محاكمات الإرهاب بالمغرب ـ الحلقة السادسة
في إطار محاولة تفسير ما حدث بالدار البيضاء يوم الجمعة 16 مايو 2003، تحدث البعض عن تورط تنظيم القاعدة. لاسيما و أن هذه الأخيرة سبق لها و أعلنت عن احداث فروع و ملحقات تابعة لها عبر دول العالم. كما أنه في مسار تحول نشاط القاعدة في اتجاه استهداف الدول الإسلامية تم أدراج اسم المغرب ضمن الدول المستهدفة بعد السعودية و قبل الأردن و ذلك اعتبارا لتعاونه، في نظرها، مع الةلايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب.
في حين أن التفسيرات التي برزت مباشرة عقب أحداث الدار البيضاء اتجهت نحو اتهام الصهيونية كيد فاعلة خفية و راء ما وقع يوم الجمعة 16 مايو 2003. و هذا تفسير يعيد إلى الأذهان اتهامها عقب تفجيرات نيويورك و واشنطن.
و من المعروف أن الصهيونية تدعم و تساند مشروع أرييل شارون الطامح إلى تهجير مليون يهودي إلى إسرائيل. و في هذا الصدد فان خلق شعور بانعدام الأمن في المغرب، الذي ظل عن منأى من الإرهاب، من شأنه خدمة هذا الغرض كثيرا. علاوة على أن الصهيونية تسعى إلى الحفاظ و استدامة الضعف الاقتصادي العربي لصالح إسرائيل، لذلك فان تفجيرات الدار البيضاء من شأنها إجهاض أماني التوقيع على اتفاق التجارة الحرة مع الةلايات المتحدة الأمريكية و ذلك بإظهار المغرب كبلد غير آمن.
كما أعلن أكثر من مصدر أنه هناك تنسيق مع تنظيم القاعدة، و قد تم عبر عناصر مغربية توجد بالخارج من ضمنها عبد العزيز بنعيش و محمد التمسماني اللذين اعتقلا بالديار الاسبانية، و شخص آخر يدعى عبد الكريم المجاطي متزوج بمواطنة أمريكية، و هو كان مكلفا سابقا بتجنيد المغاربة للقتال بأفغانستان.
و أكدت هذه المصادر أن التنسيق بين العناصر التي كانت تقيم بالخارج و تلك المتواجدة بالمغرب كان يتم عبر عناصر محدودة العدد جدا من بينها المدعو "مول السباط" الذي توفى بالمستشفى أثناء مرحلة التحقيق و كذلك ياسين الحنش و عبر الفرنسي روبير أنطوان الملقب بالحاج عبد الرحمان.
و من الأسماء الأجنبية التي وردت في إحدى ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب هناك بيكار بيريك، و هو فرنسي الجنسية دخل إلى المغرب سنة 2002 و اعتنق الإسلام سنة 1999 بفرنسا. اعتقل بمدينة فاس و وجهت له تهمة عدم التبليغ عن مخطط يهدف إلى ارتكاب أعمال ارهابية طبقا للفصل 8-218 من قانون مكافحة الإرهاب. و قد أوضح بيكار في دفاعه عن نفسه أن عدم التبليغ عن الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية راجع إلى جهله بالقانون المغربي، و أنه لم يكن على علم بأي مخطط إرهابي و أن وجوده بالمغرب و تنقله بين فاس و المدن الأخرى كان الهدف منه زيادة معرفته بالإسلام.
و هناك أجنبي آخر و هو البريطاني بيري أنطوني جانسون الذي اعتقل بمدينة فاس في منتصف شهر يونيو 2003 و أدين من طرف محكمة الاستئناف بفاس بأربعة أشهر حبسا نافذا بموجب الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي المتعلق بالتحريض على الفساد و الإخلال بالآداب، في حين برأته المحكمة من تهم الانتماء إلى جماعة غير مرخص لها و التحريض على العنف. علما أن بيير أنطوني هذا، و الملقب بياسين، حوكم ضمن الملف الذي عرف بمحاكمة ارهبيي فاس. و كان آخر دخول ياسين إلى المغرب يوم 28 شتنبر 2002. و حسب ما صرح به لهيئة المحكمة فان السبب الأساسي من قصده المغرب كونه كان متابعا قضائيا و حكم عليه بسنتين سجنا نافذا ببريطانيا بتهمة الاتجار في حواسيب بطريقة غير شرعية، لذلك اضطر إلى الهروب من العقوبة و فكر في الاستقرار بموريطانيا إلا أنه لم يكن يعرف أحدا هناك. و مادامت زوجته بريطانية من أصل مغربي فضل اللجوء إلى المغرب للاستقرار به.
و هكذا استقر في بداية الأمر عند تاجر ثوب بمدينة العرائش بشمال المغرب سبق و أن تعرف عليه ببريطانيا، ثم انتقل إلى فاس للاستقرار بمنزل والد أحد المغاربة الذي تربطه به علاقة بانجلترا قبل رحيله منها.
و بعد مدة تعرف على أخت المدعو الزبير و تزوجها إلا أنه لم يعقد عليها عقد النكاح بطريقة قانونية خشية الاعتقال بحكم متابعته من طرف العدالة البريطانية.
و قد اتضح للمحكمة أن أنطوني رحل إلى الشيشان و سافر إلى أفغانستان و باكستان بغرض الجهاد و هذا ما تضمنه محضر الضابطة القضائية. في حين أن المعني بالأمر أكد أن سفره لتلك الدول كان لغرض إنساني و الإطلاع على حياة المسلمين هناك.
و ردا على سؤال النيابة العامة حول ما إذا كان أنطوني قد تعرض لإكراه أو عنف خلال الحراسة النظرية، رد أنه تعرض لإكراه و لكن ليس كالذي تعرض له المتهمون الآخرون مضيفا أن نفسته كانت منحطة و مهزوزة و أنه كان يسمع صراخا قويا على امتداد مدة احتجازه.
محمد النكاوي : مسار متطرف
محمد النكاوي من مواليد 1958 بضواحي مدينة بركان بمنطقة الريف بشمال المغرب. نما و ترعرع في قرية وسط عائلة بدوية، تابع دراسته إلى حدود القسم الخامس من التعليم الابتدائي، ثم اشتغل مع والده في الزراعة. و في سنة 1981 سافر إلى فرنسا بعد تمكنه من الحصول على جواز السفر و عمل هناك في البناء. و مع تعقب رجال الأمن له هناك انتقل بين عدة مدن فرنسية.
ابتدأ مسار التطرف بفرنسا عندما ذئب النكاوي على الصلاة بمسجد ستالين بباريس. و هناك التقى بعبد العزيز النعماني زعيم حركة المجاهدين بالمغرب و هو أحد المتورطين البارزين في اغتيال المناضل عمر بنجلون. و بواسطته تعرف النكاوي على مجموعة من المغاربة مقتنعين بالإعداد للثورة من أجل تغيير نظام الحكم بالمغرب و تعويضه بنظام الدولة الإسلامية حسب زعمهم. و ظلت علاقة محمد النكاوي بعبد العزيز النعماني مستمرة من أجل استقطاب أشخاص جدد للتنظيم.
و في سنة 1983، و بأمر من عبد العزيز النعماني، عاد محمد النكاوي إلى المغرب قصد استقطاب عدد من المغاربة إلى تنظيم حركة المجاهدين بالمغرب. و هذا ما نجح في إنجازه لاسيما بمنطقة زايو قرب مدينة وزان. كما تكلف بتوزيع مجلة السرايا، لسان حال حركة المجاهدين بالمغرب، خصوصا بمدينة فاس و مكناس و مراكش و أكادير و بركان و وجدة و الدار البيضاء و القنيطرة. و عندما شعر النكاوي بتعقب الشرطة له قرر مغادرة المغرب من جديد و عاد إلى فرنسا.
و قبل هذا الوقت كان النكاوي قد تعرف، بواسطة عبد العزيز النعماني، على عناصر من الجماعة الإسلامية بلبنان، لاسيما سعيد شعبان الذي سبق له أن درس بكلية أصول الدين بمدينة تطوان المغربية سنة 1978، و ذلك لتمكين بعض المغاربة من تلقي تداريب بمعسكر طرابلس بلبنان.
ثم سافر النكاوي من فرنسا إلى لبنان و التحق بمعسكر طرابلس. و كان البرنامج اليومي يبدأ بصلاة الفجر ثم تمارين رياضية. و بعد صلاة الظهر يخضع لحصة التدريب على الأسلحة و ينتهي نهاره بدروس حول الجهاد. و هكذا أصبح محمد النكاوي ملما بالأسلحة و على دراية بتفكيكها و إعادة تركيبها لاسيما سلاح كلاشينكوف.
و بعد مدة توجهت المجموعة التي كان ضمنها محمد النكاوي إلى الشاطئ اللبناني قصد تطبيق ما تلقنوه حول الرماية. و قد استمر التدريب مدة شهرين ثم عاد إلى فرنسا ليعلم بمقتل عبد العزيز النعماني و إسناد قيادة التنظيم إلى البوصغيري.
و في سنة 1989 رجع النكاوي إلى المغرب رغم علمه بأنه مدان غيابيا بالمؤبد من طرف محكمة مراكش. و قد اضطر إلى العودة للمغرب بعد تعرضه بفرنسا لمحاولة اغتيال من قبل مجهولين.
دخل محمد النكاوي المغرب عبر مدينة مليلية باستعمال جواز سفر و بطاقة تعريف مزورين و توجه إلى مدينة سلا حيث استأجر منزلا بحي شعبي لمدة ستة أشهر، ثم انتقل إلى مدينة الخميسات و ظل بها فيما بين 1990 و 1994 و اشتغل في التجارة. و في سنة 1995 انتقل إلى مدينة طنجة و أصبح تاجرا في الهواتف المحمولة، و هناك عمل على ربط الاتصال بأعضاء حركة المجاهدين بالمغرب.
و في سنة 2002 تعرف على روبير أنطوان ريشارد و شرعا معا في دراسة إمكانية التعاون بينهما لتنفيذ أعمال إرهابية، إلا أن اعتقالهما أسقط نواياهما في الماء.
أصحاب البدل السوداء ضمن المتهمين
لقد عرفت بعض ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب اتهام بعض المحامين، و لعل أبرز قضية في هدا الصدد حالتي الأستاذين عين عين و ألف فاء ألف.
فقد اتهم الاستاد عين عين بجناية مساعدة شخص مبحوث عنه في إطار تكوين عصابة إجرامية على الاختفاء و محاولة تهريب مجرم من الاعتقال أو البحث عنه. كما توبع الاستاد عين عين بافشاء سر مهني للمتهم خ-س الدي حوكم بعشر سنوات سجنا نافدا في ملف يوسف فكري و من معه.
أما بالنسبة للاستاد ألف فاء ألف فقد كان ضمن مجموعة توبعت بتهمة تكوين عصابة إجرامية و المشاركة في محاولة القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و السرقات الموصوفة و محاولة الاختطاف و الاحتجاز و المشاركة في التخريب العمدي. و هي مجموعة منتمية لخلية السلفية الجهادية بالناظور بشمال المغرب.
و يمتهن ألف فاء ألف المحاماة مند ثلاثين سنة خلت، و سنه يفوق الستين. و قد كشفت التحقيقات أن الاستاد كان يتوصل بأشياء ثمينة لبيعها و إرسال محصولها المالي إلى جماعة جزائرية مسلحة كان على علاقة بها. كما جاء في محضر الضابطة القضائية أن أشخاص أجانب ينتمون للجماعة الإسلامية قد قاموا بزيارته رفقة صهره. و كان جل هؤلاء يقيمون بالسويد، يقومون بسلب الأموال ممن يسمونهم كفارا هناك و يرسلونها إلى المحامي بالمغرب.
كما أن أحد المتهمين اعترف بأن اللقاءات كان تقام بمنزل المحامي المذكور حيث يتم تدارس أمور الجهاد و مناقشة أمور تطبيق شرع الله بعد القضاء على حكم الطاغوت.
وقد كشفت التحريات على وقائع تشير إلى أن الأشخاص الدين يحضرون منزل المحامي كانوا على علاقة بصهره و من ضمنهم ليبي مقيم بالسويد و أبو القعقاع و هو جزائري مقيم بالسويد كذلك و المغربي المدعو بأبي يقيم بنفس البلد.
و من المعلوم أن اسم المحامي ألف فاء ألف ورد في سلسلة من المساطر المرجعية، كما أن تصريحاته بمحضر الضابطة القضائية جاءت مطابقة و متجانسة مع تصريحات باقي المتهمين و التي أكدها بعضهم أمام قاضي التحقيق جملة و تفصيلا.
و قد صرح الاستاد ألف فاء ألف أنه تعرف على المتهم دمير ( و هو الدي حوكم بالإعدام) عن طريق صهره (شقيق زوجته) حيث كان يأتي معه إلى المنزل، إلا أنه نفى نفيا قاطعا انتماءه أو علاقته بأي تنظيم محظور, علما أن صهره يقطن بالديار السويدية و يعمل بها و هو متزوج بسويدية. كما نفى الاستاد أن صهره كان يرسل أشياء ثمينة لبيعها و بعث محصولها المالي إلى جماعة جزائرية مساحة.
و قد اعتبر الاستاد المحامي أن المتابعة تقتضي وجود وقائع حقيقية، و الوقائع أرضيتها غير متوفرة بتاتا في حالته، لدلك استغرب كل الاستغراب و هو يستمع إلى التهم الخطيرة و الخطيرة جدا المنسوبة إليه.
... انسحبت هيئة المحكمة، و بعد حوالي ثلاث ساعات من المداولة قضت محكمة الاستئناف بالرباط بعدم مؤاخذة المحامي بالتهم المنسوبة إليه و الحكم ببراءته.
شخصية الإرهابي
إن ما حدث بالدار البيضاء يوم الجعة الأسود 16 مايو 2003 يدعو إلى التساؤل حول الإرهاب كظاهرة. كما أن طبيعة و سيمات الانتحاريين الذين قاموا بتفجير أنفسهم وسط أبرياء تدعو هي كذلك إلى التساؤل حول شخصية الإرهابي.
فالإرهاب من الظواهر المعقدة، و هو فعل مكوناته الأساسية هي الرعب كنتيجة أو محصلة للأفعال و ضحايا مقصودين لذو اتهم كوسيلة لإرهاب الآخرين و أهداف محددة توجه إليها الأفعال الإرهابية و استخدام العنف بصوره المختلفة.
و مختلف تعريفات الإرهاب كادت تتفق في وصفها للإرهاب على جملة من العناصر، و هي أن الإرهاب يتضمن دائما و أبدا استخدام العنف أو التهديد به و عنصر المفاجأة و كذلك ضحايا و البحث عن صدى إعلامي و وجود أهداف يراد تحقيقها سواء أعلن عنها أم لم يعلن.
و الإرهاب كذلك شكل من أشكال الحرب النفسية التي تستهدف التأثير على أفراد المجتمع. و من أسبابه حسب علماء النفس رفض المجتمع بطريقة ما من طرف أفراد معينين يدفعهم رفضهم إلى حد العزلة و الشعور بالاغتراب، مما يؤدي إلى تحقير الذات. و هكذا تسهل عملية لجوء هؤلاء إلى جماعات منغلقة على نفسها لتستقطبهم من حيث لا يدرون و تعطيهم "هوية"، أو ما يفهمونه كهوية أيا كانت معالم تلك الهوية.
و حسب البعض عندما تصبح حالة الإحباط الفردي و الجماعي هي الحالة السائدة و التوازن القيمي-الانفعالي مختلا و قنوات التواصل مقطوعة عندئذ يمكن أن يبرز الإرهاب كوسيلة للدفاع عن الذات.
و يرى جل علماء النفس أن الحرمان عموما من شأنه توليد درجات و مستويات مختلفة و متباينة من العنف. و بتوفر شروط مواتية و تدخل عوامل خارجية يمكن أن يتحول هذا العنف إلى إرهاب. و لعل أبرز نوع من الحرمان الذي يمكن أن يشعر به أي إنسان_ متعلما كان أو غير متعلم، مسيسا كان أو غير متسيس- هو الحرمان من متع الحياة (لاسيما الحاجيات الضرورية لضمان العيش الكريم) و التي يعاين استفادة البعض منها دونه.
و يمكن القول أن علماء النفس قد اتفقوا على ظرفين أساسيين يسببان العدوان و هما الإحباط و الهجوم (أو تهديد الحياة أو مفهوم الذات و تقديرات الذات). إلا أن عدة دراسات بينت أن نظرية الإحباط – العدوان ليست نظرية مطلقة، و بالتالي فهي ليست كافية لوحدها لتفسير الخلفية السيكولوجية للإرهاب. و ذلك لسبب بسيط و هو أنه ليس كل عدوان ارهابا مع العلم أن كل إرهاب هو عدوان بامتياز. و هكذا يتضح أن العلاقة بين العدوان و الإرهاب هي علاقة جزء بكل و بالتالي ما يفسر الجزء لا يمكنه بالضرورة أن يفسر الكل.
و إذا وسعنا مفهوم الإحباط ليشمل الحرمان من جملة من الماديات و الحاجيات و الحيلولة دون إشباعها، مادية كانت أو اجتماعية أو جسمية أو نفسية أو كذلك روحية، يمكن أن يكون هذا الإحباط و بهذا الفهم العام و الشامل يكون فقط مساعدا لتفسير بعض أشكال الإرهاب.
و هذا الإحباط قد يتحول إلى عدوان ضد الآخر و قد يأخذ شكل إرهاب، كما يأخذ في حالته القصوى الشكل الانتحاري.
و قد ركز بعض علماء النفس، في عملية تحليل الإرهاب، على دور مفهوم التوازن القيمي-الانفعالي في العدوان البشري. و حسب وجهة النظر هذه، هناك ارتباط وثيق بين المنظومة القيمية و المنظومة الانفعالية عند الإنسان. فالقيم مرتبة حسب الأهمية و تنوع الطاقة الانفعالية عند الإنسان. إذ أن أهم قيمة يقابلها أكبر مقدار من الطاقة الانفعالية و العكس صحيح. و يشكل رد الفعل هذا محورا من محاور العدوان البشري.
و يمكن إضافة عامل آخر، و هو عامل فقدان التواصل بين الجماعة التي تتبنى الإرهاب و الجهة أو الطرف الذي يوجه نحوه الفعل الإرهابي. و في هذا الصدد هناك من يعتقد أن الإرهاب يظهر عندما تنقطع خيوط التواصل و التفاهم.
فعندما تكون هناك حالة إحباط فردي أو جماعي حالة سائدة (على الأقل ضمن المجموعة) و التوازن القيمي-الانفعالي مختلا و قنوات التواصل مقطوعة عندئذ تتجمع الشروط الكافية لبروز الإرهاب. و الحل بالنسبة لأصحاب هذه النظرية هو العمل على إيقاف الإحباط و إعادة التوازن إلى المنظومة القيمية-الانفعالية. لذا يقال أن الإرهاب يتميز بطبيعة دائرية مفرغة، و بهذا المعنى يقال بأن العنف لا يولد سوى العنف.
لقد صنف أحد العلماء شخصية الإرهابي إلى ثلاث أصناف و هي صليبي و مجرم و مجنون. إلا أن هذا التصنيف يبدو مبسطا جدا. في حين يرى بعض العلماء لا وجود لخصائص شخصية معيارية للإرهابي و إنما هناك أنماط معينة من الشخصيات و هناك خصائص للنمط الأكثر تطرفا و انجذابا نحو سلوك الإرهاب أكثر من الأشكال الأخرى من العنف.
و مهما يكن من أمر فقد اتفق علماء النفس على أن هناك خللا في المكون الانفعالي لشخصية الإرهابي. بحيث يحول هذا الخلل دون الشعور بالذنب عند ارتكاب العمل الإرهابي و الذي غالبا ما يكون ضحاياه أناس أبرياء. و هذا لا يعني أن الإرهابي شخص مجنون أو مختل عقليا بالتعبير العام أو أنه مريض نفسانيا بالتعبير السيكولوجي لأن المجنون أو المختل عقليا مستبعد كليا و قطعا من دائرة الإرهاب لأنه لا أهداف له من وراء ذلك العمل و لا يستطيع السيطرة على أفعاله.
و عموما فان الإرهابي شخص منكفئ على ذاته متمحور حولها لا يقيم أدنى اعتبار لمشاعر الآخرين. و غالبا ما يميل إلى إسقاط نواقصه على الغير.
إلا أنه وجب التنبيه إلى أن خصائص الإرهابي تظل دائما مرتبطة بالخلفية التاريخية و الاجتماعية و الفكرية و بالتالي لا يمكن تعميمها على الأشكال و على جميع من ينعتون بالإرهابيين. و هكذا فخصائص الإرهابي الديني قد تختلف عن خصائص الإرهابي السياسي و ذلك اعتبارا لفعل الفوارق الحضارية و التاريخية و الفكرية. إلا أنه هناك جملة من الخصائص قد تكون مشتركة بين مختلف الإرهابيين. و لعل من أبرز تلك الخصائص العمر. فأغلب الإرهابيين يتراوح سنهم بين 20 و 35 سنة. و نقطة العمر هذه تثير الاهتمام و هي المرحلة العمرية التي تعد بداية الرشد و النضج العقلي و الانفعالي و الاجتماعي. و هناك خاصية أخرى قد تكون مشتركة و هي المتعلقة بالجانب الاجتماعي. فمن الملاحظ أن علاقة الإرهابي بأعضاء مجموعته تكون قوية جدا مما يوحي بأنها تعويض عن فقدان شبكة العلاقات الاجتماعية المفقودة، و التي يحتاج إليها المرء في أي مجتمع.
و بذلك فان حل قضية الإرهاب يجب أن يكون شاملا لكافة مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية و التربوية و الاجتماعية و الدينية أي العمل على سد كافة المنافذ التي من شأنها أن تؤدي إلى بروز الإرهابي وبكلمة فان التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية و ليس الاقتصار على الجانب الأمني و القمعي و الردعي.
و لعل تتبع حالة أغلب الانتحاديين المغاربة يؤكد بما فيه الكفاية و زيادة جملة الأفكار الواردة أعلاه.
فبالنسبة لحالة محمد العمري، الناجي من انفجارات فندق فرح، فان جميع معارفه يجمعون على أنه كان منعزلا. كما أنه لم تكن تربطه أية علاقة بساكنة الحي، و علاوة على ندرة ظهوره. فانه لم يسجل عليه أنه وقف مع أحد بالشارع أو تبادل أطراف الحديث مع الجيران. في حين أنه كان بين الفينة و الأخرى يستقبل بعض الملتحين المترددين على منزله، و كانوا يدخلون فرادى و يخرجون فرادى. لقد كان يمشي و عيناه في الأرض و قليلا ما كان يرفع رأسه.
أما رشيد خليل، فكان كتوما جدا لا يكاد صوته يسمع إلا لماما. ملامح وجهه لا تكشفان عن أية مشاعر و كأنه آلة ميكانيكية لتنفيذ الأوامر.
بصمات الإرهاب في مقتل اليهود المغاربة
احد المغتالين : يهودي مغربي يعيش بالدار البيضاء
الوقت : الساعة الواحدة و النصف زوالا من يوم الخميس 11 شتنبر 2003-
المكان : حي شعبي بالعاصمة الاقتصادية
أداة الجريمة : مسدسان
منفذو الجريمة : شخصان مقنعان
طريقة القتل : الرمي بالرصاص عن قرب و بدون تردد
كان ربيبو، اليهودي المغربي المغتال من مواليد الدار البيضاء سنة 1944 (55 سنة)، أب لطفلتين يزاول مهنة تجارة الخشب في حي شعبي منذ أزيد من 30 سنة.
و قد أثار اغتياله تساؤلات كثيرة، لاسيما تلك المرتبطة بإصرار الإرهابيين على تنفيذ عمليات إجرامية بالغرب.
كان ربيبو يستعد لإغلاق محله في منتصف النهار عندما تقدم شخصان شابان، واحد نحيف الجسم و الآخر أضخم منه، فأخرج الأول مسدسا و أطلق 3 عيارات أصابت ظهر ربيبو قبل سقوطه، ثم أعاد النحيف الكرة فأطلق طلقتين إضافيتين أصابتا بطن الضحية و هي ملقاة على الأرض. و قبل فرار المجرمين، استدار النحيف فسمع ربيبو يترنح في دمائه على الأرض فعاد إليه و أطلق عليه عيارا آخر أصاب وجهه فهمدت الجثة و لم تتحرك.
تم إطلاق 7 رصاصات على ربيبو، و كانت الأخيرة هي القاضية إذ أصابته برأسه، لاسيما و أن الجاني أطلقها عليه عن قرب.
و بعد اقتراف جريمتهما النكراء لاذ الجانيان بالفرار فلحق بهما بعض الشبان و أوشكوا على المسك بهما. إلا أنهما أشهرا سلاحيهما من جديد و أطلقا عيارات في السماء لتخويف ملاحقيهم. وبذلك تمكنا مكن الوصول إلى الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء و الرباط حيث اعترضا سيارة على متنها رجل و امرأة و هدداهما بإطلاق النار عليهما إذا لم يتركا السيارة. فركباها و لاذا بالفرار بسرعة جنونية.
و قد كشف البحث الطبي أن الضحية أصيبت أكثر من إصابة و كانت إصابة الرأس هي القاضية. و قد حاول شرطي، كان بعين المكان في الطريق السيار إطلاق النار على المجرمين الفارين إلا أنه لم يصبهما. و قد ذكرت مصادر مطلعة أن سبب عدم إصابتهما بأية طلقة من رصاصات الشرطي الذي تعقبهما يعود إلى عدم فعالية الرصاص الذي مر عليه زمن طويل دون استخدامه.
و منذ الوهلة الأولى لم تخف عدة مصادر و جهات إمكانية تورط أصوليين متطرفين في هذه العملية، لاسيما و أن عدة متهمين في ملف تفجيرات 16 مايو بالدار البيضاء كانوا يخططون لمهاجمة مواطنين يهود و لضرب المصالح اليهودية بالمغرب، كما أن هناك عناصر من السلفية الجهادية و الجماعات الأخرى لازالت في حالة فرار أو لم يتم التعرف عليها و كشفها بعد.
و قد تزامنت هذه الجريمة مع الذكرى الثانية لأحداث 11 شتنبر التي استهدفت الولايات المتحدة في عقر دارها. و كشفت مصادر مطلعة أن البحث و التقصي أفادا أن العيارات التي أصابت ربيبو هي نفسها التي استعملت في محاولة اغتيال اليهودي المغربي أزنكورت سنة 1997 و التي لم تتمكن التحقيقات من كشف منفذيها. و العيار المذكور هو من صنف 9 ملم، حيث كان شخصان على مثن دراجة نارية أطلقا النار على أزنكورت و هو تاجر بالدار البيضاء و لاذا بالفرار و لم يتمكنا من إصابته.
كما أفادت مصادر أخرى أنه تم التعرف على منفذي اغتيال ربيبو، و هما مغربيان على صلة بالأوساط المتطرفة المغربية.
و في الأخير تم اعتقال مجموعة من المشتبه فيهم و من ضمنهم شرطي سابق اعترف لدى الشرطة بالتهييء لاغتيال رجال الأمن و شخصيات وازنة في المجتمع. و قد حاول هذا الشرطي استغلال عمله السابق للتخطيط للسطو على شاحنة تنقل الأسلحة. و قد غادر وظيفته عندما اعتبرها كفرا و المال الذي تقضاه منها مال حرام.
و كان المتهمون في هذه النازلة يحضرون دروس زكرياء الميلودي – أمير جماعة الصراط المستقيم- و حسب محاضر الضابطة القضائية اعترف الشرطي أنه حاول استغلال عمله للتخطيط لاعتراض شاحنة تنقل الأسلحة النارية و الذخيرة الخاصة برجال الأمن إلى حقل الرماية بضواحي الدار البيضاء، لاسيما و أنها تكون غير محروسة و يقودها شخص واحد. و بعد مغادرة سلك الشرطة امتهن المعني بالأمر مهنة بائع متجول. كما جاء في المحاضر أنه ساهم في التخطيط لمهاجمة سيارات نقل الأموال للسطو عليها و على المؤسسات المالية للحصول على الأموال اللازمة لاقتناء الأسلحة قصد استعمالها في عمليات جهادية ضد مصالح يهودية بالمغرب.
كما أكدت محاضر متهمين آخرين أنهم تلقوا تداريب رياضية ميدانية للإعداد البدني. و قد سبق لهذه المجموعة أن خططت للسطو على منزل المواطن اليهودي جابيس صاحب مطبعة كان يعمل بها أحد عناصرها إلا أن هذه العملية لم تنفذ.
و يتابع المتهمون في هذه النازلة بتكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال اجرامية خطيرة.
و مهما يكن من أمر فان حادثة اغتيال المواطن اليهودي في واضحة النهار و على مرأى العيان يذكر مرة أخرى باستمرار حضور غول الإرهاب بالمغرب الذي يستهدف تخويف المغاربة و رعبهم. و يبدو أن الإرهابيين يودون افتعال وضعية تضطر معها الدولة لتضييق الخناق نوعا ما على الحريات العامة، و هذه استراتيجية أضحت معروفة لدى منظري الموت في العالم، و هي المعروفة عموما باستراتيجية تعميق التناقضات.
و في واقع الأمر إن رصاصات الإرهابيين الغادرة لم تصب مواطنا يهوديا مغربيا فحسب، و إنما استهدفت بالأساس تقويض أساس روح التسامح و التعايش و روح المواطنة بالمغرب.