الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم إدريس ولد القابلة

المغرب: المطلوب توحيد اليساريين المغاربة و ليس وحدة القيادات

الوحدة أضحت شرط وجود

لقد نظر اليساريون المغاربة دائماً، و منذ فجر ستينات القرن الماضي، إلى مهمة تحقيق وحدتهم كضرورة، و كانوا واعين تماماً للصعوبات التي تعترض طريق الوحدة ، و جاءت الاعتقالات و التنكيل و القمع الحديدي وقلنا ليساهم في تهشم مكونات الحركة اليسارية المغربية خلال عقود الشيء الذي دفع إلى الاهتمام من جديد بالوحدة كشرط استمرار الوجود على الركح المغربي باعتبار عدم تمكن مكونات اليسار المغربي من التجدر وسط الجماهير المغربية رغم اعتباره على الدوام كأولوية على قائمة الأولويات. لكن إن كل الصعوبات الجامة التي واجهتها كل مكونات الحركة اليسارية المغربية لم تسبب لمناضليها، القليل عددهم، الإحباط،و ظل الطموح لتحقيق الوحدة قائما كسبيل من سبل البقاء على قيد الوجود.
لقد اجتازت جملة من مكونات اليسار المغربي حاليا طريقاً هامة و ربماغير مسبوق في تاريخهاإذ تكوّنت تيارات وحدوية فعلية على أرض الواقع خلافا لما كان سائدا في السابق ، إي حضور هاجس خطابا و ليس ممارسة . فهذه المرة عكست الرغبة والطموح في الوحدة وتفاعلت مع الضرورة الموضوعية التاريخية والإمكانية الواقعية.

في إطار عملية إعادة تكوين الحركة، استطعت مكونات اليسار المغربي الطامحة للوحدة في المجال النظري والسياسي أن تصيغ أرضيات عكست القناعات المشتركة الحد الأدنى حول القضايا المطروحة على أرضية النقاش العام الذي جرى حول مختلف القضايا من أزمة الحركة إلى أزمة المرجعية الفكرية و الايديولوجية إلى المهام السياسية وانتهاءً برؤية تنظيمية التي استأترت الاهتمام أكثر من غيرها من الاشكالات المطروحة و التي لازال مؤجلا الحسم فيها. و كل ما تم انجازه على هذا الدرب يصب أولا و قبل أي شيء آخر في اتجاه البحث عن سبل استعادة الدور الوظيفي لمختلف مكونات الحركة اليسارية المغربية في مختلف الاتجاهات، و في هذا الصدد تم الاهتمام بشكل بدا مبالغ فيه بالهياكل التنظيمية قصد إظهار، و لو شكليا، عملية التجميع وتعبئة وتحريك مناضلي مكونات اليسار المغربي في الاتجاه المطلوب. علما أن مهمة الوحدة هي ذات طابع برنامجي، ولكن لابد من خطوات تراكمية لتحقيق الانعطاف الكبير في الاتجاه المطلوب، باعتبار أن انتظار الظرف المناسب موضوعياً لتحقيق هذه الخطوة دون العمل ذاتياً بشكل جدي ومستمر وحثيث، بحجة صعوبة أو عدم قرب تحقيقها هو أمر يدفع بقضية الوحدة إلى الوراء، لا بل يمنعها، حسب البعض، من التحقيق.

و علما كذلك أن الحوار ( وليس الصراع كما كان يحلو لليساريين المغاربة قوله سابقا) هو طريق ضروري للوصول إلى الوحدة، ولكن الحوار ليس مطلوباً بحد ذاته، بل مطلوب للوصول إلى قناعات مشتركة، وإذا كان الحوار ضرورياً على كل المستويات وبكل الأشكال، إلا أن الوحدة بشكلها الملموس لايمكن أن تتحقق إلا عبر طريق واحد وهو من تحت إلى الفوق و ليس من فوق إلى تحت .

و هذا يعني ، أول ما يعنيه، تكريس و ممارسة الديمقراطية الحزبية الكاملة، كما يعني تثبيت سلطة القواعد خلال هذه العملية دون أي شروط مسبقة أو وصاية من أحد و هذا ما تساءل عليه الكثيروة بخصوص وحدة مكونات اليسار المغربي. و من المعلوم، و هذا بشهادة الجميع، من خلال العمل اليومي و على امتداد التجربة بانتصاراتها و انحرافاتها و نكساتها بينت و لازالت تبين أن مفاهيم وحدة اليساريين المغاربة والعودة إلى الجماهير واستعادة دورهم الوظيفي هي مفاهيم مرتبطة ارتباطا وثيقل بعضها البعض وكل منها هو، في واقع الأمر، مدخل لكل الباقي من الاشكاليات وكل ابتعاد عن جانب منها يعني استحالة في تحقيق المهام الأخرى، أي بعبارة أخرى أكثر وضوحا و جلاءا، أن الحوار بشكله المجرد لن و لم يوصل إلى أي وحدة فعلية رغم الاعلان عن هياكل تنظيمية توهم بهذه الوحدة، بل ما يوصل إليها التزامن الدائم و المستدام بين الحوال و العمل الملموس على أرض الواقع بين الجماهير و في حضنهم، هذا هو السبيل لتحقيق الخطوات الضرورية لاستعادة اليسار المغربي دوره الوظيفي. لا سيما و أن هناك حاليا على الركح السياسي المغربي أحزاب بكاملها أو تسمي نفسها أحزاباً وهي لاتبتعد عن كونها مجرد تنظيمات دون أي دور وظيفي بل في أحسن الأحوال فصائل لاترتقي بمفردها أو بمجموعها إلى الدور الوظيفي التاريخي الاجتماعي المطلوب من حزب حقيقي.

فبالنظر إلى خطاب مكونات اليسار المغربي حاليا نلاحظإننا طموحا يرغب في أن يعيد استنهاض الحركة اليسارية المغربية في اتجاه إعادة تكوين حزب ليلعب دوره المطلوب منه على مختلف الأصعدة، أي على مستوى الخطاب نحن أمام مشروع حزب يجري العمل على بنائه لبنة لبنة، وهذا ماأعلنه أكثر من تصريح مفاده أن الطموح ليس هو مجرد إضافة حزب جديد إلى قائمة الأحزاب المغربية الحالية و ما أكثرها عددا و قلتها تأثيرا و مساهمة في تفعيل و توجيه القرار السياسي، و إنما الطموح ا هو تكوين ذلك الحزب الذي يحل محل مختلف المكونات الموجودة. لكن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا مع استعادة الدور الوظيفي، الأمر الذي سيفرض على كل مكونات اليسار المغربي الدخول في لعبة المحدة أو الإنعزال عنها و بالتالي الخروج فعلياً من الحياة السياسية.

طبعاً لايجوز إنكار وجود تنظيمات ماركسية و اشتراكية على صغر حجمها، لازالت خارج دائرة الوحدة إلا أنه يبدو الآن لا خيار لها إلا تفعيل الحوار في اتجاه الدخول في اللعبة الوحدوية إن هي أرادت أن لا تحكم على نفسها بالتهميش باعتبار أن الميزة الرئيسية لمختلف مكونات اليسار المغربي هي انعزالها البنيوي و الهيكلي عن أوسع الجماهير و هذا حقيقة قائمة أراد من أراد و كره من كره. إذن عليها بالضرورة المساهمة في الحوار للوصول إلى قواسم مشتركة، و هذا ليس اختيار الآن بل إنه شرط وجود و استمرار في الوجود الفعلي و ليس التوهم بالوجود. و هذا الحوار ممكن في انتظار نضوج ظروف الالتحاق بصيرورة الوحدة من الداخل. علما أنه وجب الأخذ بعين الاعتبار التسارع التارخي الذي لا يعمل في صالح التنظيمات الميكروسكوبية المنعزلة بنيويا و هيكليا و عمليا عن الجماهير صاحبة الشأن بشهادة كل اليساريين المغاربة.

الوحدة أضحت شرط وجود

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى