القصيدة الدعدية
القارئ للشعر العربي القديم لا بد وأن يكون قد مرت أمام عيننه مجموعة من القصائد، البعض منها يتنازعه أكثر من شاعر ويدعيه لنفسه،
ومن هذه القصائد قصيدة تسمى ب"القصيدة الدعدية" وهذه القصيدة لها قصة مشوقة، وقد ادعاها لأنفسهم شعراء كثر،ولذا فقصتها جديرة بأن تروى.
تقول الحكاية أن امرأة من نجد أو من اليمن وهي بالمناسبة أميرة من الأميرات العربيات أخذت على نفسها العهد أن لا تتزوج من رجل إلا إذا غلبها بفصاحته و بيانه، وبقي الأمر على هذه الحال مدة ما تقدم إليها رجل فيها ليخطبها للزواج إلا وخسر الرهان بما عنده من بلاغة وفصاحة ورجع مهزوما يجر وراءه أذيال الخيبة. وحدث أن سمع بها شاعر بليغ وفارس شجاع وأراد أن يجرب حظه في طلب الزواج منها، فاجتهد في سبك قصيدة وأحسن سبكها مبنى ومعنى، ثم عزم على الرحيل ليخطب المرأة، وفي الطريق أبصره رجل من الذين سبق لهم أن تقدموا للزواج من الأميرة ورسبوا في الامتحان، فتقدم لشاعرنا وسأله عن الغرض من سفره، فأخبره بأنه يريد الزواج من الأميرة وأنه يحمل معه قصيدة للامتحان،
فاحتال الرجل إلى أن قتل الشاعر وأخذ القصيدة منه وذهب بها إلى الأميرة.
سألته الاميرة عن نفسه فأجاب إجابات تخالف تماما ما يوجد في القصيدة، فصرخت على الفور:
اقتلوا هذا فإنه قاتل بعلي.
وقد ادعى القصيدة كثير من الشعراء، فنسبت مثلا إلى ذي الرمة، وإلى أبي الشيص وإلى العَكَوَّك الخ، والقصيدة مشهورة ب"القصيدة الدعدية"نسبة إلى "دعد" الذي هو اسم الأميرة.
ونظرا لطول هذه القصيدة من جهة ،ونظرا إلى إيغالها في وصف جسد المرأة، سنقتصر منها على ما يفي بالغرض فقط.وقبل ذلك نشير إلى أن هذه القصيدة شبيهة بقصيدة النابغة الذبياني وخاصة في وصف "المتجردة" زوجة الملك النعمان، وهي القصيدة التي تبدأ بهذا البيت:
أمنَ آل ميةَ رائح أو مغتدِ
عجلانَ ذا زاد وغير مزوّدِ
القصيدة الدعدية:
هَـــل بِــالــطُّلولِ لِــسائِل رَدُّ
أَم هَـــل لــهــا بِــتَــكَلُّمٍ عَــهدُ
أبــلَى الــجَديدُ جَــديدُ مَعهَدِها
فَــكَــأَنَّما هـــو رَيــطَةٌ جُــردُ
مِن طولِ ما تَبكي الغُيومُ على
عَــرَصــاتِها ويُــقَهقِهُ الــرَّعدُ
وتُــــلِــثُّ ســارِيــةٌ وغــادِيَــةٌ
ويَــكُــرُّ نَــحــسٌ خَــلفَهُ سَــعدُ
تَــلــقــى شَــآمِــيَــةٌ يَــمــانِــيَةً
لَــهُــما بِــمَورِ تُــرابِها سَــردُ
فَــكَسَت بَــواطِنُها ظَــواهِرَها
نَـــورًا كـــأَنَّ زُهــاءَهُ بُــردُ
يَــغدُو فَــيَسدي نَــسجَهُ حَدِبٌ
واهــي الــعُرى ويُــنيرُهُ عَهدُ
فَــوَقَفتُ أســألها ولــيسَ بِــها
إِلَّا الــمَــهــا ونَــقــانِقٌ رُبـــدُ
ومُــكَــدَّمٌ فــي عــانةٍ جَــزَأَت
حَــتَّى يُــهَيِّجَ شَــأوَها الــوِرْدُ
فــتناثرت دِرَرُ الــشُؤونِ عَلى
خَـــدّى كَــمــا يَــتَناثَرُ الــعِقدُ
أو نــضحُ عزلاءِ الشَّعيب وقد
رَاح الــعَسيف بــملئها يــعدُو
لَــهَفي عَــلى دَعــدٍ وَما حفَلت
إِلّا بــــحــرِ تــلَــهُّــفي دَعـــدُ
بَــيضاءُ قَــد لَــبِسَ الأَديمُ أديم
الــحُــسنِ فــهو لِــجِلدِها جِــلدُ
وَيَــزينُ فَــودَيها إِذا حَــسَرَت
ضــافي الــغَدائِرِ فــاحِمٌ جَعدُ
فَــالوَجهُ مــثل الصُبحِ مبيضٌ
والــشعُر مِــثلَ الــلَيلِ مُــسوَدُّ
ضِــدّانِ لِــما اسْــتُجْمِعا حَسُنا
وَالــضِدُّ يُــظهِرُ حُــسنَهُ الضِدُّ
أوَ مــا تَــرى طِــمرَيَّ بَينَهُما
رَجُـــلٌ أَلَـــحَّ بِــهَزلِهِ الــجِدُّ
فَــالسَيفُ يَقطَعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ
وَالــنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمدُ
هَـــل تَــنفَعَنَّ الــسَيفَ حِــليَتُهُ
يَـــومَ الــجِلادِ إِذا نَــبا الــحَدُّ
وَلَــقَــد عَــلِمتِ بِــأَنَّني رَجُــلٌ
في الصالِحاتِ أَروحُ أَو أَغدو
بَــردٌ عَــلى الأَدنــى وَمَرحَمَةٌ
وَعَــلى الــحَوادِثِ مارِنٌ جَلدُ
مَــنَــعَ الــمَــطامِعَ أن تُــثَلِّمَني
أَنّـــي لِــمَعوَلِها صَــفاً صَــلدُ
فَــأَظــلُّ حُـــرّاً مِــن مَــذّلَّتِها
وَالــحُرُّ حــينَ يُــطيعُها عَــبدُ
آلَــيــتُ أَمـــدَحُ مــقرفاً أبَــداً
يَــبقى الــمَديحُ وَيَــذهَبُ الرفدُ
هَــيهاتَ يــأبى ذاكَ لي سَلَفٌ
خَــمَدوا وَلَــم يَــخمُد لَهُم مَجدُ
وَالــجَدُّ حــارثُ وَالــبَنون هُمُ
فَــزَكا الــبَنون وَأَنــجَبَ الجَدُّ
ولَــئِــن قَــفَوتُ حَــميدَ فَــعلِهِمُ
بِــذَمــيم فِــعــلي إِنَّــني وَغــدُ
أَجــمِل إِذا طــالبتَ فــي طَلَبٍ
فَــالجِدُّ يُــغني عَــنكَ لا الــجَدُّ
وإذا صَــبَــرتَ لــجهد نــازلةٍ
فــكــأنّه مـــا مَــسَّــكَ الــجَهدُ
وَطَــريــدِ لَــيــلٍ قــادهُ سَــغَبٌ
وَهــنــاً إِلَـــيَّ وَســاقَــهُ بَــردُ
أَوسَــعتُ جُــهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً
وَعَــلى الــكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ
فَــتَــصَرَّمَ الــمَــشتي وَمَــنزِلُهُ
رَحــبٌ لَــدَيَّ وَعَــيشُهُ رَغــدُ
ثُــــمَّ انــثــنى وَرِداوُّهُ نِــعَــمٌ
أَســدَيــتُها وَرِدائِـــيَ الــحَمدُ
لِــيَــكُن لَــدَيــكَ لِــسائِلٍ فَــرَجٌ
إِن لِــم يَــكُن فَــليَحسُن الــرَدُّ
يــا لَــيتَ شِــعري بَــعدَ ذَلِــكُمُ
ومــحــارُ كُـــلِّ مُــؤَمِّلٍ لَــحدُ
أَصَــريعُ كَلمٍ أَم صَريعُ ردى
أَودى فَــلَيسَ مِــنَ الــرَدى بُدُّ
والله المستعان.
