوبي الموالي لإسرائيل ليست ردودا على مواقف تصادمية بادرت بها المنظمات المسلمة الأمريكية، فنحن لم نسمع عن منظمات مسلمة أمريكية طالبت باستقصاء المنظمات اليهودية الأمريكية من المشاركة في فعاليات الحياة المدنية الأمريكية أو مؤسسات المجتمع الأمريكي العامة.

ثانيا: اللوبي الموالي لإسرائيل يهاجم في العادة المنظمات المسلمة الأمريكية الناجحة وذات القواعد الجماهيرية المسلمة الأمريكية الواسعة والقادرة على إيصال وجهة نظر مسانديها إلى الرأي العام الأمريكي، فلولا ظهور هذه المنظمات وقدرتها على الوصول إلى المنابر الإعلامية والسياسية الأمريكية العامة لتوضيح مواقفها الأصلية لما هاجمها اللوبي الموالي لإسرائيل.

ثالثا: المنظمات الموالية لإسرائيل تستخدم في هجومها على مسلمي أمريكا ومساعيها لتشويه صورتهم أدوات العمل الإعلامي والسياسي المعروفة في المجتمع الأمريكي والقانونية والتي تجيدها هذه المنظمات بحكم خبرتها وبحكم إمكانياتها المادية والبشرية، وللأسف تستخدم المنظمات الموالية لإسرائيل هذه الأدوات المشروعة في تحقيق أهداف غير سوية تضر بمصالح أقلية أمريكية أخرى ناشئة وهي المسلمين الأمريكيين.

رابعا: المنظمات المسلمة الأمريكية ردت على حملات اللوبي الموالي لإسرائيل باستخدام أدوات العمل السياسي والإعلامي والقانوني المعروفة والمتبعة في مثل هذه الظروف، وخاصة فيما يتعلق بفضح ممارسات اللوبي الموالي لإسرائيل أمام وسائل الإعلام الأمريكية بالأسلوب الصحيح وفي الوقت المناسب وبالسرعة الكافية.

خامسا: موقف اللوبي الموالي لإسرائيل المتشدد سلبيا ضد مسلمي أمريكا لم يمنع المسلمين الأمريكيين من التعاون والحوار مع بعض المنظمات اليهودية الأمريكية المعتدلة في القضايا المشتركة، فعلى سبيل المثال شاركت بعض المنظمات اليهودية الأمريكية في حملة مسلمي وعرب أمريكا للاعتراض على ترشيح دانيال بايبس لعضوية مجلس إدارة معهد الولايات المتحدة للسلام.

أخيرا: إذا استمرت المنظمات الموالية لإسرائيل في تمييزها ضد مسلمي أمريكا ومساعيها لتشويه صورتهم، وزادت قدرة المنظمات المسلمة في الأمريكية في رصد محاولات اللوبي الموالي لإسرائيل وفضحها أمام الرأي العام الأمريكي بالأدوات الإعلامية المناسبة وعلى نطاق كافي، واستمرت المنظمات المسلمة الأمريكية على نهجها الرافض للانزلاق الأخلاقي والسياسي لمواجهة اللوبي الموالي لإسرائيل بأساليبه الملتوية، فإن ذلك سوف يضر بلا شك على المدى الطويل بمصداقية المنظمات الموالية لإسرائيل أمام الرأي العام الأمريكي وسوف يبني قاعدة أخلاقية وسياسية قوية لمسلمي أمريكا لدى الشعب الأمريكي.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى