الجمعة ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم
المركب النشوان
شعر: آرثر رامبو، ترجمة: عبد الهادي السائح
وانطلقتُممتطيا سيولاً لا تبالي..ما عدتُ أحس بالحبال تتجاذبنييشدها عمالُ المرفأكانوا هناكوقد اتخذهم بعضُ أوباش الهنود الحمرأهدافابعدما قيدوهم عراةً إلى أعمدة الألوان...لم أكترث للطاقممن حمـَلةِ القمح الفلاميأوالقطن الإنكليزي..عندما انتهى ذلك الشغب وغاب العمال معه عن ناظريتركتني السيول أهوي إلى حيث أشاء..بين تلاطم الأمواج الغاضبةجريتُ ذاك الشتاءَبعناد أعتى من عنادالأطفال،لم تشهد الجزر العائمة هرجا أكثر اصطخابا من ذلك،وباركت العاصفة ُ استفاقتي البحرية..وكأخفَّ من سدادةرقصتُ فوق الأمواج،تلك الأيدي الأبدية التي تدحرج ضحاياها، كما يقال،عشرَ ليالٍدونما شوق إلى عين الأنوار الساذجةتلوح من المرافئ،جريتُ..تسربت المياه الخضراء إلى هيكلي الصنوبريأعذبَ من طعم التفاح الحامض في فم الأطفال..مطهرةً بقعَ الخمر الزرقاء والقيءرجّتني، بعثرتْ الدفة والمرساة..منذ ذلك الحين وأنا أستحم في قصيدةِ البحرتـتخللها النجومُ،حليبية اللونِ،تلتهم البقعَ اللازوردية المائلة إلى الخضرةأينَ ترى أحياناغريقا شاردَ الذهنتلفه هالة صفراءُمُمتـقَعة،يرسب إلى القاعوهو مسرور..هناك أين يضفي الزرقة َ فجأةًالهذيانُ والإيقاع البطيءتحت وهج النهار،زرقةٌ أعتى من الخمروأرحبُ من أنغامنا،تختمر صهبة الحب المرّة.. هناك،شهدتُ انشقاقَ السماوات بالبرقوالأعاصيرَ واكتساحَ الأمواج المرتدة،، والتيارات..شهدتُ المساءَوالفجرَ العُلوي مثلَ شـَعبٍ من الحمامورأيت أحيانا ما ظن الإنسان أنه رآه..رأيتُ الشمسَيخامرها رعبٌ غامض في الزوالتمد أشعتـَها جلطاتٍ وردية طويلةمثل الممثلين في مسرحيات درامية عتيقةالأمواج تندفع بارتجاجاتها المصطفقة راجعة إلى المدى..حلمت في الليل الأخضر بالثلوج يبهرها الضياءبالقـُبلة الصاعدة إلى عين البحر، رويدا رويدابجَيَشان قوى لا نظير لهابصحوةٍ زرقاء مصفرّة للفسفور المغرِّد،اتبعتُ لأشهرٍ كاملةالأمواجَ الهائجةوهي تجتاح أرصفة الصخور في جنونكقطعان البقر الهستيرية،لم أحسَب أن سيقان الضياء المريميةقد تصد خياشيمَ المحيطاتِ الناخرة،اصطدمتُ، فاعلموا، بمروجٍ عجيبة،أين تختلط الأزهارُ بعيون الفهود في جلود البشروتتدلى،تحت آفاق البحار،أقواسُ قزح كأعنةخيولٍ خضراءَتخالطها الزرقة..شاهدت السبخاتِ الهائلة تختمر..شِباكٌ يتعفن في طياته الطحلبية حوتٌ ضخم،شاهدتُ انهيارَ المياه وسْط هدأةِ العبابوالمسافاتِ البعيدة ترتمي إلى أعماق الهاوية...أنهار الجليد، شموس فضية، أمواج منْ لؤلؤ، سماوات منْ شواظحطام سفن مشوهة..في أعماق الخلجان البنية،حيث الثعابين العملاقة التي يلتهمها الأرَضُتتساقط،كالأشجار الملتوية،بعطورها السوداء..وددت لو أري الأطفال تلك الحيتانحيتانَ الموجة الزرقاء،تلك الحيتان الذهبية، الصادحة..هدهدَ زبدٌ من الزَّهر انسيابيوأعارتني رياحٌ يفوق عتوها الوصفَ أجنحتها في بعض الأحيان..وأحيانا، مثل شهيدٍ تعِبٍ من الأقطاب والمناطقيرفع البحرُ الذي كان شهيقهسريريَ المتمايح العذبَ،إليَّ أزهارَ الظلال بكؤوسها الصفراء..ارتحتُ ثمة مثلما امرأةٍ تجثو على ركبتيها،مثلما جزيرةٍ، تتمايلُ على ضفاف العراكوذرْقِ الطيور الناعقةذواتِ العيون الصهباء،لمحتُ خلالَ أشرعتي الهشة وأنا ماضٍالغرقى يسبحون راجعين إلى النوم في الأعماق..كذاكَ أناالمركب المضاع تحت ضفائر الخلجانرمتني العاصفة إلى أثير خالٍ من الطيورأنا الذي لا تقدر السفنعلى انتشالجثته السكرى من الماء..أضحيت حرا،تتصاعد مني الأبخرة ويلفني ضباب ورديأنا.. مَن اخترق السماء المحمرّة كالجدارو مَن يحمل الخواطر الرقيقة إلى قرائح الشعراءعَذَبَ الشمسِ مع هلام سماوي الزرقة،مَن جرى، تبرقعه أهِلـَّـة كهربائية،خشبة مجنونةترافقها أحصنة البحر الماردة، السوداءحينما كانت أشهر تموز تُغرق بهراواتهاالآفاقَ الزرقاءَ الداكنة، اللماعةفي أقماعٍ لاهبة..أنا الذي ارتجفتُ..لسماعي أنين الوحوش الهائجةعلى بعد خمسين فرسخاوالدواماتِ الهائلةتلك التي تحيكُ زرقة البحار الأبدية،أحن إلى أروبا ومتاريسها القديمة..رأيت أرخبيلاتٍ من النجوم وجُزراًتتفتح آفاقها المجنونة للملاحأفي هذه الليالي، ليالٍ بلا أعماق تنامين وتنزحين؟يا ملايين الطيور الذهبية،يا حياة المستقبل ؟نعم بكيتُ كثيرا، فكل فجر كئيبوكل قمر قبيح وكل شمس مُـرّةملأتني حدة الحب بخدَر نشوانفليتحطم هيكلي، ولأغرقْ..لو كنتُ مشتاقا إلى بعض مياه أروبالشاقتني بركةٌ سوداء باردةيقبع على حافتها طفلٌ يملأ جوانحَه الأسىليرسلَ زورقا أرق وأوهن من فـَرَاش مايإلى الشفق الشذي..ما عدتُ أستطيع الاستحمام في خـَـدَركنّ ونصالكنّأيتها الأمواج الزجاجيةأو أقتفي سبلَ السفن المشحونة بالقطنما عدت أقدر أن أعبر ساحات الفخر برايات وأعلام مرفرفةأو أسبح تحت أعين الجسور العائمة، الرهيبة..[1]
شعر: آرثر رامبو، ترجمة: عبد الهادي السائح