الثلاثاء ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم صلاح السروي

المثاقفة وسؤال الهوية

مساهمة فى نظرية الأدب المقارن

لقد قام الأدب المقارن – باعتباره علم دراسة العلاقات الأدبية بين الأمم – على عنصرين رئيسيين:
 الأول: ظهور مفهوم العالم.
 الثانى: ظهور مفهوم الدولة القومية.

ويعتبر المفهومان – رغم ماقد يبدو بينهما من تخالف – نتاجين لعامل تاريخى واحد، هو الحركة الصاعدة للطبقة البرجوازية الأوربية، بدءا من القرن السادس عشر – العصر الماركنتالى – وحتى انتصارها الكامل على منظومة المجتمع الاقطاعى - التقليدى، سياسيا وقانونيا وثقافيا فى نهايات القرن الثامن عشر. وهو ما أدخل الى عالمنا مفهوم المجتمع المدنى الحديث، لكى يشكل منظومته البديلة، القائمة على مفاهيم العلم والعقل والديمقراطية.
واذا كانت هذه المفاهيم قد تجسدت فى مؤسسات ذات طابع قانونى واعتبارى،شكلت ملامح الدولة والنشاط الثقافى والعلمى المرتبط بها، فانها، جميعا، رغم شعارات الحرية والاخاء والمساواة وحقوق الانسان، نظرت الى الآخر فى بقية أنحاء العالم باعتباره "موضوعا"، أكثر منه باعتباره شريكا فى الانسانية.

ومن هنا قامت ظاهرة الاستعمار تحت زعم ايديولوجى يقوم على أساس فكرة تصدير قيم الحرية والتقدم. ولأن الواقع قد كذب هذا الزعم على نحو دامغ، فان الاستخلاص الرئيسى الذى يمكن أن نخرج به من ذلك هو أن الغرب قد انطلق من معانى مضمرة داخل خطابه تتحدد فى: أن الغرب، وحده، هو الذى يمتلك هذه القيم الانسانية، وأن الآخرين ليسوا أكثر من برابرة، وأنهم فى حاجة الى من يقودهم ويأخذ بناصيتهم. ولقد تم التصريح بهذا المعنى على كافة الأشكال الممكنة، كأن يقول فيكتور هوجو، ممجدا حملة نابليون بونابرت على الشرق، فى قصيدة بعنوان: "هو":

بجانب النيل، أجده مرة أخرى
ومصر تتألق بنيران فجره،
وصولجانه الامبراطورى يبزغ فى الشرق
ظافرا، مليئا بالحماسة، متفجرا بالانجازات
ابن المعجزة، أذهل أرض المعجزات
والشيوخ المسنون أجلوا الأمير الفتى الحكيم
وملأ الناس خوفا جيوشه التى لم يكن لها سابق
ونبيلا، جليلا ظهر للقبائل المذمومة
مثل ماهومت غربى. (1)

فنابليون هو الذى جعل الفجر يبزغ على أرض مصر، بعد أن كانت ترفل فى الظلام الدامس!!،

وهو الذى أخرجها من الظلمات الى النور!! متشبها فى ذلك ب"ماهومت"، كما تراه قبائل العرب التى آمنت به. وماهومت هذا ليس سوى محمد (ص) الذى ظهر لتلك لقبائل "المذمومة" "الذاهلة" "الجاهلة"، والتى لم تكن تعرف من الحضارة أوالانسانية شيئا!!. لقد تماثل وضع نابليون ازاء المصريين مع وضع النبى الهادى، الذى أخرج العرب من ظلمات الجهل الى نور الهداية.

وهو نفس المعنى الذى قصده جان – باتيست – جوزيف فورييه، حين قال عن مصر:
"هذا البلد الذى نشر معرفته الى أمم كثيرة، غارق الآن فى البربرية ".(2)
وهى، أيضا، نفس المعانى التى تفصح عنها أقوال اللورد كرومر، الذى أضاف اليها هجاء عنصريا صريحا فى كتابه: "مصر الحديثة"، حين يقول:

".. والافتقار الى الدقة، الذى يتحول بسهولة ليصبح انعداما للحقيقة، هو فى الواقع الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقى. الأوربى ذو محاكمة عقلية دقيقة، وتقريره للحقائق خال من أى التباس، وهو منطقى مطبوع، رغم أنه قد لا يكون درس المنطق، وهو بطبعه شاك ويتطلب البرهان قبل أن يستطيع قبول حقيقة أى مقولة، ويعمل ذكاؤه المجرد مثل آلة ميكانيكية. أما عقل الشرقى فهو على النقيض، مثل شوارع مدنه الجميلة، صوري. يفتقر بشكل بارز الى التناظر، ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى أقصى درجة (.. ) خذ على عاتقك أن تحصل على تقرير صريح للحقائق من مصرى عادى، وسيكون ايضاحه بشكل عام مسهبا، ومفتقرا للسلاسة. ومن المحتمل أن يناقض نفسه بضع مرات قبل أن ينهى قصته، وهو غالبا ما ينهار أمام أكثر عمليات التحقيق لينا".(3)

ولنلاحظ التعميم الواضح فى تعبير "عقل الشرقى.."، فالشرق عنده كتلة صماء، لا فروق فردية بين أبنائه، ولا اعتبار لعناصر الزمان، أوالمكان، أوالتطور التاريخى، أو درجة التعليم.. الخ. وهذا الشرقى، عنده، كاذب ومحتال ومتناقض مع نفسه وغير منطقى بحكم الطبيعة والتكوين. وبالمقابل، فالغرب أيضا يمثل كتلة واحدة لافروق بينها، فلابد أن يكون الانسان الأوربى ممثلا للعنصر الأرقى والأفضل، فهو يقف على النقيض من الشرقى، لأنه مفطور على التفكير المنظم الدقيق، العقلانى المنطقى.. الخ.

هكذا تفضى الحضارة العقلانية والحداثية الى فكر عنصرى تعميمى يختلط بسمات أسطورية وخرافية واضحة، ويتحول العلم الى نوع من الدجل، والمنطق الى الخلط . وهو ما يستثير أسئلة كثيرة: فهل هناك سمات محددة تسود جميع الأوربيين، دون استثناء؟ وهل يستوى ساكن الجبل أوراعى الماشية فى جبال الألب مع المتخرج فى السربون أو أكسفورد؟ وهل أوربى العصور الوسطى هونفسه الذى يعيش فى القرن التاسع عشر وما بعده؟ وبماذا يمكن أن نفسر كل أشكال النشوز الاجتماعى والسلوك الاجرامى الذى يمكن أن يقترفه بعض الأوربيين على مدار التاريخ سواء القديم أو الوسيط أو الحديث؟ وكيف نفسر تراجع أوربا فى العصور الوسطى وقيام شعوب غيرها بحمل مشعل الحضارة، كالعرب المسلمين مثلا، اذا كانوا مفطورين على الفطنة والتفكير المنظم؟ أم أن هناك مهمة أخرى لهذا الخطاب؟

ويمكن أن نستخلص بعض مضمرات هذا الخطاب، من خلال ملاحظة تلك المقابلة المصطنعة

بين"العقلين". الأمر الذى يفضى، منطقيا!! الى تبرير مهمة الحملات الاستعمارية التى تسعى الى حكم هؤلاء (البشر!!) الذين لا يستطيعون حكم أنفسهم، والتفكير بالنيابة عنهم. ان مهمة هذه الحملات، بحسب هذا الفهم، هى(تلقين) هذا "الشرق البدائى"، "المشوه"، "غير الأخلاقى"، "العاجز" عن ممارسة التفكير المنطقى، تلقينه طرائق الحياة الانسانية (الغربية بالطبع) واعادته الى نهج الانسانية التاريخى الذى حاد عنه!!.. يقول د. أنور عبدالملك:
"وهكذا ينتهى الأمر بالتنميط – القائم على خصوصية حقيقية، لكنه منفصل عن التاريخ، ومن ثم يعتبر شيئا مجردا أو جوهرا خالصا، وهو ما يحيل "الموضوع" المدروس الى كائن آخر، وتكون "الذات" التى تدرسه كائنا له وجوده "المتعالى"، كما ينتهى الأمر الى أن يصير لدينا جنس الانسان الصينى، وجنس الانسان العربى (ولماذا لايكون لدينا جنس الانسان المصرى وهلم جرا؟) وجنس الانسان الافريقى. (بينما) المفهوم بأن الانسان، أى "الانسان السوى" (أو الطبيعى) هو الأوربى المنتمى الى الفترة التاريخية، أى منذ عهد اليونان القديمة". (4).

والمقصود بعبارة: "التنميط القائم على خصوصية حقيقية"، التى ذكرها د. أنور عبدالملك، هى تلك السمات الشائعة لدى جماعة محددة فى مرحلة زمنية محددة. ومحاولة تعميم وتثبيت هذه السمات وتأبيدها، بحيث تصبح سمات مطلقة عابرة للزمان. ولعل هذا نفس ما قصد اليه ادوارد سعيد باطلاقه تعبير: "شرقنة الشرق" (5) التى تعنى حبس الشرق ضمن اطار جغرافى تخيلى يقدم تصورات جاهزة ومعدة سلفا، تتأسس على مشاهد شرق "ألف ليلة وليلة"، الشرق العجائبى السحرى الفطرى الشهوانى – الروحانى.. الخ. وبالتالى الشرق المتخلف البدائى الذى يغذى النظرة القائمة على الاحساس المفعم بالتفوق العنصرى والثقافى – الحضارى، وبالتالى، الاستعلاء المبنى على ضآلة شأن الآخرين وتفاهة أمرهم، الأمر الذى يفضح الموضوع برمته ويحوله الى الاتجاه المضاد للشعارات البراقة المعلنة.

لقد كان الحديث عن الآخر - الشرقى بهذه الصفات ضروريا لصياغة فكرة أكثر ملاءمة عن (الأنا) الأوربى. ولعله من أهم أسباب العمل على خلق وايجاد هوية ثقافية لتلك الدول القومية الفتية (أتحدث عن بواكير القرن التاسع عشر) هو اكتشاف نقائض تلك الهوية، بما يجعلها محددة بحدود قاطعة وموسومة بسمات مائزة. يقول ادوارد سعيد:

" الهوية لايمكن أن توجد بمفردها ومن دون ثلة من النقائض والنوافى والأضداد:

فالاغريقيون يقتضون البرابرة والأوربيون يقتضون الأفارقة والشرقيين.. الخ والعكس صحيح دون ريب". (6)

ولعله فى نفس هذا المعنى يقع ما أورده صامويل هنتنجتون – وان كان فى سياق مغاير بالطبع - بقوله:

".. فنحن لا نعرف من نكون الا عندما نعرف من ليس نحن، وذلك يتم غالبا عندما نعرف نحن ضد من ". (7)

ومن هنا كان اكتشاف الآخر بمثابة شرط ضروري لاكتشاف الذات. وهكذا ظهرت علوم الاستشراق والأدب المقارن والانثروبولوجيا.. الخ.

وعلى الرغم من سبق مفهوم الأدب العالمى weltliteratur عند جوته ( 1827 ) على مفهوم

الأدب المقارن Compartive literature، مرتكزا (الأول) على مبدأ الاخاء الانسانى وأن الأدب فى أى مكان هو أدب الانسان فى كل مكان، وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد جاء على نحو رومانتيكى غامض، فان مفهوم "العالمي" ومعه مفهوم "الرائع"، قد انطلقا - مع الأدب المقارن - من معايير المركزية الأوربية، وباتجاه تكريس ودعم سيطرتها الكاملة على العالم.(8)

ومن هنا فان الحديث عن الأدب المقارن الذى كان من المفترض أن يعنى بدراسة تفاعل آداب العالم قد تحول فى مجال الممارسة الى نوع من التراتبية التى تحتل أوربا المركز الأسمى منها كما جاء عند أويرباخ فى كتابه: "محاكاة" (1945).

واذا كانت هذه المعانى قد ظهرت، على نحو علمي ومنهجي عبر مفهومى التأثير والتأثرعند المدرسة الفرنسية (والألمانية)، فانها لم تتغير كثيرا عند المدرسة الأمريكية، التى اعتبرت أن الدرس النقدى المقارن لابد أن ينطلق من مفهوم أن أوربا و أمريكا (الغرب) يمثلان مركز العالم، وأن دراسة أدب هذا العالم انما هى ضرورة يمليها الأمن القومى. وهذا تحديدا ما نادى به سبوتنيك فى أواخر الخمسينيات (1958) مما جعل ما يسمى ب "قانون التعليم الدفاعى القومى" يشجع الابحاث فى مجال الأدب المقارن ويروج لها، طارحا مركزية غربية وحربا باردة Cold Warreiorism فى مجال الدراسات الأدبية البينية. ( منح الكونجرس، بمقتضى هذا القانون تفويضا بانفاق مبلغ 295 مليون دولار لتشجيع دراسات علوم اللغات التى اعتبرت ذات أهمية للأمن القومى الأمريكى) (9). ولعله ليس من قبيل الصدفة أن هذا التاريخ نفسه (1958) قد شهد المؤتمر العلمى العالمى الأول للأدب المقارن فى مدينة (تشابل هيل) بولاية (نورث كارولينا) الأمريكية، حيث تم تدشين المدرسة الأمريكية فى الأدب المقارن، على أنقاض المدرسة الفرنسية التى هاجمها رينيه ويلليك بعنف هائل. وبذلك تحققت وراثة أمريكا للأوربيين فى هذا المجال، بعد أن تحققت على الصعيد السياسى والاقتصادى بعد الحرب العالمية الثانية.

لقد حاولت "المدرسة السلافية" طرح مشروع منهجى يقوم على آلية اجتماعية – تاريخية فى فهم الظاهرة الأدبية وعوامل انتاجها وانتقالها، بما يحقق نوعا من العلاقات الأدبية الندية بين الأمم، حيث أن الظاهرة الأدبية تنتج عن سؤال اللحظة الاجتماعية التاريخية المحددة لدى جماعة بشرية محددة، وليس مجرد النقل من – أو التأثر ب – أدب أمة أخرى، فاذا انتقلت فانها تأخذ أبعادا تتواءم بها مع النسيج الثقافى للأدب الوطنى الذى يهضمها ويعيد انتاجها بشروطه الخاصة، بعيدا عن التراتبية القائمة على مبدأ ("المرسل" الايجابى و"المتلقى" السلبى) والتى تفوح منها روائح عنصرية كريهة (10). غير أن هذه المدرسة لم يتوفر لها من عوامل الانتشار وعناصر القوة ماتوفر للمدرستين الفرنسية والأمريكية. لأسباب متعلقة بالاستقطاب السياسى – الثقافى التى سادت العالم أثناء الحرب الباردة، وماتلاها من انهيارات فى المعسكر الذى أنتجها.

ومع ظهور "العولمة" التى دشنت عصر السماوات المفتوحة وتقارب أصقاع العالم، الى الحد الذى جعل البعض يعتبرها قد أضحت، فى تقاربها لا تعدو كونها "قرية كونية صغيرة"، أخذ العالم غير الغربى يواجه مخاطر متعددة على كافة الأصعدة – السياسية والاقتصادية والثقافية.. الخ. ويمكن أن يكون من أبرز هذه المخاطر على الصعيد الثقافى ما يسميه سيرج لاتوش ب "خطر التنميط"، المتمثل فى محاولات الالحاق الثقافى بالمركز الغربى، وذلك عن طريق.. "التحويل عبر القومى للثقافة "(11) بما يعنى خلق مرتكزات ثقافية عالمية المظهر، غربية المنطلق، تدعم "الامبريالية"، وتبرر نظامها القائم على غطرسة القوة وشهوة الاغتصاب، عن

طريق الترويج لفكرة "صدام الحضارات". ومحاولة ازاحة الحضارات التقليدية والقديمة،
لصالح حضارة الغرب، باعتبارها حضارة العالم (المعولم).

بل ان هناك أصواتا قد بدأت تعلو مهاجمة فكرة الهوية والثقافة الوطنية مباشرة (فى بعض التأويلات) والتأكيد على "أوهام الهوية"(12) وأن الهويات انما هى "هويات قاتلة"(13)

ان هذا يعنى أن الدور التقليدى للأدب المقارن المتمثل فى مجرد دراسة العلاقات الأدبية بين الأمم، بات قاصرا عن مواكبة هذه المستجدات المليئة بالتحديات والتهديدات. وصار لزاما عليه أن يطور من أدواته لمواجهتها من أجل الكشف عن الآليات الجديدة للتأثير الأدبى - الثقافى، وأن يتحول الى مجهر فحص قائم على درس منهجى – علمى، يمتلك جهازا مصطلحيا واجراءات بحثية مدروسة ومتطورة. لقد صار لزاما عليه أن يتوجه نحو – ويزيد من قدرته على - متابعة تحولات ثقافته الوطنية فى علاقتها الحوارية - التفاعلية، أو الصدامية مع ثقافة المركز العولمى وباقى الثقافات الانسانية الأخرى، بما يمكنه من ملاحظة ورصد العناصر الثقافية – الأدبية التى يجرى بثها بغزارة غير مسبوقة، ورصد الخطابات الحقيقية التى تتوارى خلفها، وتحولات هذه العناصر وتمظهراتها المتعددة، ومقدار فاعليتها وأثرها فى ازاحة (أو على الأقل - توجيه واستتباع) الآداب – الثقافات الوطنية، واحلال أنماط أخرى محلها أو تحميلها عليها.

وللقيام بهذا الدور فانه من الضرورى لهذا العلم أن يطور من منهجيته واجراءاته، وأن يوسع موضوع عمله ومجالات العمل فى هذا الموضوع، وصولا الى رؤية أشمل وأوسع لحركة الفعل الثقافى التى لايمكن فهم الظاهرة الأدبية الا فى اطارها الشامل، وأن يركز عمله على دراسة عناصر ومكونات الثقافة الوطنية والهوية الوطنية وآليات حركة كل منهما. ومن ثم دراسة مفاهيم المثاقفة وآليات التفاعل الثقافى، بأشكالها الطوعية والقسرية.

ولا تدعى هذه الورقة القيام بكل هذا العبء، فهذا أمر تقصر عنه دراسة واحدة، أو حتى عدة دراسات من هذا الحجم. انه يحتاج الى عمل متواصل وممتد، يقوم عليه فريق عمل كامل. وحسبى الوقوف عند بعض الاجتهادات التى أراها تأسيسية ويمكن البناء عليها فى هذا المجال. وذلك عبر النقاط الثلاث التالية:

1. منهج عمل الأدب المقارن.
2. مفهوم الثقافة الوطنية والهوية الوطنية.
3. نوعا المثاقفة وآليات عملها.

1. منهج عمل الأدب المقارن

لقد برهنت حركة الأدب المقارن وانجازاته، طوال القرنين الماضيين، على أنه - فى الأعم الأغلب، كما اتضح آنفا – علم الترويج والتبرير لسيطرة الثقافات الأورو أمريكية على باقى

ثقافات العالم. وذلك من خلال التركيز على مقولة التأثير التى تأسست عليها المدرسة الفرنسية، والدرس الاستعلائى النخبوى الذى قامت عليه المدرسة الأمريكية (على نحو أو آخر)، رغم نقدها النظرى له، وكان تركيزها الدائم ينصب على دراسات أقرب الى الدرس الاستشراقى فى مراميها المضمرة.(12) ان طرح مفهوم المقارنة على هذا النحو عند كلتا المدرستين المذكورتين انما يحول هذا العلم الى أداة للاستتباع الثقافى القائم على تعميم النموذج الجمالى الأورو - امريكى.

ورغم اتجاه المدرسة السلافية نحو دراسة التأثير باعتباره جزءا من الحركة الطبيعية الحرة بين الآداب المختلفة
وداخل كل أدب على حدة (كما سبقت الاشارة)، فان هذا لم يقض تماما على فكرة أن هناك ثقافة سبقت وحققت أطوارا من التقدم والرقى وتنتمى الى مجتمع أكثر تطورا، تمارس التأثير بكل تداعياته المعنوية والنظرية، على ثقافة أدنى، تحاول اللحاق بها عن طريق احتذاء النموذج السابق عليها، والذى يتم تصويره على أن لابديل عنه. ان هذا التصور الخطى التبسيطى انما يقوم على أساس أنه لا يوجد سوى طريق واحد للتقدم ومفهوم واحد للرقى، ألا وهو ماحققه الغرب من تطورراسمالى – اقتصادى واجتماعى وسياسى وثقافى، بل ان هذا الطريق يمكن أن يمثل نهاية التاريخ وخاتمة المطاف، حسبما يقول فرانسيس فوكوياما:

"هناك مايشبه التاريخ الشمولى للبشرية باتجاه الديمقراطية الليبرالية. ان اعتبار فشل هذا النظام فى بلد معين أوحتى فى منطقة بكاملها من العالم كشهادة على الضعف الاجمالى للديمقراطية يكشف بالعكس عن قصر نظر مدهش. ان الدورات وحلول التواصل ليست غير متوافقة من ذاتها مع التاريخ الشامل والموجه، كذلك وجود دورات اقتصادية ذات أمد قصير أو متوسط لايناقض امكانية النمو الاقتصادى على أمد طويل.(14)

والأمر هنا لا يرتبط فقط بالمجال السياسى أو الاقتصادى، بل يتجاوزه الى آفاق المعرفة والوعى الثقافى والاجتماعى.. الخ. بما يصب فى النهاية فى فكرة تأليه الغرب، التى قد لاتعنى بالضرورة انتماء واعيا مباشرا لبنياته وأشكاله فى المجالات المختلفة، انما تاليه سلطته المذلة بوحشيتها وغطرستها واعتبارها من طبائع الأمور وأن لاامكانية للفكاك منها. انه، حسب سيرج لاتوش، تأليه.. "يقوم على قوى رمزية: سيطرتها المعنوية أكثر خبثا وأقل اثارة للاعتراض، وهذه العناصر الجديدة للسيطرة هى العلم والتقنية، والاقتصاد، وعالم الخيال الذى تقوم عليه هذه العناصر: قيم التقدم". (15) بما يعنى اعتبار الرموز الحضارية الغربية وأنماط الحياة التى يتم تقديمها على أنها تمثل روح العصر ولايمكن الحياة بدونها، واعتبار هذه الرموز ممثلة لفكرة التقدم، بالمعنى الفلسفى والواقعى للكلمة.

ان هذا لايعنى الامتناع عن الاستفادة من منجزات الحضارة البشرية، سواء أكانت، لدى الغربيين، أم غيرهم، لكن الفارق يكمن فى كون هذه الاستفادة ناتجة عن رغبة فى الملاحقة المجانية أو المملاة من الخارج، أوالانطلاق من الحاجة المحلية الوطنية والانسانية وسؤال اللحظة التاريخية الخاصة والعامة وليس العكس. الى جانب الايمان بضرورة التعامل مع الوافد على أنه منجز بشرى يمكن الاستفادة منه، الى جانب منجزات أخرى لبشر آخرين، وليس الطريق الوحيد الذى يمكن السير فيه. ان اختزال الحضارة البشرية فى الغرب وحده واختزال الغرب فى أمريكا، انما يؤدى الى الامتثال لطريقة الحياة الأمريكية باعتبارها ملخص الحضارة البشرية. وهذا ما يحذر منه "لاتوش"، لأنه بهذا الامتثال ل.. "طريقة الحياة الأمريكية "

American way of life تكمل الكائنات البشرية انجاز الحلم الجامح لتيودور روزفلت ب (أمركة العالم) بل كذلك حلم كافة الامبرياليين ".(16) ان هذا الامتثال، اذن، انما هو امتثال
لهؤلاء الذين لايودون الا احكام السيطرة وتحويل العالم الى مزرعة خاصة بهم، حيث تصبح الثقافة أداة للسيطرة والاخضاع ووسيلة للحفاظ عليهما.

من هنا فاننى أعتبر أن مفهومى "التأثير والتأثر"، حسب الاستخدام السائد الآن فى مجال الأدب المقارن،انما يفترضان سبقا وعلوية غير قائمتين، فى الحقيقة. اللهم الا "الامتثال" للخطة الالحاقية لدول "المركز" الأورو أمريكى، ذلك اذا اعتبرنا أن لكل جماعة بشرية ظرفها التاريخى - الاجتماعى الخاص، ومعطياتها "الزمكانية" الخاصة، التى توجه مسار تطورها وتطرح أولوياتها وتفضيلاتها الثقافية. وعلى هذا فمن الممكن أن تتعدد المسارات ولا تتناقض، ويمكن أن تتكامل ولا تتقاطع. فليس هناك أدب أفضل من أدب آخر، ولاثقافة أرقى من ثقافة أخرى، تأسيسا على فكرة عدم وجود عرق أرقى من عرق آخر. والا فسنجد أنفسنا فى دائرة الخطاب العنصري وخطاب كراهة النوع. وانما هناك حضارة انسانية وأدب انسانى متكامل ساهمت فى تطوره جميع الشعوب، بدون استثناء، فى المراحل التاريخية المتعاقبة.

وأظن أن البديل الممكن للمفاهيم والخطابات المذكورة، والذى يمكن أن يتعداها ليشمل أنماطا أخرى من التفاعل والتبادل، فيما أذهب، هو مفهوم: " المثاقفة ".

ويفترض هذا المفهوم (فى بعض تعريفاته) المساواة فى الفاعلية والتفاعل بين جميع الثقافات والآداب،على اختلاف سياقاتها التاريخية -الاجتماعية، كما يتأسس على أن اختلاف سماتها الثقافية ومظاهر اسهامها الفكرى والجمالى لايبرر بأي حال القول بأن أحداها سابق، بينما الأخرى مجرد لاحق. ومن هنا نستطيع أن نرتب على ذلك أن ما يمكن أن يدور بينها من تبادل ثقافى – أدبى انما هو من قبيل التفاعل الثقافى أو "المثاقفة".

وهذا المصطلح ليس غريبا، على أية حال،عن حقل المقارنة، "فجوهر المثاقفة هو المقارنة "، فيما يقول عزالدين المناصرة.(17) وقد عرف قاموس المورد ( انجليزى – عربى ) مفهوم التثاقف Acculturation بأنه: " تبادل ثقافى بين شعوب مختلفة، وبخاصة تعديلات تطرأ على ثقافة بدائية نتيجة لاحتكاكها بمجتمع أكثر تقدما " (18) حيث نلاحظ الأصل الانثروبولوجى للمصطلح والذى يقوم على فكرة الاحتكاك والتفاعل باعتباره قاطرة التقدم، وان كان التقدم هنا يتم عبر مثير خارجى يمثله المجتمع "الأكثر تقدما". غير أن هذا المصطلح قد اعترته تطورات كبيرة ومهمة منذ استخدامه الذى يمتد، فى الزمن، الى عام 1880 حيث استخدم للدلالة على التفاعل الحاصل بين مختلف الثقافات على كافة مستويات التأثر والاستيعاب والتمثل والتعديل والرفض.. الخ. سواء من وجهة النظر النفسية الاجتماعية، أو الانثروبولوجية، أو التاريخية.

وقد تحددت هذه المستويات فى ورقة ريدفيلد لينتون وهيرسكوفيتش Linton & Herskovits، فى المؤتمر الذى عقد عام 1938، باعتبارها.. " مجموعة من الظواهر الناتجة عن اتصال مباشر ومتواصل بين أفراد ينتمون الى ثقافات مختلفة، مع مايترتب على ذلك من تغيرات فى الأنماط الثقافية لهذه المجموعة أوتلك "(19). ونلاحظ فى هذا التعريف أنه جاء كسابقه مرتكزا على فكرة الاتصال بين أفراد ينتمون الى مجموعات ثقافية متباينة، غير أن الجديد هنا أن هذا الاتصال ينجم عنه "تغيرات فى الأنماط الثقافية لهذه المجموعة أو تلك"، دون تحديد متقدم أو متخلف على نحو تراتبى من أى نوع. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يحددا طبيعة هذه الظواهر على نحو واضح، فان المعنى الكامن يكاد يحيل – كسابقه - الى مفهوم التأثير، وان

كان على نحو غير مباشر، وذلك من حيث عدم النص على غير ذلك من أشكال التثاقف الأخرى الممكنة، واقتصر على مجموعة واحدة دون الأخريات. ثم عرفه الباحث الاجتماعى "ميشيل دو كوستر Michel De Coster بأنه: " مجموع التفاعلات التى تحدث نتيجة شكل من أشكال الاتصال بين الثقافات المختلفة كالتأثير والتأثر والاستيراد والحوار والرفض والتمثل وغير ذلك، مما يؤدى الى ظهور عناصر جديدة فى طريقة التفكير وأسلوب معالجة القضايا وتحليل الاشكاليات. وهو ما يعنى أن التركيبة الثقافية والمفاهيمية لا يمكن أن تبقى أو تعود بحال من الأحوال الى ماكانت عليه قبل هذه العملية ".(20)

أن المثاقفة، حسب هذا التعريف، تخطو الى مناطق جديدة، بحيث يمكنها أن تعطى معانى أوسع وأشمل من مجرد عملية التأثير والتأثر، فيشترك معها أنماط أخرى من التفاعل كالحوار والاستيعاب والتمثل.. الخ حتى الرفض وعدم الامتثال.

أما محمد برادة فيعرف المثاقفة، قائلا بأنها بمثابة.. "مصطلح سوسيولوجى ذو معانى متداخلة وتقريبية. وبصفة عامة يطلق على دراسة التغير الثقافى الذى يكون بصدد الوقوع نتيجة لشكل من أشكال اتصال الثقافات:(الاستعمار – المبادلات التجارية والثقافية – الأسفار..) وتؤدى المثاقفة الى اكتساب عناصر جديدة بالنسبة لكلتا الثقافتين المتصلتين ". ويعزو برادة صعوبة المصطلح الى.."تعداد المصطلحات المتقاربة فى الاشتقاق "(21) لكن الأكثر أهمية فى تعريف برادة أن التغير لايعترى طرفا ثقافيا بمفرده، بل يطال كلتا الثقافتين المتصلتين، وأظن أن هذا التعريف يعد الأكثر اتساقا مع معنى المفاعلة ، بمعنى اشتراك طرفين أو أكثر فى فعل واحد ومن يقع التغيير عليهما معا فى نفس الوقت، وهو الأمر الذى تعززه وقائع تاريخ التفاعل الثقافى الانسانى.

ولقد حاول عز الدين المناصرة تحديد المعانى المتعددة لأشكال وتمظهرات هذا المصطلح على النحو التالى:

أولا: تتم المثاقفة بين طرفين.
ثانيا: تتم المثاقفة بالقوة أو بالقبول.
ثالثا:تحمل المثاقفة معنى التعالى عند طرف والدونية عند الطرف الآخر.
رابعا: تحمل المثاقفة معنى الفترات الانتقالية والصراع بين طرفين (الاستعمار).
خامسا: تحمل المثاقفة معنى الاتصال والتواصل والانفتاح والتبادل الثقافى الايجابى.
سادسا: تحمل المثاقفة معن التأقلم مع ثقافة الآخر والاندماج فيه فيساعد ذلك فى اضافة عناصر جديدة الى ثقافة الآخر.
سابعا:قد يؤدى ذلك الى ازدواجية فى الشخصية، حيث تبقى حائرة بي عناصر الهوية الأولى وبين العناصر الجديدة. وقد يفضى ذلك الى رفض الثقافتين دون طرح البديل، أو يتم الهروب باتجاه ثالث.

وهو يرى ان جميع هذه المعانى لاتتناقض مع بعضها البعض، بل هى تدلل على أن المثاقفة يمكن أن تتم بأشكال سلبية أوايجابية، ويؤكد أنه.. "لايوجد تعريف مثالى لمثاقفة مثالية. ويبقى أن الحلقة المركزية فى المثاقفة هى الصراع وفق قوانين متعددة الأشكال "(22)

وبالطبع فانه من الممكن تصور كم الاضطراب والتداخل والاختلاط الذى يمكن أن يطرحه مثل هذا المصطلح، كما أنه من الممكن أيضا تصور كم التعقيدات والعمليات المركبة والتفاصيل اللانهائية الكثرة التى يمكن أن تنطوى عليها عملية المثاقفة، متمثلة فى كثرة السياقات التى

يمكن أن تتم من خلالها، مثل درجة احتياج الجماعة المعينة الى حلول لمشكلات مفاهيمية أو فكرية معينة، وقوة الفكرة النازحة أو قوة الجماعة الحاملة لها، ودرجة التقارب أو التنافر بين الجماعات المتثاقفة، ومدى فاعلية الكتل المتفاعلة داخل كل منها قياسا بالأخرى، وسهولة التواصل والتفاهم بينها..الخ

ان هذا المصطلح، فى أغلب التعريفات، خاصة فى تعريف ( برادة )، السابق ايراده - حسب رأينا - يضعنا أمام ما يمكن اعتباره وضعية الاعتماد الثقافى المتبادل بين جميع الشعوب، وهو ما يزعزع فكرة المركزية الثقافية والسبق الحضارى. ويمكن البرهنة على حقيقة الاسهام الجماعى فى ثقافة بنى البشر منذ مراحلها الأسطورية الأولى حتى وقتنا الراهن بسهولة ويسر. فلا يمكن تصور وجود الثقافة اليونانية القديمة بدون المثاقفة التى تمت مع ثقافة مصر الفرعونية، وهذه مسألة باتت معروفة للكافة (23) كما لايمكن معرفة الحضارة العربية الاسلامية بدون معرفة الروافد الثقافية اليونانية، من ناحية، والروافد الهندية – الفارسية، من ناحية أخرى (24). والأمر نفسه، فيما يتعلق بالحضارة الأوربية الحديثة، التى تدين بقوة للتراث الثقافى – الفكرى العربى. (25) فى عملية تثاقف مركبة وواسعة النطاق الى أقصى درجة. بل ان عمل جيمس فريزر بالغ الأهمية: "الغصن الذهبى" يقوم على أساس أن الحكايات الشعبية ليست ملكا لجماعة بشرية دون أخرى، بل هى ملك لجميع شعوب الأرض، التى ساهمت جميعها فى انتاجها واستهلاكها، وأن هناك تشابها فى أنساق الأبنية الفولكلورية عند جميع الشعوب. (26)

ويعتبر د. محمد مفتاح أن "الأساس المكين" للمثاقفة انما هو "الخيال"، حيث يسعى فى كتابه "مشكاة المفاهيم – النقد المعرفى والمثاقفة " الى تبيان دور الخيال الانسانى وطبيعته وتطوره وتغيره، فحاول اثبات أن هناك.. "ثوابت مشتركة بين هذه الثقافات (يقصد العربية والعبرية والهيللينية) فى نظرتها الى طبيعة الخيال ومرتبته ووظيفته، بقطع النظر عن مدى تأثير احداها فى الأخرى وزمان التأثير ومكانه ".. ليصل الى نتيجة جوهرية، مفادها: أن الثقافات تتفاعل وتتداخل ويقترض بعضها من بعض بدون قيود وشروط اذا كان مايقترض يسد ضرورات وحاجات، وأما مازاد على الضرورات والحاجات فان هناك أواليات نفسانية تتدخل لتحديد كيفيات التعامل والاقتراض"(27) وهى (أواليات) لاتخرج كثيرا عما ذهب اليه دى كوستر فى الاقتباس السابق: أى الاستيعاب والرفض والتمثل والتحصن.. الخ. وهذه "الأواليات" هى التى ستدخل بصورة جوهرية فى عمل هذا البحث فى النقطتين التاليتين. لكن من المهم، هنا، التأكيد على استقرار المصطلح ووضوح دلالته ومكونات بنائه المفهومي، ومن حيث قدرته على ابراز آليات التفاعل المختلفة، ووضعها ضمن أطر منهجية بحثية على قدر أكبر من النجاعة والاحاطة والشمول.

**************

ويرتبط بتطوير المنهج البحثى لعلم الأدب المقارن تطوير الموضوع والمجالات التى تتفرع اليها الممارسة الاجرائية لهذا العلم. فاذا كان موضوعه – كما تقدم – هو دراسة العلاقات الأدبية بين الأمم، فان المقترح الآن هو توسيع هذه الدائرة لتتسع الى مجمل عناصر العلاقات الثقافية القابعة خلف الظاهرة الأدبية، بين الأمم والجماعات البشرية. من حيث الوعى بجذور ومسارات وسياقات الأبنية الاجتماعية – التاريخية المحددة، والتى يمكنها أن تطرح أبنية جمالية وذوقية، وأنماطا من المعتقدات والمفاهيم والرؤى الفنية والفكرية الكامنة خلف الظاهرة المراد بحثها. وللتدليل على ذلك فانه لم يعد من الممكن أن نفهم عملية انتقال الاتجاه الرومانسى الى مصر فى

عشرينيات القرن الماضى، مثلا، على أساس مجرد الوقوع تحت تأثير الأدب الانجليزي بأعلامه ( بايرون وكيتس وووردزوورث وشيللى.. الخ)، أو الأدب الفرنسى بأعلامه ( فيكتور هوجو ومالارميه ولوتريامون وألفريد دى موسيه.. الخ) من قبل الأدب العربى فى مصر. انما كان هذا من قبيل تثاقف البرجوازيات الصغيرة فى مصر وأوربا. فلنلاحظ أن العلاقة بين ممثلى الأدبين قد تمتد الى ثلاثينيات القرن التاسع عشر (اذا بدأنا برحلة رفاعة رافع الطهطاوى الى باريس ). لكن الغريب أن رفاعة ومن تبعه ( على مبارك وأحمد شوقى وتوفيق الحكيم.. الخ) لم يعجبوا هناك الا بالآداب التى تنتمى الى المدرسة الكلاسيكية الجديدة، والتى تنتمى، بدورها، الى القرنين السادس عشر والسابع عشر. وعادوا الينا حاملين للبنية الذهنية الكلاسيكية الجديدة الممثلة لأنماط الرؤية الفنبة والفكرية الخاصة بهذه الآداب. وعزفوا تماما عن تلقى أو التفاعل مع آداب معاصريهم من الأدباء الفرنسيين أو الأوربيين بصفة عامة، مثل ألفريد دى موسيه ولوثريامون ولامارتين وشيللى ووردزوورث.. ألخ. ان هذا يعنى أن التثاقف لايتم عبر مجرد الاتصال، ولكنه يتم أكثر حسب ما تمليه الحاجات الثقافية المحدة للجماعة المتفاعلة ثقافيا، وهو الأمر الذى يفسر ظهور الرومانسية فى مصر فى هذا التوقيت دون غيره.

والمسألة تتلخص، حسبما أذهب، فى أن الرومانسية لايمكنها أن تولد فى مجتمع تقليدى أو شبه اقطاعى تقوم علاقة الفرد بالجماعة فيه على أساس مايسميه هيجل ب.. "الوحدة البدائية بين الفرد والجماعة"، حيث تفرض الجماعة على أفرادها نوعا من القولبة والتبعية الكاملة لنواميسها القيمية والأخلاقية فيصبح الفرد صوتا للجماعة وليس صوتا لنفسه. انه مجتمع لم يعترف بعد ب.. "الفردية" individualism ولم يتحقق فيه، بعد، مايعرف ب "الاستقلال الذاتى للانسان" humane autonomy، وهما يعدان من أهم نتائج التحول البرجوازى المدنى الحديث، بما حقق الشرط التاريخى الضرورى لظهور الرومانسية. وعندما تحققت تلك السمات ( وان على نحو تقريبى ) فى المجتمع المصرى، خاصة، بعد ثورة 1919، التى قادها "الأفندية" من أبناء البرجوازية الصغيرة، سواء أكانو طلابا أم موظفين، أم مهنيين، خاصة المحامين.. الخ. صار من الممكن ظهور الحركة الرومانسية. لقد مثلت الثورة اللحظة التاريخية التى شهدت تعميد وتدشين تلك الطبقة، والتى ستأخذ على عاتقها، منذ ذلك الحين، مهمة القيادة الثقافية والفكرية للمجتمع، وأقصد هيمنة البنية الذهنية وأشكال الرؤية الفنية والفكرية للعالم، الخاصة بها. ولعل الاقتران التاريخى بين قيام الثورة عام 1919 وصدور كتاب الديوان لعباس محمود العقاد وابراهيم عبدالقادر المازنى عام 1920، والذى يعد بحق بيان الرومانسية المصرية، قد صار مفهوما الآن.

ان هذا الطرح يرتكز على ما أسميه ب.."استيفاء الحاجات الثقافية"، حيث يصبح الأديب أكثر عبقرية وموهبة وأكثر أهمية بالنسبة لأبناء ثقافته، بقدر ما يكون متمتعا بالوعى النافذ الى أعماق الوجود الاجتماعى – التاريخى والنفسى – الروحى لجماعته، بما يجعله قادرا على طرح سؤال اللحظة الثقافية، المعبر عن اللحظة الاجتماعية – التاريخية، فى اطار تطوره الاجتماعى – الثقافى الداخلى، وفى ضوء علاقته بالتحديات والظواهر الثقافية الخارجية، فى نفس الآن. وهنا تنبغى الاشارة الى أنه من الضرورى أن نفهم ارتباط الرومانسية المصرية ببزوغ الطبقة الوسطى المصرية وبروز قوتها وفاعليتها على الأصعدة السياسية والثقافية، لا على أنه يعنى أن
هناك مسارا واحدا للتطور البشرى، هو الذى سبقنا الي مضماره الغرب الأوربى، بل يعنى الارتباط الشرطى بين الوضع الاجتماعى المعين والحاجة الثقافية الملائمة له. وتبعا لهذا الطرح فاننا لو افترضنا، جدلا، أن الرومانسية لم تكن قد ولدت بعد فى أوربا فان الشاعر والمثقف

المصريين كانا سيبتكرانها وينشئانها انشاء. وهذا ما أعتبره مسئولا عن ظهور بعض الأنواع الأدبية والفنية وازدهارها دون أن يكون لها نظير عند الآخرين، مثل فن المقامة العربية وفنون الفرجة الشعبية العربية كالسامر وغيره، وشعر "الهايكو" ومسرح "الكابوكى" ومسرح "النو" عند اليابانيين.. الخ.

2. الثقافة الوطنية – الهوية الوطنية

ان أى حديث عن المثاقفة وآليات عملها يستتبع بالضرورة تحديد مفهوم الثقافة وخصائصها وقوانين تطورها.. الخ. ولعله من البدهى القول أن الثقافة الوطنية تعد العنصر الرئيسى الذى يشكل مفهوم الهوية الوطنية، بما تشتمل عليه من سمات حاكمة لرؤية الجماعة لذاتها ولعالمها، وبنائها العقلى والروحى والأخلاقى.. الخ، كذلك لرؤية أفرادها للعالم وعناصر تكوينهم الأخلاقى والعقلى والسلوكى.. الخ المرتبط بوجودهم الاجتماعى – التاريخى، اى الزمانى - المكانى المحدد. ولقد حاول كثير من العلماء الوصول الى تعريف أو تحديد لمفهوم الثقافة، ويبدو أنه مفهوم يتميز بقدر هائل من الاتساع والشمول، الأمر الذى أدى الى أن تذخر مؤلفاتهم بعشرات التعريفات التى تحوى أخلاطا من المعانى والعناصر.

وربما كان من أقدم التعريفات التى حاولت الاحاطة بالجوانب المتعددة للثقافة وأكثرها ذيوعا، نظرا لقيمتها التاريخية، تعريف ادوارد تايلور الذى قدمه فى أواخر القرن التاسع عشر فى كتابه الذى جاء بعنوان: "الثقافة البدائية" Primitive Culture (28) والذى يذهب فيه الى أن الثقافة هى:

"ذلك الكل المركب الذى يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف، وغير ذلك من العادات التى يكتسبها الفرد باعتباره عضوا فى مجتمع معين، أو منتميا الى جماعة معينة" (29)

ان الثقافة بذلك تعد عنصرا مائزا لطريقة حياة الجماعة وشخصيتها المعنوية عن غيرها من الجماعات، كما تمثل نمطا متكاملا لحياة أفرادها، فضلا عن أنظمة القيم الحاكمة للعلاقات القائمة بين الأفراد وبعضهم البعض، داخل الجماعة وخارجها، على حد سواء.

ولقد حاول روبرت بريستيد R. Bierstedt وضع تعريف أكثر وضوحا لمفهوم الثقافة فى كتابه "المسألة الاجتماعية" The SocialOrder، بقوله:

"ان الثقافة هى ذلك الكل المركب الذى يتألف من كل ما نفكر فيه، أو نقوم بعمله، أو نتملكه كأعضاء فى مجتمع ". (30)

ومن الواضح أن هذا التعريف يتفق مع السابق فى التركيز على هذه الصيغة التركيبية للثقافة، بينما يختلف عنه فى ادخال الجانب المادى، أى نمط الملكية والعلاقات الاجتماعية المرتبطة بها والأخلاق والقيم المترتبة عليها. ولكنه ربما يكون أكثر وضوحا وشمولا، من حيث دخوله المباشر الى تصنيف العناصر المكونة لهذا المفهوم من فكرية وسلوكية ومادية.

ويمكن، على ضوء ماسبق، تقسيم التعريفات المتنوعة للثقافة الى اتجاهين: الأول يتجه الى
11
الثقافة باعتبارها مركبا معرفيا – معنويا يتكون من القيم والمعتقدات والمعايير الأخلاقية والرموز والايديولوجيات وغيرها من المنتجات العقلية، أما الاتجاه الآخر فيربط الثقافة بنمط الحياة الكلى
للمجتمع والعلاقات التى تربط بين أفراده، وتوجهات هؤلاء الأفراد فى حياتهم، فى دمج واضح بين ماهو معنوى وماهو مادى – اجتماعى. ويرى سمير أمين أن الثقافة، أو مايسميه ب "البعد الثقافى".. تمثل البعد.. " الأقل تقدما فى المعرفة العلمية به، لدرجة أنه لايزال محفوفا بالأسرار الخفية، ولاتعدو كون الملاحظات الامبرية (يقصد البحوث الميدانية) فى هذا الصدد – مثل تلك الملاحظات عن الأديان التى نجدها أحيانا فى بعض كتابات علم الاجتماع – تأملات تقوم على الحدس الى حد كبير" (31) حيث يخلص من ذلك الى أن النظريات المقترحة فى مجال الثقافة لاتزال تدور فى فلك مايسميه ب "التشويه الثقافوى"(32) قاصدا الى لفت النظر الى أن هذه النظريات تقوم على فرضية تواجد عناصر ثقافية تتعدى مراحل التطور التاريخى، ولذلك فانه بالنسبة له لايوجد تعريف مقبول بشكل عام لما يقع فى مجال الثقافة على وجه التحديد، اذ أن هذا التعريف يتوقف على نظرية التطور الاجتماعى التى ينتمى اليها من يقوم بالتعريف نفسه، سواء أكان مفكرا أم باحثا، ولو على نحو ضمنى، فهناك من يركز جهوده على
كشف العناصر المشتركة فى تطور جميع المجتمعات البشرية بشكل عام ومطلق، وهناك من يفضل – على العكس من ذلك – التركيز على العناصر المميزة والخاصة بكل مجتمع على حدة. وهو يعتبر أن عملية ادراك جدلية التطور الاجتماعى وما يمكن ان تسفر عنه من الناحية الثقافية لاتزال مجهولة الى حد كبير، ولاتزال معرفتنا بما يمكن أن يفعله التطور الاجتماعى بالثقافة تقبع فى منطقة التجريد، مثل هذا الحكم القاضى بأن البناء التحتى يحدد "فى آخر الأمر" طابع المجتمع الاجمالى. حيث يتوقف أمام عبارة "فى آخر الأمر" تلك، ليؤكد أنه لايصلح على اطلاقه فى تفسير كافة ظواهر التغير الثقافى فى أى زمان ومكان. فالعلاقة بين البناء التحتى والفوقى في مرحلة قبل الرأسمالية، فيما يرى، ليست هى نفسها ما أصبحت عليه فى زمن الرأسمالية.، وذلك ترتيبا على اختلاف خصائص وآليات حركة المجتمع الرأسمالي، من حيث كونه يمثل نظاما اقتصاديا – اجتماعيا قادرا على اعادة انتاج ذاته وتصحيح أخطائه على نحو أكثر كفاءة، عن ما سبقه من نظم اجتماعية - اقتصادية. ويضيف الى ذلك أن المجال الثقافى لايزال محفوفا بمخاطر يمكن أن تجلبها الأحكام العاطفية أو المسبقة والرؤى ذات الطابع الرومانسى.

ويقسم سمير أمين وجهات النظر حول الموقف من علاقة الثقافة بالعالم الى ثلاثة مستويات:

 الأول: وهو ما يمثل وجهة نظرالذين يرفضون مبدئيا مفهوم عالمية الثقافة وآفاقها، وهم هؤلاء الذين يؤكدون "الحق فى التباين"، ومن ثم ينطلقون الى تمجيد الثقافات الاقليمية والتراث التاريخى للشعب الذى ينتمون اليه، دون الوعى بأن هذا القول يصل بقائله بصورة مؤكدة الى القول بأن هذه الثقافات تقوم على عوامل ثابتة تتعدى الشروط التاريخية المنتجة لها. وهذا مايطلق عليه مفهوم "التشوه الثقافى" ويراه مجسدا فيما يسميه ب "التمركز الأوربى" وهو الأفكار السائدة فى الخطاب الفكرى الغربى، من ناحية، وفى الأفكار التى يحملها الخطاب السلفى، التى تنغلق على تراثها المحلى وهى تمثل ما يطلق عليه "التمركز الأوربى المعكوس"، من جهة ثانية.

- الثانى: وهو مايتمثل فى تيار يتموقع داخل تيار التمركز الأوربى السائد، وهو يصادر القضية بالكامل، بادعائه امتلاك اجابات جاهزة تتمثل وقد اكتشفتها أوربا وامتلكتها، مؤداها: "اقتدوا

بالغرب، فهو أحسن العوالم الموجودة ". ان هذه النظرة الطوباوية للمشكلة تقوم على أن الغرب
هو الجنة الموعودة وهو نهاية المطاف بالنسبة للتطور كما سبق ذكره آنفا. وهو أمر مستحيل فى نظر سمير أمين لأنه يقوم على نوع من عدم الفهم لماهية الرأسمالية القائمة، كما أنه مرفوض من قبل الشعوب التى وقعت ضحية لهذا النظام.

 الثالث: وهو موقف الذين يعتبرون أن المجتمع العالمى المعاصر يواجه مأزقا خطيرا، وأن التاريخ لانهاية له،وأن التغير والتطور لايقفان عند حد معين، وأن المعركة بين القوى المحافظة التى تميل الى ايقاف التطور وبين قوى التغيير التى تسعى تحقيق التقدم وتدفع نحو الأمام انما هى معركة دائمة ولا نهائية، وأن "التمركز الأوربى" يمثل، بالتحديد، ميلا الى ايقاف التاريخ عند الحد الذى بلغه العالم المعاصر من خلال التوسع الرأسمالى القائم، وأن النظريات السلفية التى ينتجها سلفيو العالم الثالث ترفض هذا العالم الظالم دون أن تقترح بديلا عالمى الطابع ليحل محله. (33)

وهنا يمكن ملاحظة اتجاه سمير أمين فى أنه يرفض الاتجاهين – الأول والثانى معا، بينما ينحاز الى البديل الثالث، شريطة أن ينتج رؤيته الجدلية التقدمية (من حيث الآيمان بفكرة التقدم والحركة الجدلية اللانهائية للتاريخ)، ذات الطابع العالمى دون الوقوع فى فخ التمركز، أو التمركز المعكوس.
ان هذه الرؤية قد تمثل مايمكن أن نطلق عليه الموقف المنفتح على الآخر دون تبعية، والمتطور دون اهدار لموروثه ولا خصوصيته الوطنية – القومية، وكذلك دون ادعاء علوية أو اصطفائية، أو ادعاء الوصول الى اجابات نهائية.

واذا اعتبرنا، تأسيسا على ماسبق أن هناك شكلين للثقافة: الأول الذى يمثل المعنى الشامل والواسع لها من سلوكيات وأنماط ملكية وطريقة تفكير وفكر وفن ودين.. الخ، والثانى الذى يمثل المعنى الضيق المقتصر على الفكر والفن فقط. فان هناك بعدا آخر يرتكز على ثنائية أخرى: ألا وهو الثقافة من حيث كونها تمثل رؤية انسانية عالمية الطابع تاريخية الامتداد، فى مواجهة الثقافة الناتجة عن التصور المحلى المحدود الذى راح ينتشر منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى فى جميع الأنحاء. لقد صار لدينا الآن ما يسميه "جيوفرى هارتمان"..
" ثقافة آلة التصوير، وثقافة البندقية، وثقافة الخدمة، وثقافة المتحف، وثقافة الأصم وثقافة كرة القدم.. وثقافة التبعية، وثقافة الألم وثقافة فقد الذاكرة.. الخ "(34) فاذا بالثقافة تنتقل من كونها فكرة تمثل قدرا من الوضوح
والخصوصية، الى كيان مصاب بالترهل والرخاوة بما يجعلها تكاد تطول كل شىء، ولا تكاد تجمع بين أى شىء وأى شىء آخر. وفى نفس الوقت، بالغت فى التخصص وأضحت تعكس على نحو "خانع"، بتعبير تيرى ايجلتون، تشظى الحياة الحديثة وتمزقها، بدلا من محاولة "رتقها" وترميمها كما كانت تفعل الثقافة بمفهومها الكلاسيكى(35).

ان هذا الاتجاه نحو التخصص والتشظى الذى يؤدى الى أن تصبح الثقافة وسيلة تفتيت وتفريق بدلا من أن تكون وسيلة تجميع للمكونات والعناصر يصبح خطره أكبر عندما تنكفىء كل جماعة بشرية على ذاتها، تفتش عن خصوصياتها المندثرة، وتحاول احياء مالم يصمد أمام حركة الواقع وتحولات التاريخ. وفى نفس الوقت تتخذ صفة المقاتل ازاء الثقافات الأخرى (باعتبارها لازمة ضرورية من لوازم تحديد تخوم الذات – كما أوردنا فى صدر هذه الورقة) سواء، أفى لغته، أم فى فنه، أم فى أدبه، أى فى مجمل"ثقافته". وهو ما يصل بنا الى احدى نواتج زمن

العولمة الذى نحياه الآن، فظهرت الحركات الانفصالية على اسس اثنية – عرقية، أو طائفية - دينية، أو حتى مذهبية داخل الدين الواحد.

وقد لاحظ ذلك ادوارد سعيد فى كتابه "الثقافة والامبريالية " عندما قال:

"وبصورة تكاد تكون عصية على الادراك الحسى فان للثقافة مفهوما يضم عنصرا منقيا ودافعا الى السمو، هو مخزون كل مجتمع من أفضل ماتحققت المعرفة به والتفكير فيه، كما قال ماثيو أرنولد فى 1860 ات. لقد آمن آرنولد بأن الثقافة تلطف، ان لم تكن قادرة بشكل تام على أن تحيد، وقع متالف الوجود الحضرى الحديث، العدوانى التجارى، المولد للفظاظة والخشونة. انك لتقرأ دانتى وشكسبير من أجل أن تواكب أسمى ما تحقق التفكير فيه ومعرفته، وكذلك من أجل أن تبصر نفسك، وقومك، ومجتمعك، وتراثك فى أفضل اضاءات لها. ومع مرور الزمن تغدو الثقافة مقترنة، غالبا بشكل عدوانى، بالأمة أوالدولة، ويميز(نا) ذلك عن (هم)، تمييزا تخالطه دائما تقريبا درجة من الاستجنابية.(36)

انه ذلك التحول التصنيفى الاستبعادى الذى آلت اليه الثقافة. وهو ذات المعنى الذى اورده تيرى ايجلتون، بعد ذلك، فى كتابه "فكرة الثقافة" حين قال:

"فقد كانت الثقافة تقليديا تلك الطريقة التى يمكن من خلالها أن نطرح خصوصياتنا الثانوية الضيقة فى محيط شاسع ورحب يطول كل شىء. كما كانت تشير، بوصفها الفنون التى تستمد أهميتها من كونها تقطر هذه القيم وتصقلها فى شكل قابل للنقل. فنحن اذ نقرأ، أو ننظر، أو نصغى، نعلق ذواتنا التجريبية بكل ما تتسم به من طوارىء اجتماعية وجنسية واثنية، لنغدو بذلك ذواتا كونية شاملة. كانت الثقافة الرفيعة تطل من موقع شبيه بموقع القدرة الالهية، فترى الى العالم من كل مكان ومن لامكان.
غير أن كلمة الثقافة (يواصل ايجلتون) راحت تميل عن محورها، منذ ستينيات القرن العشرين فصاعدا، لتعنى ما يكاد أن يكون نقيض ذلك. فقد غدت الآن تأكيدا على هوية خصوصية – قومية، أو جنسية أو اثنية أو مناطقية – لا تعاليا على مثل هذه الهوية، ولأن هذه الهويات جميعا ترى الى نفسها على أنها مكبوتة ومقموعة، فان ما كان يعتبر فى السابق عالما من التوافق قد تحول الآن الى عالم من الصراع ".(37)

اذن هذا هو التحول الذى ألم بفكرة الثقافة، فيما يرى ايجلتون، فانتقلت من كونها وعاء جامعا قادرا على صهر التباينات والانتصار عليها، الى أداة تقسيم وتفريق. ولم أفهم على وجه اليقين تحديد "ايجلتون" تاريخ هذا التحول بستينيات القرن العشرين، وربما كان يقصد الحركات الطلابية والفكرية المناهضة لفكرة الحداثة والمبشرة بما بعدها (مابعد الحداثةPost Modernism ) ومفاهيم (التفكيك Deconstructuralism) التى استقر وجودها الآن، على أسس نفى الأنساق والمنظومات والمرجعيات والتصورات الكلية، متجهة نحو التشظى والتعدد اللانهائى لمعانى الأشياء ودلالة وجودها.

ونفس الرؤية سنجدها عند جان فرانسوا بايار فى كتابه "أوهام الهوية" عندما يطرح مفهوم "التقوقع الثقافى" باعتباره معبراعن أيديولوجيا العولمة (38).

ويمكن القول أن الثقافة قد غدت كذلك منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وأظن أن هذا قد تم بفعل التحول العابر للقوميات للرأسمالية، وبعد ذلك، ظهور العولمة الاقتصادية والاتصالية (الثورة التكنولوجية فى وسائل الاتصال كالأقمار الصناعية والانترنت )، وأيضا تراجع دور الدولة وضعفها فى مواجهة المؤسسات ذات الطابع الدولى والتى تقودها دول المركز الأورو - أمريكى، وتخليها عن مسؤلياتها الخدمية والاجتماعية (حسب وصفات الصندوق والبنك الدوليين) مما أدى الى شيوع نوع من الاستقلال الذاتى النسبى للوحدات الاجتماعية الأولية (الطائفة – الاقليم – الاثنية الصغيرة.. الخ). واذا ربطنا ذلك مع ظهور اتجاه المحافظين الجدد فى أمريكا وانجلترا أثناء مايسمى بالحقبة "الريجانية – الثاتشرية" فى سبعينيات القرن الماضى، لأضحت الصورة أكثر وضوحا. حيث ظهر ما عرف باسترتيجية "القضاءعلى الشيوعية عن طريق تديين العالم"، اضافة الى ما ترافق مع ذلك من اذكاء "الأصوليات" واحيائها ودعمها، سواء أكانت هذه الأصوليات دينية أم قومية عرقية، أم مذهبية..الخ. وأظنها قد نجحت فى ذلك على نحو منقطع النظير على الصعيد العالمى، غير أنها سرعان ما وجدت نفسها فى مواجهة هذه الأصوليات نفسها، (الدينية منها بالذات).

وأقصد بالأصوليات تلك الاتجاهات الفكرية التى تأسست على نوع من التصورات التى تقدس معطى معرفيا - وجوديا معينا، بمعزل عن الشروط التاريخية الشاملة التى أنتجته، فتتصوره على نحو يقوم على الثبات والاطلاقية متخطيا لحدود الزمان والمكان. ويندرج فى اطارها كل الأصوليات التى تشكل "الهويات الصغرى"، سواء أكانت أصوليات عرقية، أم دينية، أم جغرافية - مناطقية.. الخ. اضافة الى كل النزعات الفاشية والنازية الجديدة فى أوربا وأمريكا.. يقول ادوارد سعيد:

"ان الثقافة بهذا المعنى مصدر من مصادر الهوية. وهى مصدر صدامى أيضا، كما نراها الآن فى حالات "الرجوع" الى الثقافة والتراث. وترافق حالات الرجوع هذه مرمزات صارمة من السلوك الفكرى والأخلاقى تناهض الاباحية (أى النظرة المتسامحة - الباحث) التى ترتبط بفلسفات تحررية ليبرالية نسبيا من مثل التعددية الثقافية والهجنة. ولقد أنتجت هذه الرجوعات فى العالم الذى كان خاضعا للاستعمار سابقا أنواعا شتى من الأصوليات الدينية والقومية."(39) ويواصل سعيد قائلا: "والثقافة بهذا المعنى الثانى (أى المقترنة بالأمة والدولة ذات الطابع العدوانى - الباحث)هى مسرح من نمط ما تشتبك عليه قضايا سياسية وعقائدية متعددة متباينة. هيهات أن تكون الثقافة مملكة ساجية ذات رقة أبوللوية، بل انها قد تكون ساحة عراك فوقها تعرض القضايا نفسها لضوء النهار وتتنازع فيما بينها كاشفة، مثلا حقيقة أن الطلبة الأمريكيين، أو الفرنسيين، أو الهنود الذين يلقنون أن يقرأوا آداب أوطانهم المكرسة ( الكلاسية)قبل أن يقرأوا آداب الآخرين، يتوقع منهم أن ينتموا بولاء غير نقدى الى أممهم وتراثاتهم فيما يزدرون الآخرين أو يحاربونهم.
ان المشكلة فى هذه الفكرة عن الثقافة هى أنها تقتضى لا أن يبجل المرء ثقافته وحسب، بل أن يفكر بها أيضا بوصفها معزولة عن عالم الحياة اليومية لأنها تتسامى فوق هذا العالم وتتجاوزه، ونتيجة لذلك فان معظم محترفى العلوم الانسانية عاجزون عن أن يعقدوا الصلة بين الفظاظة المديدة الأثيمة لممارسات مثل الرق والاضطهاد الاستعمارى والعنصرى، والاخضاع الامبريالى، من جهة..، وبين الشعر والرواية والفلسفة التى ينتجها المجتمع الذى يقوم بمثل هذه الممارسات من جهة أخرى. (40)

ان هذ التصور الأصولى هو المسؤل عن الرؤية المتعصبة غير النقدية القائمة على التمجيد غبر

المشروط لمكونات هذه الثقافة واعتبارها المكون الأمثل المهدى من قبل قوى علوية اصطفت هذه الثقافة والمنتمين اليها، يستوى فى ذلك من يعتبر نفسه منتميا الى "شعب الله المختار"، أو من اعتبر نابليون بمثابة "ماهومت غربى" خرج على نحو رسولى ليحرر "البرابرة" من وحشيتهم، ومن تصور أن "الأقدار" قد اختارته ليقود "الأمة الألمانية" الى تحقيق السمو والسيطرة على
باقى البشر الذين هم أقل، عنده، فى الدرجة والقيمة. وهو المسؤل عن ايقاظ الثارات الطائفية والقومية التى مرت عليها عشرات ومئات السنين ليدخل بلدانا مثل لبنان أويوجوسلافيا فى حروب أهلية طاحنة يسقط فيها مئات الآلاف من الأبرياء، وهو المسؤل أيضا عن ظهور الحركات الدينية المتعصبة التى لاتأبه بقتل المارة و" تتترس " بعابرى السبيل الذين ساقهم حظهم العاثر فى طريقها، مدعية أنها بذلك ترسلهم الى الجنة، وان كان رغما عنهم وعلى غير رغبة منهم.

وهذا التصور نفسه يقتضى أن تكون الثقافة الوطنية، ومن ثم، الهوية الوطنية، ممثلتين بؤريتين لما يعرف ب"ثوابت الأمة " التى لايجوز المساس بها وكأنها تمثل كلا مصمتا خاليا من التفاصيل ومطلق الكمال والحضور عبر الأزمان. من حيث ارتكازها على مسلمات مقدسة، كالدين وما ارتبط به من أنساق قيمية وروحية، والوطن وما ارتبط به من تصورات تعميمية لدلالاته المعنوية والنفسية. وأرى أن الثقافة الوطنية والهوية الوطنية انما تمثلان كيانا متحركا ومتعدد الأبعاد، فى نفس الآن: فهو كيان متحرك لأنه كيان متكون عبر التاريخ وليس سرمديا، أى يخضع لشرطى الزمان والمكان ويخضع للمعطيات المعرفية والعلائقية التى تطرحها المرحلة التاريخية المحددة، دون غيرها. سواء، أكان ذلك قد تم بفعل عوامل داخلية خالصة، أم تم عن طريق التفاعل مع عوامل أخرى خارجية. ومن ثم يصبح هذا الكيان الثقافى كيانا متحولا ومتغيرا وليس ثابتا على أى نحو.

وأتفق هنا مع ماذكره أمين معلوف فى كتابه الذى سبقت الاشارة اليه عندما يقول:

"ان عناصر هويتنا الموجودة أصلا فينا عند ولادتنا ليست كثيرة – بعض الصفات الخارجية، الجنس، واللون... وحتى هذه العناصر ليست كلها فطرية. فبالرغم من أن البيئة الاجتماعية ليست هى التى تحدد الجنس بالطبع، فهى تحدد معنى هذا الانتماء، فولادة أنثى فى كابول أو فى أوسلو لايكتسب الدلالة نفسها"(41).

وهو مايعنى أن الهوية ليست مركبة فينا على نحو وراثى (جينى) بل هى مكتسبة، حتى الجنس – النوع يكتسب دلالات مغايرة حسب المعطى الثقافى الذى ينشأ الفرد فى اطاره، وهو ما يؤدى الى امكانية تحول هذه النظرة الى النوع اذا تغيرت المعطيات الثقافية المولدة لها. ويمكننى أن أزيد على ذلك بأن أقترح تركيز المثال على فتاة (أوسلو) تلك، وأن ننظر الى معنى أو مفهوم كونها أنثى قبل خمسة قرون ومعناه ومفهومه الآن. ان الهوية حسب ذلك، انما هى معطى تاريخى تشكل ويواصل تشكله الى مالانهاية.

والفارق بين ثقافة دافعة نحو التقدم وأخرى كابحة عنه هو قابلية هذه الثقافة، أو تلك، للنقد والمساءلة من عدمه. لذلك يرى على حرب فى كتابه: "حديث النهايات" أهمية اخضاع خطاب الهوية للنقد، من أجل التحرر من العوائق التى تشل الطاقة وتولد العجز والاخفاق، وذلك – فى رأيه – "يحتاج الى تغيير نمط التعامل مع هوياتنا بحيث يمكننا أن نقيم مع الأصول والثوابت علاقة متحركة وتحويلية تتيح لنا أن نتغير عما نحن عليه عبر انتاج الحقائق وخلق الوقائع. بهذا

المعنى نحن نحتاج الى الدفاع عن هويتنا، بقدر ما نحتاج الى عمل منتج نتجدد به بقدر ما نزداد تجذرا ".. ثم يواصل.. "من هنا فان مشكلة هويتنا ليست فى اكتساح العولمة والأمركة، على مانظن ونتوهم، بل فى عجز أهلها عن اعادة ابتكارها وتشكيلها فى سياق الأحداث والمجريات، أو فى ظل الفتوحات التقنية والتحولات التاريخية، أى عجزهم عن عولمة هويتهم وأعلمة اجتماعهم وحوسبة اقتصادهم وعقلنة سياساتهم وكوننة فكرهم ومعارفهم. تلك هى المشكلة التى نهرب من مواجهتها: عجزنا حتى الآن عن خلق الأفكار وفتح المجالات، أو عن ابتكار المهام وتغيير الأدوار، لمواجهة تحديات العولمة على صعدها المختلفة والمتعددة".. "ان هويتنا ليست مانتذكره ونحافظ عليه أو ندافع عنه. انها بالأحرى ما ننجزه ونحسن أداءه، أى ما نصنعه بأنفسنا وبالعالم من خلال علاقاتنا ومبادلاتنا مع الغير"(42) فتصبح الطريقة المثلى للحفاظ على الهوية هى امتلاك القدرة على نقدها وتجاوزها والتحرر من تابوهاتها باتجاه التحام أوثق بمعطيات العصر والزمان واسهام أنشط فى فعالياته. وبالمقابل يصبح التمسك المتبتل بالماضى، بصرف النظر عن الصلاحية المجردة لمكوناته مدخلا للفناء وحكما بالبقاء خارج التاريخ.

ان محتوى الهوية متغير ومتحول، اذن، وبشهادة التاريخ والجغرافيا. لكن تحولها مشروط (الى جانب العوامل التى تطرحها التحولات الاجتماعية العاصفة) بقابلية مكوناته لذلك التحول، من حيث امتلاكه لآلية استيعاب المستجدات وهضمها والتفاعل معها. وهو ما يضمن – فى رأيى – امكانية استمرار هذه الثقافة ويحدد قدراتها على البقاء. وغياب هذه الآلية هو المسئول – فى جزئه الأكبر - عن اندثار كثير من الثقافات وانقراضها ومعها شعوبها، ويصبح مكانها الوحيد المناسب هو المتاحف.

من هنا يمكننا أن نفهم طبيعة تحول الثقافة المصرية والهوية المصرية عبر التاريخ، منذ العصر الفرعوني حتى الآن، بما فى ذلك العصور الهللينية والرومانية، ثم العربية – الاسلامية، وصولا الى التحولات التى ألمت بالشخصية المصرية والهوية الوطنية المصرية طوال الخمسة عشر قرنا الماضية. والأمر لايختلف عند غيرها من الثقافات.

كما أن هذه الثقافة وتلك الهوية تمثلان كيانا متعددا، أى كيانا يمتلك مستويات متعددة تنتظم تبايناته، سواء على أسس اجتماعية – طبقية، من قبيل المستويات المعيشية والانتماءات الطبقية وما يرتبط بها من مستويات تعليمية وثقافية ومهنية مختلفة، أو على أسس جغرافية، من قبيل البيئات الطبيعية ( بادية، ريف، حضر، ساحل، داخل.. الخ )، أم على أسس طائفية ومذهبية. من هنا يمكننا القول بأن ثقافة العمال وفقراء المدن ومفهوم الهوية لديهم قد يختلف، على نحو أو آخر عن ثقافة الفلاحين، أو البدو، أو الشرائح العليا من البرجوازية..الخ. على الرغم من أنهم جميعا يشتركون فى اطار ناظم أكثر عمومية وشمولية يمثل الهوية الثقافية الوطنية.

ويمكننا فى هذا الاطار أن نفرق بين نوعين من الهويات الثقافية:

1. الهويات الثقافية الكبرى.

2. الهويات الثقافية الصغرى.

أما الهويات الثقافية الكبرى فهى تلك التى تنتظم جماعة بشرية كبيرة، تضم أخلاطا من
الديانات والأعراق والتنوع الاقليمى – الجغرافى، مثل الهوية الثقافية الهندية، أو الصينية، أو العربية، أو الروسية.. الخ.

و أما الهويات الثقافية الصغرى، فهى تلك تنتظم جماعة بشرية محدودة وموحدة حول عنصر واحد فقط من العناصر السابقة، كأن تتوحد حول انتماء دينى - مذهبى، أو عرقى، أو اقليمى، واحد لا يقبل التعدد. وذلك مثل الأوضاع التى يمكن أن تمثلها حركات انعزالية وانفصالية مثل التبت، أو التاميل، أو النوبة، أوالأقباط، أو الأمازيغ، أو الشيعة، أوالأكراد.. الخ. (بصرف النظر عن التفاصيل السياسية أو الخلفيات التاريخية لهذه الحركات) والملاحظ فى هؤلاء جميعا
أن منطلقاتهم فى السعى نحو الاستقلال، انما تنصب على الرغبة فى التخلص من انتماء أكبر ينازع انتماءهم الأصغر.

وتمثل العولمة تحديا كبيرا يجابه الهويات الثقافية (الكبرى بصفة خاصة) وذلك من خلال ابتعاث الاتجاهات الأصولية واذكائها، على النحو الذى ذكر قبل قليل. بما يعنى اختلاق هويات ثقافية صغرى: عرقية أو دينية أو جغرافية.. الخ.

3- نوعا المثاقفة وآليات عملها

ويتم ذلك عبر آليات متعددة، منها ماهو سياسى أو عسكرى أو اقتصادى، ومنها كذلك ما هو ثقافى. وعلى هذا الأساس قمت بتقسيم المثاقفة الى نوعين متمايزين تم طرحهما على أساس الموقف من مفهوم "الحاجة الثقافية" الممثلة لأسئلة اللحظة التاريخية – الاجتماعية التى تجتازها الجماعة البشرية المحددة:

- المثاقفة الطوعية.
- المثاقفة القسرية.

وسوف أفصل القول فيهما فى مايلى:

أولا: المثاقفة الطوعية

والمقصود بها تلك المثاقفة التى تدفع باتجاهها أسئلة اللحظة الاجتماعية - التاريخية المحددة التى تعيشها الجماعة البشرية، طارحة حاجتها الثقافية الفعلية بما يحدد طبيعة تفاعلها الثقافى مع الآخر، وهى تعتبر المثاقفة الأصل، والمثاقفة الطبيعية التى من خلالها انتقلت جميع الفنون والآداب والعلوم عبر أصقاع العالم المختلفة، وعن طريقها تكونت الحضارات والبؤر الثقافية التاريخية. ولايمكن بالطبع أن نتصور موقفا موحدا لدى جميع المنتمين لهذه الثقافة المصرية - العربية من المادة الأدبية – الثقافية الوافدة، ولكنى أتحدث عن الوافد الذى يمكنه أن يصنع تيارا واسعا على قدر من الامتداد الجماهيرى.

وتتم ممارسة المثاقفة الطوعية عبر المستويات التالية:

1. مستوى التمثل:

ويعنى اذابة المنتج الثقافى الأجنبى وادخاله ضمن النسيج الثقافى الوطنى، حيث يتم طرح

الوشائج والروابط المتكاملة الكفيلة باستيعابه بصورة كاملة، بحيث لايمكن تمييزه باعتباره عنصرا وافدا، ومثال ذلك ماحدث للرواية والمسرحية فى مصر والعالم العربى، باعتبارهما نوعين أدبيين وافدين بصورة كلية على الثقافة العربية، وكذلك ما حدث للرومانسية والواقعية والواقعية السحرية باعتبارها مذاهب أدبية وافدة، بذات القدر، على هذه الثقافة.

2. مستوى التكيف:

وأعنى به التعايش والتجاور، فى اطار من عدم الرفض الذى قد لايعنى قبولا تاما. ويتجلى ذلك فى موقف الثقافة المصرية – العربية من الاتجاهات التى تمثل طرحا ذائع الصيت على الصعيد العالمى، ولكنها قد لاتعبر، على نحو مباشر، عن الواقع الاجتماعى الثقافى الوطنى ولا تنطلق من حاجاته الثقافية، وان كانت لاتناهض مستقراته ولا تتناقض مع مسلماته. ويمكن ملاحظة ذلك فى الموقف من الموسيقى الأوربية الكلاسيكية أوالحديثة وفنون الأوبرا والباليه، وغيرها، وكذلك الاتجاهات المستقبلية والسيريالية التى تواجدت فى مجالى الفن التشكيلى والأدب التى ظهرت فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، وفنون وآداب ونظريات الحداثة ومابعدها التى تتواجد الآن، مثل الموقف من البنيوية والتفكيكية وقصيدة النثر والرواية الجديدة.

3. مستوى التحصن والرفض:

بما يعنى عدم التواؤم على أى نحو مع العناصر الوافدة، بل تجنبها وتجاهلها وحصارها فى نقطة صغيرة منعزلة - ان لم يكن محاربتها ومهاجمتها. وهذا مايمكن ملاحظته، فى الموقف من الآداب التى تمثل الرؤى المتناقضة مع المستقرات الوطنية والجمالية من حيث انها ناتجة عن واقع مغاير فى أولوياته الفكرية والجمالية. ويمكن ملاحظة ذلك على نحو تقرببى فى الموقف من الأدب الاباحى، أو المجترىء على المقدسات، أو الموقف من التطبيع الثقافى مع العدو الصهيونى والأدباء المطبعين معه.

ومن المفيد التأكيد على أن هذه الآليات يمكن أن تمارس احداها، من قبل شخص معين، أو من قبل مؤسسة، أو تمارس كلها من قبل قطاعات مختلفة داخل الجماعة الثقافية الواحدة.

ثانيا: المثاقفة القسرية

وأقصد بها تلك المثاقفة التى تقوم على فرض أنماط سلوكية وأطر معرفية – مفهومية لاتتطلبها ولا تسعى اليها الجماعة البشرية المحددة فى طورها الاجتماعى – التاريخى المحدد. وهى بذلك تعد نوعا من الاملاء الثقافى الذى يدعم أغراضا أخرى تندرج فى اطار الهيمنة، بأشكالها المتداخلة: العسكرية والسياسية والاقتصادية.

ولعل من أوائل أشكال المثاقفة القسرية ماقاله أحد الأباطرة الرومان فى وصفه للمعركة أمام
جيشه المنتصر: "لقد هزمناهم وجعلناهم يعبدون آلهتنا ". فاعتبر بذلك هزيمة العدو الروحية وتحويله الى دين المنتصر جزءا، أو هدفا من أهداف النصر العسكرى.

ومن أهم أشكاله فى العصر الحديث محاولات القوى الاستعمارية محو اللغات الوطنية وبالتالى الثقافات الوطنية، واحلال لغته وثقافته محلهما. ومن النماذج الصارخة على ذلك ماحاوله الاستعمار الفرنسى فى الشمال والغرب الأفريقيين. ومنها ما تحاوله فعاليات العولمة الآن من محاولات الطمس الثقافى، عن طريق ماأسمى بصدام الحضارات.

ولهذه المثاقفة عدة آليات، تتحرك عبرها:

1. تفتيت الهوية الوطنية، عن طريق اختلاق أوابتعاث الهويات الصغرى بأصولياتها ذات الوعي الزائف اللاتاريخى. كأن يتم تسليط الضوء على أشكال من الثقافة والأدب المنتميين الى طائفة أو منطقة بعينها، بشكل منفصل عن الجامعة الثقافية الوطنية أو القومية، كأن يتم العمل على محاولة احياء اللغة النوبية واختراع ابجدية للكتابة بها. وترسيخ مفهوم مايسمى بالأدب النوبى والثقافة النوبية ومحاولة صرف النظر عن انتمائهما الى الثقافة المصرية. وكذلك العمل على احياء اللغة القبطية والحديث عن الأدب القبطى أو الأدب الاسلامى بمعزل عن الأدب الوطنى المصرى.

2. الاحلال والازاحة، عن طريق التحكم فى برامج التعليم والاعلام والجوائز والترجمة، وهى تلك الممارسات التى تحدد مفهوم "الروائع"، وبالتالى الحكم بالسلب على نحو غير مباشر على الأعمال التى تمثل ما هو مخالف لذلك. ومن قبيل ذلك ما يتم من تسليط الأضواء - عن طريق تكثيف الاهتمام الاعلامى ومنح الجوائز والقيام بالترجمة - على الأعمال الأدبية التى تقوم بنقد وتسفيه الموروثات الثقافية التقليدية، كتلك الأعمال المنتمية الى ما يعرف بالنسوية Feminism التى تهتم بالممارسات الفلكلورية المتعلقة بقضايا المرأة (كالختان والممارسات غير العادلة والشاذة فى محيط العلاقة بين الرجل والمرأة ) فى المجتمعات المصرية والعربية. أو تلك الأعمال التى تطرح نوعا من الجرأة الأخلاقية والسلوكية وتقوم بطرح رؤى مناقضة للعناصر المكونة للأبنية الثقافية التقليدية أو السائدة. كل هذه الأعمال يتم النظر اليها باعتبارها تمثل نظرة "استشراقية" Orientalist للثقافة الوطنية، ولا تمثل نقدا لعناصر الثقافة الوطنية من من خلال الانتماء للثقافة الوطنية ذاتها. ان الاحتفاء بهذه الأعمال يتم على أساس الخطاب الذى تتبناه، وهو دائما مايكون مواتيا لمتتطلبات الخطاب العولمى الذى تتبناه دوائر المركز الأورو أمريكى، بقطع النظر عن قيمتها الفنية قياسا بالأعمال الابداعية المعاصرة لها.

3. "خلق الحاجات" الثقافية (43)، عن طريق طرح الأسئلة التى تنبع من بيئة ثقافية
تخص المركز الأورو- أمريكى وتعميمها على نحو تنميطى، باعتبارها ممثلة للتوجهات العالمية والممثلة لروح العصر. ومثال ذلك مايتم طرحه الآن عن طريق الايديولوجيات الاقتصادوية ومابعد الحداثية، باعتبارها يوتوبيا العصر، وطرح الايديولوجيا الرأسمالية الليبرالية الجديدة باعتبارها أيديولوجيا نهاية التاريخ.. الخ.

ومن هنا تصبح دراسة عمليات التثاقف بنوعيها وآلياتهما المتعددة يمكن أن تكون أكثر نجاعة اذا تمت على أساس دراسة البنيات الثقافية الوطنية، باعتبارها مدخلا رئيسيا الى دراسة علاقة هذه البنيات بمثيلاتها الأجنبية، حيث تتم دراسة الآداب الوطنية فى خصوصيتها على ضوء خلفية عامة لعملية التشكيل الأدبى العالمى، كما أن مختلف أشكال التثاقف بين الآداب ينبغى أن تدرس فى اطار عملية أدبية واحدة، تتناول كافة مكونات العمل الأدبى الداخلية الى جانب الظروف

الخارجية التى شكلت عامل الفاعلية والتأثير (44) أى أنه من الأهمية بمكان دراسة الثوابت والمتغيرات فى كل أدب وطنى على حدة، جنبا الى جنب مع دراسة مفهوم القيمة الفنية لدى كل من المرسل والمتلقى، لأن مفهوم القيمة لدى المرسل يخضع لعوامل تطرحها آليات العملية الابداعية التى تهدف الى التجديد والتجويد، مشتبكة ومتجادلة مع عوامل اجتماعية وتاريخية خاصة ومحددة بتجربتها الوطنية. أما مفهوم القيمة لدى المستقبل، فانه يخضع لمعايير الأفضليات الثقافية – الاجتماعية التى يطرحها الظرف التاريخى – (الزمكانى) الخاص به (45). ان هذا يعنى أن دراسة التلقى الثقافى - الأدبى لابد أن تتم فى ضوء دراسة المنظومة الاجتماعية – الثقافية التى تكتنف الأدب الوطنى المعين بكامله.

وهذا يعنى، من زاوية أخرى أن التطور الثقافى والجمالى، لدى كل شعب على حدة، ولدى البشرية، عامة، مشروط بعناصر متعددة فى النظام الروحى والابداعى لدى هذا الشعب أو غيره. حيث تقود مكونات هذه العناصر – حسب المقارن البلغارى جيورجى ديموف – الى.. "مصادر وطنية وخارجية تولدت عنها ظواهر ونزعات، أرخت بطرق ظاهرة وخفية، وبشكل فنى طموح لمراحل وأحداث اجتماعية وصدامات ايديولوجية وأخلاقية وآلام انسانية عميقة، بما يجعلنا نقبل اليوم كحقيقة علمية قاطعة بأن أدب كل فترة وكل شعب قد خضع فى نموه الى قاعدة اتصال متلاحق (مع الآخر) عبر الغزوات الثقافية والحركات الايديولوجية والمفاهيم الجمالية للشعوب المجاورة المتقاربة والمتباعدة".(46)

فلقد ساهمت العلاقات الابداعية المتبادلة فى اغناء الآداب الوطنية بقوة الشروط التاريخية المحددة وبمساعدة التقاليد التى أرستها التحولات الأدبية العالمية، بحيث حفزت هذه العلاقات الثقافية طاقة الابداع لدى الأدباء فى مختلف الشعوب والأجيال. حيث تتمظهر الامكانية الراهنة للدراسات المقارنة فى واقع التنوع والتعقيد مسترشدة بالمحددات الوطنية والعالمية للاتجاهات الروحية والفكرية وكذلك أثر القيم الفنية والفكرية وما يتولد عنها من آثار على مختلف الأصعدة. فيمكننا تحديد طبيعة ودور الشروط المختلفة التى تقف وراء الظواهر الفنية وأهمية هذه الشروط الدائمة أوالمؤقتة، على قاعدة تحليل شامل ومقارن لتلك الشروط والظواهر.

من هنا فان الدراسة المقارنة - المبنية على آليات المثاقفة المتعددة - للظواهر الأدبية والثقافية العامة يمكنها أن تسهم فى تحقيق رؤية أفضل وتقدير أكثر دقة للاتجاهات التى تصاحب التحولات الجمالية - الثقافية العامة، وكذلك الكشف الدقيق عن ما يمكن أن يمثل نظاما عاما داخل الخصوصية الأدبية الوطنية عبر حقبة تاريخية كاملة. وذلك عبر منهجية تقوم على الكشف عن الخطوط الرئيسية – العامة والخاصة للظواهر الأدبية.

ان الأدب المقارن، عبر هذه المقترحات المفهومية، وبخاصة من خلال انطلاقه من مفهوم الحاجة الثقافة، واتجاهه نحو تعميق وتوسيع مجالات البحث وصولا الى الجذر الثقافى – الاجتماعى – التاريخى للظاهرة الأدبية، يمكنه أن يكون عامل تطوير واغناء للثقافة الوطنية، عن طريق طرح مفاهيمها التكوينية ومكونات بنائها المعرفى والجمالى فى اطار حركته التاريخية على أسس بحثية علمية. وأيضا عن طريق دراسة الآليات النوعية لعمليات تثاقفها مع الآخر. حيث يقترب الأدب لمقارن، بذلك، مما يمكن تسميته بالنقد المعرفى أو الثقافى

فى مواجهة أطروحات المركز العولمى الساعى نحو الهيمنة. وذلك باتجاه البحث عن عولمة بديلة تقوم على تكتل الثقافات ذات البعد الانسانى ( على الصعيد العالمى )، والمهددة بالتهميش والازاحة (على صعيد بلدان الجنوب والشرق )، باعتبار ذلك ممثلا لمجالات بحثية جديدة.

**** ****

الهوامش:
1- Hugo، Les Orientales، in Oeuvres poetiques، 1: 684

نقلا عن: ادوارد سعيد، الاستشراق – المعرفة، السلطة، الانشاء، ترجمة كمال أبوديب، مؤسسة الابحاث العربية، بيروت، ط2 1984، ص109.

2 – Fourier، Preface historique، vol. 1 of Description de l،Egypt، P. iii

نقلا عن: السابق، ص111.

3- Evelyn Baring، Lord Cromer، Modern Egypt (New York: Macmillan Co،1908)،2:146-67

نقلا عن السابق، ص 69 - 70

4. د. أنور عبدالملك، الاستشراق فى أزمة، ديوجين، العدد 44، شتاء 1963 ص 107.

5. ادوارد سعيد، الاستشراق – المعرفة – السلطة الانشاء، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط2، 1984، ص80 ومابعدها.

6. ادوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، 1997، ص 119

7. صامويل هنتنجتون، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، دار سطور، القاهرة، 1998، ص 39.

وأظن أن الفارق واضح بين نظرتى كل من ادوارد سعيد وهنتنجتون، على الرغم من اتفاقهما فى المعنى النهائى، فسعيد ينحو باللائمة على هذه العدوانية القائمة على التعرف على الذات عبر تفضيلها، والنظر للآخر بعين الاستعلاء، أما هنتنجتون فيعتبر أن التضاد شرط التعرف الى الذات، من هنا كان وجود العدو ضروريا لوجود الأنا. لذلك فانه فى كتابه المشار اليه سيقترح صدام الحضارات شرطا لوجود وازدهار الحضارة الغربية.
8- أنظر: سعيد علوش، مكونات الأدب المقارن فى العالم العربى، الشركة العالمية للكتاب،بيروت، وسوشبريس، الدار البيضاء، 1987،ص 53 – 54 - 55

9. ادوارد سعيد، السابق، ص 115.

10. Nyiro lajos، Irodalomelmelet - korszer & muveszet، Budapest، 1967، 103 نيرو لايوش، نظرية الأدب، الفن والعصر (بالمجرية).

11. سيرج لاتوش، تغريب العالم – بحث حول دلالة ومغزى وحدود تنميط العالم، ترجمة: خليل كلفت، دار العالم الثالث، القاهرة، 1992،ص22

12. أنظر أوهام الهوية، جان فرانسوا بايار، ترجمة حليم طوسون، دار العالم الثالث، القاهرة، 1998، ص9.

13. الهويات القاتلة، أمين معلوف، ترجمة نهلة بيضون، دار الجندى للطباعة والنشر، دمشق، 1999، ص47.

14. أنظر: ادوارد سعيد، السابق، ص 114.

15. فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والانسان الأخير، ترجمة فريق باشراف مطاع صفدى، مركز الانماء القومى، بيروت،1993، ص73.

16. سيرج لاتوش، مرجع سابق، ص 24.

17. نفسه، ص30.

18. عزالدين المناصرة، المثاقفة والنقد المقارن – منظور اشكالى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،1996، ص74.

19. منير بعلبكى، قاموس المورد، انجليزى – عربى، دار العلم للملايين، بيروت، 1994،ص24.

20. أنظر:أندرى تيفيلان،التعليم باعتباره مثاقفة، ترجمة لحسن بو تكلاى، www.aljabriabed.net.fikrwanaqd.n62_09butaklaui.(2).htmص1

21. عن د. محمد خرماش، أبعاد المثاقفة فى النقد الأدبى المعاصر، مكناس المغرب، 2008

Manahijnaqdia.3oloum.org-montada-f4-topic-t8.htm
22 - نقلا عن عزالدين المناصرة، المثاقفة والنقد المقارن – منظور اشكالى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996، ص73.

23 - نفسه. ص 73 – 74.

24- أنظر:
 أثينا السوداء، مارتن برنال، تحرير ومراجعة وتقديم: أحمد عتمان، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 1998.

- التراث المسروق،: جورج جى. إم. جيمس، ترجمة: شوقى جلال، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة. ط1، 1996

25- لمعرفة مدى استفادة البلاغيين والنحويين العرب المسلمين من المنطق الأرسطى، أنظرعلى سبيل المثال: د. شوقى ضيف، البحث الأدبى – طبيعته – أصوله – مناهجه، ط4، دار المعارف القاهرة، 1979، ص 79 وما بعدها.

26- E.Taylor. Primitive Culture. London: John

Murry. 1871
27- لتفصيل ذلك أنظر: زيجريد هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب – أثر الحضارة العربية فى أوربا، ترجمة: فاروق بيضون و كمال دسوقى، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، طرابلس – دار الآفاق الجديدة، الدار البيضاء، 1991.

28- سير جيمس فريزر، الغصن الذهبى - دراسة فى السحر والدين، ترجم باشراف د. أحمد أبوزيد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1998.

29- محمد مفتاح، مشكاة المفاهيم – النقد المعرفى والمثاقفة، المركز الثقافى العربى، الدار البيضاء – بيروت، 2000، ص 8.

30 - أنظر: مجموعة من الكتاب، نظرية الثقافة، ترجمة د. على سيد الصاوى، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب،الكويت، 1997، ص9.

31- The Social Order. NewYork. Mc Graw Hill. 1963
المرجع السابق، ص10.

32- سمير أمين. نحو نظرية للثقافة – نقد التمركز الأوربى والتمركز الأوربى المعكوس، معهد الانماء العربى، بيروت، 1989، ص7.

33- نفسه، ص7.

34- نفسه ص9 – 10.

35 -Geoffry Hartman. The Fateful Question of Culture. New York. 1997. p.30.
.
نقلا عن تيرى ايجلتون، فكرة الثقافة، ترجمة ثائر ديب، دار الحوار، اللاذقية – سوريا، 2007 ص84.
36- ايجلتون، السابق،ص 85.

37- ادوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، مرجع سابق، ص59.

38 - ايجلتون، السابق، ص86 – 87

39- جان فرانسوا بايار، مرجع سابق، ص47

40- ادوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، مرجع سابق، ص59.
41- نفسه، ص59.

42- على حرب، حديث النهايات – فتوحات العولمة ومأزق الهوية، المركز الثقافى العربى، الدار البيضاء – بيروت، 2000، ص 24 - 26

43 - وهو تعبير مأخوذ عن الدكتور رمزى زكى وقد صكه فى كتابه: وداعا للطبقة الوسطى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998.

44- nyiro Layos، مرجع سابق، ص 103.

45- سعيد علوش، مدارس الأدب المقارن، المركز الثقافى العربى، الدار البيضاء، 1987، ص 135.

46- نفسه، 136.

مساهمة فى نظرية الأدب المقارن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى