القدس مسألة وطنية وليست دينية
القدس مدينة.. مدينة فلسطينية. انها مثل باقي مدن العالم، بقعة جغرافية على الأرض يقطنها سكان ولها هويتها الوطنية، تفاعل سكانها فيها ومعها لإنتاج ماضيهم وحاضرهم بكل ما يحمله هذا الانتاج من بنى مادية ومعنوية تُعطي المدينة طابعاً حضارياً معيناً في فترة زمنية معينة، ولكنها في النهاية تبقى مدينة لسكانها وأهلها. القدس ليست مدينة يهودية أو مسيحية أو اسلامية وإن كانت فيها معالم مقدسة من هذه الديانات. مثلها مثل الكثير من مدن العالم، فهل اسطنبول (القسطنطينية سابقاً)، مثلاً، مدينة تركية أم انها اسلامية أم بيزنطينية مسيحية؟ وماذا عن الاسكندرية، هل هي مدينة مصرية أم انها وثنية يونانية أم مسيحية قبطية أم اسلامية؟. وماذا عن دمشق؟ وماذا عن روما نفسها؟
يرفع الاسلاميون في خطابهم الصفة اليهودية عن القدس في خضم دفاعهم عنها في وجه التهويد، ويرفضون القصة اليهودية حول "الهيكل المزعوم" كما يقولون، ويصرّون على اسلاميتها كونها تحتضن الحرم القدسي الشريف بما فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة. ومن هنا يقع الاسلاميون في التناقض، فقصة المسجد الأقصى اسلامياً مرتبطة بهذا الهيكل المزعوم حسب النصوص الاسلامية نفسها!! إذ لا يمكن فصل المسجد الأقصى عن هيكل سليمان في الأدبيات الاسلامية المبكرة، رغم محاولات بعض الاسلاميين المعاصرين ايجاد مخرج مناسب مثل قولهم أن المسجد الأقصى هو هيكل سليمان نفسه. صحيح أن الآية الاولى من سورة الاسراء التي تتحدث عن المسجد الأقصى، الذي أسرى اليه الله عز وجل نبيه محمد (ص) من المسجد الحرام بمكة، لا تحدد مكان هذا المسجد الأقصى، إلا أن شبكة من الروايات الاسلامية كالعادة تتدخل لتفسير الآيات القرآنية. وفي هذه الحالة يأتي "حديث الاسراء" ليعطينا تفسيراً لمكان المسجد الاقصى، مع العلم أن هذا المسجد الموجود الآن قد بُني زمن عبدالملك بن مروان وابنائه الوليد وسليمان حوالي 70 ـ 80 هـ (715م). أما حادثة الاسراء نفسها فقد تمت في السنة الاولى قبل الهجرة (621م). أي أن الفترة الزمنية الفاصلة بين الاسراء وبين بناء المسجد الاقصى فعلياً تُقارب مائة عام، الأمر الذي يقتضي السؤال عن كيفية زيارة الرسول الكريم لمسجد بُني لاحقاً؟ مع التذكير أن خلقاء بني أمية قاموا ببناء الحرم القدسي في القدس كبديل عن الحرم المكي أثناء سيطرة ثورة عبدالله بن الزبير على مكة ومنعهم من الحج اليها.
حديث الاسراء يخبرنا كما رواه الصحابي أبو سعيد الخدري (رض): "ثُم أتيت بيت المَقْدِس، أو قال المسجد الأقصى، فنزلت عن الدابة فأوثَقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها، ثم دخلت المسجد فصليت فيه.." (تفسير الطبري). وواضح هنا أن الحديث الشريف لا يوضح لنا مكان المسجد الأقصى، فهو يتعامل مع "بيت المقدس" تبادلياً مع "المسجد الأقصى"، فبيت المقدس هنا ليس مدينة (ليس مدينة القدس)، وانما الأغلب أنه "بيتٌ مُقدّس"، خاصة وأن نفس الحديث في تفسير الجلالين يتعامل مع بيت المقدس على أنه مذكر (بيت) وليس مؤنث (مدينة): "أتيت بيت المقْدِس فربطت الدابة بالحلقة التي تربط فيها الأَنبياء ثم دخلت فصليت فِيه ركعتين ثم خرجت.." (تفسير الجلالين). فالحديث يقول صراحة "صليت فيه" وليس "صليت فيها". وما يدعم هذا الرأي أيضاً قول الرسول في الحديث نفسه: "وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن اشياء من بيت المقدس لم اثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط، قال: فرفعه الله الي انظر اليه" (ولم يقل انظر اليها). بالاضافة الى تأكيد ابي بكر الصديق (رض) ان بيت المقدس بيت وليس مدينة: "قال يا نبي الله فصفه لي، فإني قد جئته" (ولم يقل قد جئتها)، مع أن أبا بكر في الحديث المنسوب اليه لا يخبرنا عن مكان بيت المقدس الذي زاره. ولكن ابن اسحق لاحقاً (توفي عام 151 هـ)، صاحب السيرة، هو من قال ان بيت المقدس يقع في ايلياء (القدس حالياً): ".. المسجد الاقصى، وهو بيت المقدس من أيلياء"، اي ان المدينة هي ايلياء، وان البيت (المعبد أو المسجد) هو بيت المقدس. هذا المعنى يجعل من بيت المقدس أصح لغوياً لو كان "بيت مُقَدس" أو "البيت المُقَدس" (بضم الميم وفتح القاف)، بل ان الإمام النووي كان قد اشار الى هذا المعنى: "قوله: بيت المقدس، فيه لغتان مشهورتان، احداهما: فتح الميم واسكان القاف، والثانية: ضم الميم وفتح القاف" (صحيح مسلم بشرح النووي). ويبدو أن المسلمين التابعين، كابن اسحق، قد جعلوا من ايلياء بيت المقدس كمدينة بعد بناء المسجد الأقصى فيها لاحقاً زمن الأمويين، حبث تماهت مدينة القدس ببيت المقدس، فأصبح بيت المقدس مدينة.
والحق يقال أن الاحاديث النبوية الشريفة حول المسجد الأقصى لا تقف عند حديث الاسراء، بل هناك الكثير مما يُمكن الاستفادة منه، مثل: روى مسلم في صحيحه عن ابي ذر انه قال: "قلت يا رسول الله اي مسجد وضع في الارض اول؟، قال: المسجد الحرام، قلت ثم اي، قال: المسجد الاقصى، قلت كم بينهما، قال اربعون سنة.. " (صحيح مسلم). قال حذيفة: "قلت يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيما عند الله؟، قال: اجل، بناه سليمان بن داود من ذهب.. (ويتفنن الحديث في وصف معبد سليمان الخيالي على الطريقة التوراتية).." (الطبري). وعن عبدالله بن عمرو بن العاص عن الرسول: "لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس.. " (النسائي وابن ماجة). وعن ميمونة مولاة النبي (ص) أنها قالت: "يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، فقال ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حرباً، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" (سنن ابي داود).
فها هو الرسول الكريم يقول أن بيت المقدس بناه سليمان بن داود، فكيف ينكر الاسلاميون ذلك ويدّعون أن هيكل سليمان مزعوم؟! خاصة وأن الأحاديث النبوية تعتبر اسلامياً مفسرة للآيات القرآنية، وعند أهل السنة والجماعة تعتبر بقوة الآيات نفسها (على الأقل عند الامام الشافعي)؟! هل يعي الاسلاميون خطورة "أسلمة" مسألة القدس، خاصة وأنهم يدعمون دينياً من حيث لا يعلمون حق اليهود المتطرفين في بناء هيكل سليمان؟! الحقيقة أن هذه الاحاديث لا تصمد أمام الفحص الدقيق للروايات نفسها، فلا يمكن أن يكون الفاصل الزمني بين المسجد الحرام (بناه ابراهيم عليه السلام) وبيت المقدس (بناه سليمان عليه السلام) أربعين سنة، وإنما ألف سنة تقريباً (بالمناسبة، أول فقيه مسلم تحفظ على هذا الخطأ كان ابن خلدون المتوفى عام 808 هـ، أما ابن الجوزي (ت 597 هـ) فحاول ايجاد تخريجة مناسبة ما زال الاسلاميون يكررونها الى اليوم مفادها أن آدم عليه السلام هو من بنى كلا المسجدين)!!. ومن ناحية أخرى حسب رواية ميمونة نفهم أن بيت المقدس زمن الرسول كان قائماً فيزيائياً وأن الرسول دعاهم لبعث الزيت لإنارة قناديله!! فما صحة هذه الروايات المنسوبة للرسول (ص)؟
جاء فتح بيت المقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) سنة 15 هـ (638م) بعد موت الرسول (ص)، فماذا وجد المسلمون هناك؟ لا شيء البتة: يذكر الامام احمد عن عبيد بن ادم انه سمع عمر بن الخطاب يسأل كعب الاحبار: "اين ترى ان اصلي؟، قال: ان اخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله (ص)، فتقدم الى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط ردائه وكنس الكناسة بردائه". وفي رواية أخرى: "ثم استشار كعبا أين يضع المسجد؟ فأشار عليه بأن يجعله من وراء الصخرة، فضرب في صدره، وقال: يا ابن أم كعب، ضارعت اليهودية، وأمر ببنائه في مقدم بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك..." (البداية والنهاية لابن كثير، الجزء السابع). الواضح من هذه الروايات أن المسجد الاقصى (او بيت المقدس) لم يكن موجودا فيزيائيا زمن فتح القدس، الامر الذي دفع عمر بن الخطاب ان يسأل كعب الاحبار (يهودي من كبار علماء اليهود اصله من اليمن وأسلم زمن ابي بكر الصديق) عن مكان الصلاة، فلو كان المسجد الاقصى (او بيت المفدس) موجوداً فعلياً لما سأل عمر كعب الاحبار اين يصلي، ولكان عمر ببساطة دخل المسجد الاقصى كما دخله الرسول وصلى فيه، وربما تسنّى له أن يربط دابته بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء؟!.
والجدير بالذكر ان الصخرة التي كانت قبلة لليهود هي، حسب المعتقدات اليهودية، المكان الذي جعله داود مذبحا للرب، ثم بنى ابنه سليمان هيكلا للرب في ذلك المكان وجعل من الصخرة المكان الذي يوضع فيه تابوت العهد (الذي يحتوي على الواح الوصايا التي انزلها الرب الى موسى عليه السلام في سيناء) داخل حجرة قدس الاقداس (ربما من هنا جاءت تسمية بيت المقدس). ولكن بعد تدمير الهيكل على يد الجنرال الروماني تيطس عام 70 م اصبحت الصخرة هي قبلة اليهود، لهذا كان كعب الأحبار مهتماً بها، محاولاً خداع عمر بن الخطاب ليجعلها قبلة للمسلمين بدل الكعبة. هذه الصخرة أصبحت حسب المعتقد الاسلامي الصخرة التي عرج منها الرسول الى السماوات، وعليها بنى الأمويون قبة الصخرة المشرفة. فهل ترون ضراوة الصراع المبني على روايات دينية تفتقر الى الدعم التاريخي العلمي؟!
ننتقل الآن الى ما تقوله التوراة والوثائق التاريخية بخصوص مدينة القدس: تم بناء الهيكل الثاني في اورشليم عام 520 ق.م، والمقصود بالهيكل الثاني (او هيكل زربابل) الهيكل الذي بني في أورشليم بعد العودة من السبي البابلي (حسب ما ورد في العهد القديم)، بدلاً من الهيكل الأول الذي دمرته جيوش نبوخذنصر (هيكل سليمان) عام 586 ق.م. وفي عام 397 ق.م اعلن الكاهن عزرا عن بدء العمل بالديانة اليهودية في الهيكل في اورشليم حسب ما ورد في العهد القديم (وهنا يذهب معظم الباحثين في الديانة اليهودية أنها بدأت فعلاً من هذا التاريخ، أما قبل ذلك فكانت أفرب الى الديانة الكنعانية الوثنية). في عام 332 ق.م قام الامبراطور المقدوني الاسكندر الاكبر باحتلال فلسطين والمنطقة بكاملها. وبعد موته تقاسم جنرالاته المنطقة فيما بينهم. في عام 167 ق.م احكم السلوقيون في سوريا السيطرة على اورشليم، وقام انطياخوس الرابع بانتهاك قدسية الهيكل اذ قدم خنزيرة كقربان على المذبح وسلب كنوزه، وتم ايقاف العبادة في الهيكل. هذا الامر اثار سكان مقاطعة يهودا فقاموا بثورة بقيادة المكابيين بمساعدة روما وانتصروا فيها، واعطوا على اثرها حكماً محلياً على منطقة يهودا بما فيها اورشليم، وقاموا بتطهير الهيكل واعادوا العبادة والقرابين. في عام 63 ق.م قام الجنرال الروماني بومباي باحتلال اورشليم واعطى الحكم فيها للحشمونيين ولكن تحت حماية روما. في عام 37 ق.م قام الوالي الروماني هيرودت باعادة بناء الهيكل وتوسيعه، واصبح يعرف بمعبد هيرودت. في عام 66 م قام اليهود بثورة ضد الرومان ادت في النهاية الى دخول الجنرال الروماني تيطس الى اورشليم عام 70 م واحراقه وتدميره للمعبد نهائيا. في عام 135 م اعاد الامبراطور الروماني هادريان بناء اورشليم حيث قام ببناء اسوار جديدة حول منطقة الحرم القدسي، واعطى المنطقة اسم "فلسطين" رسميا واعطى اورشليم اسم "ايليا كابيتولينا" رسميا، وقام ببناء معبد للاله الروماني جوبيتر فيها. في عام 313 م اعلن الامبراطور الروماني قسطنطين المسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية ونقل العاصمة الى القسطنطينية في تركيا. وقامت امه الملكة هيلانة باستكشاف الاماكن المقدسة في فلسطين بناءً على الروايات المتداولة وتم بناء كنيسة القبر المقدس عام 326م التي اصبحت تعرف بكنيسة القيامة. في عام 614 م سقطت ايلياء في يد الفرس، وقيل انهم قاموا بتدمير في المدينة. في عام 628 م اعاد الامبراطور هيراكولس (هرقل) ايلياء الى الحاضرة البيزنطية. في عام 638م فتح الخليفة عمر بن الخطاب ايلياء واصبحت تعرف ببيت المقدس أو القدس، ووجد منطقة الحرم القدسي مدمرة وخالية كما هو واضح من روايات فتح بيت المقدس، وهو ما يتطابق مع المعلومات التاريخية، فقام عمر ببناء مسجد فيها (الجامع القبلي)، ثم قام عبدالملك بن مروان بتوسيع المسجد وتحديثه (المسجد الأقصى). وتعافبت عمليات اعادة بناء المسجد الأقصى بسبب الزلازل (زمن المنصور، ثم الهادي، ثم الخليفة الفاطمي الزاهر عام 1036 م).
هذا العرض المختصر لتاريخ مدينة القدس من عام 520ق.م الى عام 638م يبين لنا ان الهيكل الثاني ومعبد هيرودت في القدس كانا قد دُمّرا تماماً وان معبدًا للاله الروماني جوبيتر كان قد بني بعدهما، ثم دمر الاخر بدوره. اذاً، عن اي "بيت مقدس" او"مسجد اقصى" في القدس تحدث الصحابة والمسلمون الاوائل؟! (او ربما هكذا نُسبَ اليهم لاحقاً في مرحلة التدوين في العصر العباسي الأول). الواضح من الحقائق التاريخية لمدينة القدس ومن اقوال بعض الصحابة عن حادثة الاسراء وعن فتح بيت المقدس (خاصة حذيفة بن اليمان) انه لم يكن هناك "بيت مقدس" قائما مادياً في القدس زمن حادثة الاسراء والمعراج أو زمن فتح بيت المقدس. وأن الاسراء والمعراج لم يكن إلا "حلماً مقدساً" حلم به الرسول الكريم حسب ما ورد عن عائشة أم المؤمنين (رض): عن عائشة ام المؤمنين كانت تقول: "ما فقد جسد رسول الله (ص)، ولكن الله اسرى بروحه" (الطبري). وعن معاوية بن ابي سفيان اذا سئل عن مسرى رسول الله (ص) قال: كانت رؤيا من الله صادقة" (الطبري). هذه الأحلام المقدسة للأنبياء عن العروج الى السماء كانت منتشرة في الديانات الشرقية القديمة وخاصة في الزردشتية، بل إن أنبياء اليهود في السبي البابلي، مثل اشعيا، قد قاموا برحلات اسراء الى اورشليم. فهل نصدق هذه الروايات؟! إنها روايات أغراضها دينية لا أكثر، ولا يمكن التعامل معها كحقائق تاريخية.
أما بخصوص هيكل سليمان بن داود الذي من المفترض حسب التوراة ان سليمان عليه السلام قد بناه عام 950 ق.م، والذي بناه سليمان من ذهب حسب الحديث المنسوب للرسول (ص)، فكل الأبحاث الآثارية المعاصرة لا تجد أي آثار لداود وسليمان في بداية عصر الحديد الأول (القرن 12 - القرن 10 قبل الميلاد) في منطقة فلسطين كلها، وأن معظم هؤلاء الباحثين يشككون أصلاً بوجود داود وسليمان كشخصيات تاريخية. ان المسح الاركيولوجي الحديث الذي قام به الباحثان الاسرائيليان كوشافي وفنكلشتاين لمنطقة الهضاب الداخلية لا يشير الى احتمال قيام مدن (او حتى بلدات) في منطقة اورشليم قبل عصر الحديد الثاني (القرن 10 ق.م). وهذا يتناقض مع السرد التوراتي في سفر صموئيل القائل بان الملك داود كان قد اقتحم مدينة اورشليم من اليبوسيين واعاد بناءها ووحد مملكتي اسرائيل ويهودا في مملكة واحدة حوالي عام 1000 ق.م وصل نفوذها الى الفرات ابان حكم ابنه سليمان؟! فالوثائق الأشورية التي تعود الى هذه الفترة لا تشير من قريب ولا من بعيد لوجود ممكلة داودية أو سليمانية، فالمنطقة كلها من العراق الى بلاد الشام كانت تحت الوصاية الأشورية. وفي هذه الفترة بالذات تصادمت مصر مع آشور على حدود التماس في فلسطين. فأين كانت مملكة دواود وسليمان التي وصلت الى حدود الفرات؟! يبدو أن المتدينين المسلمين واليهود وإن اختلفوا حول الحاضر فإنهم لا يختلفون حول الماضي في تصديق هذه الروايات التوراتية التي دخلت نسيج الروايات الاسلامية على أنها أحداث تاريخية فعلاً.
لا شك ان عالمة الاثار البريطانية كاثلين كينيون هي صاحبة اليد الطولى في التنقيبات الاثرية في الستينات في مدينة القدس، فقد قامت بالتنقيب في المنطقة الجنوبية الشرقية حيث يعتقد وجود مدينة داود وهيكل سليمان. الا انها لم تعثر على اي دليل على وجود هيكل يعود الى عصر الحديد الاول، وان كل ما عثرت عليه هو جزء من اساسات سور هيرودوت (جزء من هذا السور ما زال قائما والمعروف بحائط المبكى). الا ان كاثلين كينيون لم تقدم تقريرا نهائيا عن نتائج دراساتها، الامر الذي دفع المدرسة البريطانية للآثار في القدس الى رفع جزء من المادة الاثارية التي جمعتها كينيون من مدينة داود الى استاذ الآثار فرانكين ومساعدته مارغريت ستينر في جامعة لايدن في هولندا لدراستها. بعض من نتائج هذه الدراسات نشرتها ستينر في دورية الآثار المختصة عام 1998، حيث اكدت على انه لا وجود مطلقا لاي دليل على وجود مدينة أو بيوت في تلك المنطقة تعود الى عصر البرونز الاخير أو عصر الحديد الاول بما فيها عصر داود وسليمان. اما بداية الاستيطان الحقيقي فقد بدأت مع الدخول في القرن الثامن ق.م. وتعلق الباحثة ستينر على هذه النتائج بالقول: "لم يكن هناك اي مدينة لكي يحتلها داود"، و"تاريخ أورشليم يجب اعادة كتابته". أما عالم الآثار الاسرائيلي فنكلشتاين من جامعة تل أبيب فإنه يرى أن مدينة داود لم تكن إلا قرية صغيرة وفقيرة، وليس هناك أي دليل أثري يدل على أن هيكل سليمان كان موجوداً بالفعل. فهل نقتنع نحن المسلمين بأن اسراء الرسول الكريم كان حلماً مقدساً ورؤيا صادقة كما روي عن عائشة ومعاوية؟!
نعم، تاريخ القدس يجب اعادة كتابته بمعزل عن الروايات والمعتقدات الدينية كلها: اليهودية والمسيحية والاسلامية (مع احترامنا الشديد لكل الأديان ولشعور المتدينين)، خاصة وأن الروايات اليهودية قد تغلغلت في نسيج الروايات الاسلامية (ما يُعرف بالإسرائيليات). لقد ضاعت فلسطين وتشرد الشعب الفلسطيني نتيجة مزاعم دينية بنى عليها الساسة دولتهم المقدسة، فهل نُعيد القضية الفلسطينية بما فيها مسألة القدس الى جوهرها الوطني بعيداً عن تجاذبات رجال الدين المأخوذين بروايات دينية لم يكن هدفها التاريخ؟ فالقدس مدينة مثلها مثل بيت لحم ونابلس ويافا وعكا، سيطرت عليها اسرائيل بعد قيامها عام 1948 وحرب 1967، ولهذا يجب النظر الى القدس من هذه الزاوية الوطنية السياسية الشاملة، أي قضية احتلال وتدمير وتهجير ومستوطنات. ويبدو لي أن الاحتكام الى الانجازات الحديثة لعلمي الآثار والتاريخ (خاصة وأن للباحثين الاسرائيليين والغربيين باعاً طويلة فيها) في مواجهة مزاعم اليهود المتطرفين أفضل من الاحتكام للمعتقدات الاسلامية التي تعيدنا الى المربع اليهودي الأول (الى حضن معبد سليمان)، وهو ما يريده هؤلاء المتطرفين اليهود. وبالإمكان الاستفادة أيضاً من أبحاث بعض المؤرخين الاسرائيليين المعاصرين مثل "شلومو ساند" استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب الذي توصل الى أن الأحفاد الحقيقيين لأبناء يهودا القديمة هم على الأغلب الفلسطينيون المعاصرون وليس اليهود الاوروبيين من أصول خزرية والذين هاجروا الى فلسطين على مدى قرن من الزمان. على الفلسطينيين المسلمين أن يكونوا مُهيئين عقلياً ونفسياً لتقبل نتائج أبحاث الآثار المعاصرة، ففيها الكثير مما يتعارض مع معتقداتهم الدينية، تماماً كما حصل لليهود والمسيحيين من قبلهم.
مشاركة منتدى
6 أيلول (سبتمبر) 2020, 12:24, بقلم ع
اوافقك في مجمل المقال الا بعض الاشياء:
– الاسراء لم يكن رؤيا بل فعل الاهي كرم الله رسوله صلي الله عليه و سلم به...
– كون مكان النسجد الاقصي ( و خلط مصطلح بيت المقدس به و هو مصطلح لم يذكر في كتاب الله و لا في سورة الاسراء او غيرها ، بل مصطلح وضعي و لا اظن اي من الاحااديث النبويه او احاديث الصحابه عنه صحيحه و حتي الوثيقه العمريه ذكرت المنطقه او المدينه بايلياء و لو افترضنا ان خطاب الرسول صلي الله عليه و سلم الي هرقل صحيح فمستغرب انه لم يتضمن ذكر الاقصي او بيت المقدس حتي؟ ) و قدش و المنبثقه منها بيت مقدش هي لفظ باللهجه العبريه العربية اليمنية الاصل و اصلها من الفاظ جزء من يهود و احفاد بني اسرائيل ( القبيله العربيه اليمنيه) الذين هاجروا الي شمال الجزيره العربيه بعد انهيار سد مأرب ( و لكن بقي اخرون في الجزيره العربيه من خيبر شمالا الي الجزء الاوسط من اليمن.
– و كما قلت سيادتكم ان احاديث بيت الاقص عن النبي صلي الله عليه و سلم هي من الاسرائيليات لايهام المسلمين بانهم مشاركون ، كإرث حتي، في الرساله الاخيره للبشريه من الله.
– و من نزلت عليهم سورة الاسراء من اهل مكه و الكعبه التي كانوا يطلقون عليها المسجد الحرام ايضا،يعرفون المسجد الاقصي الذي بناه سيدنا ابراهييم في الاصل و الذي كانوا يتبعون ملته لكن بعد ان تبدلت و عادت للوثنيه و دخل الشرك في عقيدتها و شعائرها ( الحج مثلا)....
– اما موضوع المعراج فانا مؤمن بحدوثه و لكن اشك في صحة اي من المروي من احاديث ، فقط ما ذكره الله عنه في سورة النجم