الملتقى الأول للقصة القصيرة جداً
أقيم في منتدى الرواد الكبار، يوم أمس الملتقى الأول "للأقصوصة" أو "القصة القصيرة جدا" وذلك في بتحضير من الروائي القاص صبحي فحماوي، وإدارة الشاعر عبد الله رضوان، ورئاسة السيدة هيفاء البشير، وبمشاركة نخبة من المبدعين والنقاد، إذ ألقت رئيسة المنتدى أ. هيفاء البشير، كلمة ترحيبية بالمشاركين، تلتها كلمة اللجنة الثقافية، التي قدمها صبحي فحماوي، ومما قاله فيها: يشاركنا في هذا الملتقى العربي الأول للقصة القصيرة جداً، نخبة من القاصات والقاصين العرب، المبدعين بكتابة الأقصوصة، كما فضلت تسميتها، وذلك لترسيخها والاعتراف بها، بصفتها نوعاً أصيلاً من أنواع الفن الأدبي العربي، ولنكون كما سبق، بيتاً واحداً للوراقين ورجالات الأدب والفنون الأوائل، الذين نثروا بذور لقاح الأقصوصة والرواية على مختلف بقاع العالم، وذلك من قبل أن تظهر لنا رواية (سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله) لمؤلفها (ابن خلكان) والتي ظهرت عام 1430، وفيها كان أمير المؤمنين يقول لمتظلميه: (هات من الآخر.) وذلك ما تقوم عليه الأقصوصة، من تركيز وتكثيف وكأننا نقول للقاص: "هات من الآخر."
وكانت الجلسة الأولى برئاسة د. جمال مقابلة، تلتها أوراق د. محمد عبيد الله / د. نضال الشمالي / أ.عبدالله رضوان، بعنوان(تأسيس ورؤية نقدية.)
وكانت الجلسة الثانية : برئاسة القاص الروائي صبحي فحماوي الذي قدم ورقة مدخل لهذا الجنس الأدبي..ثم ابتدأت قراءات لقاصين عرب، تمت قراءة كثير منها بالنيابة عمن لم يحضروا، ابتدأت بالقاصة انتصار السري من اليمن، وكانت إحدى قصصها بعنوان:
1ـ حــنان
بـحنــان ضــمــتها إلى صدرهــا، أخــذت المشط لتســرح شــعرهــا المــتموج، تساقطت خــصلات شعــرهـا والتصقت بأســنان المـــشــط، أمــســكتها من ذراعــها، فانــخــلع في يــديـها، الــجــزع يــغـــشى عــينـيها, أنــاملها تــغــوص في ثــنايا جــسد طفــلــتها الرضـــيعة، أشــتد ذعـــرها، صــرخـــت ابــنــتي ..ابــنــتي، أفــاقــت من نــوبــتها الهســتـيرية، لتـــلـــمــلم أوصــال لـــعــبتــها الــمـــتشـــظـــيــة...
ثم القاصة جمال طنوس من سوريا، كان من قصصها:
مِسلة
هل عليك أن تخيط بتلك المِسلة وتعاود التكرار
اشتكى الخيش :ألا من رباط؟ الأسماك عندما تصاد يكون موعد شيّها قد اقترب
في زخم رائحة الشواء انصرفتُ إلى جمع الحطب
نظفتُ مقلاتي باللهب, وبرشة ملح كويتُ ما قبل الاقتراب.
ومن مصر القاص سمير الفيل- وكانت إحدى قصصه بعنوان:
جنوح:خرجتْ في المساء، مستترة بالظلام، لا تريد أن يكشف أحد عريها. القمر وحده كشفها، ومضى معربدا وراء السحب الرمادية المتكتمة . يقهقه فيما الصمت يحيط بالمدينة .
تلاه القاص علي إدريس من السودان وكانت إحدى قصصه بعنوان: إدعاء: تقاتلوا، صاح فيهم الوطن:ارجوكم.. كفوا عن الموت من أجلي. قالوا بصوت واحد: من أنت؟!....خفاء..اجتمعوا لرجمها، توسطتهم طفلة ذات ثياب بالية، ويدها بلا حجر.
ثم القاص محمد عطية من الإسكندرية، وكانت إحدى قصصه بعنوان: تكريم
أحاطوه بباقات الورود.. تتصدرها برقيات التهاني.. تحفها القبلات الهوائية.
طوقت أذرعهم، بروائح برفاناتهم الزاعقة، كتفيه العريضين المتشامخين.
انبثقت نظرات الود والابتسام الملفوفة في ورق (سوليفان) أمام عدسات الكاميرات الـ (ديجيتال)، وفلاشات الهواتف المحمولة...حينما تفرقوا عنه ممتنين، استدار لينفض عن كتفي سترته ـ باريسية الصنع ـ آثار أيديهم، فالتفت بعضهم.. تكشف عيونهم عن نظرات مستاءة يغلفها حياء واهن.
وأما القاص محمود شقير من فلسطين، فكانت إحدى قصصه بعنوان: حافلة
الحافلة تسير. تقطع السهول الفسيحة الغارقة في الظلمة.
تجتاز أراضي الهنود الحمر الذين لم يعد لهم أثر، بعد أن أبادهم المهاجرون الجدد.
أنظر إلى ركاب الحافلة، أتفحصهم في الضوء الشحيح المنبعث من سقف الحافلة، أتفحصهم كما لو أنني مسؤول الرحلة؛ بعضهم غارقون في النوم، وبعضهم يتناولون طعاماً خفيفاً أو فاكهة، والبنت التي في المقعد المجاور لي، تثرثر مع امرأة بدينة في المقعد الذي يلي مقعدها، تثرثر ثم تمعن في الضحك، وأنا أتأمل الركاب كما لو أننا أفراد عائلة واحدة تمضي في الظلمة الممتدة إلى غايات مختلفة.
البنت تكف عن الثرثرة مع المرأة البدينة ثم تنام. يميل رأسها نحو كتفي، يستقر هناك دون استئذان، ينتشر شعرها على صدري وقريباً من وجهي، لكنني أحاذر من ملامسته، رغم رغبتي الخفية في ذلك، لأننا لسنا أفراد عائلة واحدة، ولأنني هندي أحمر على أية حال.
وكان آخر القاصين العرب حسب الحروف الأبجدية هو مصطفى لغتيري من المغرب. وكانت إحدى قصصه بعنوان: عدالة—ارتفعت قوقأة الدجاجة في الأجواء..سمعتها المرأة العجوز، فقالت في نفسها” لقد باضت الدجاجة” وقامت متهالكة، تجر خطواتها بحثا عن البيضة .في نفس الوقت، سمع صبي – اعتاد سرقة البيض –صوت الدجاجة،فقال في نفسه ” فلأدرك البيضة،قبل أن تقع في يد العجوز” بسرعة تسلل نحو الزريبة.. سطا على البيضة،وانسحب.
حين وصلت المرأة العجوز، بحثت في كل مكان، فلم تجد البيضة.. حينذاك قالت في نفسها ” لم تعد هذه الدجاجة نافعة في شيء، يجب ذبحها”.
وترأس الجلسة الثالثة بعنوان قراءة ونقد، الشاعر عبدالله رضوان.حيث قرأ من القاصين الأردنيين، كل من؛ إسلام علقم - انكسار :تجلس خلف باب خشبي على الأرض . تضع غطاءً، يكشف عن بعض الثلج في شعرها. تلاقت عيونهما للحظة . ذبول . ترقرق شفاه، وكفان تبحثان عن الغطاء في لحظة ارتباك، أخفت نصف وجهها بالباب، والنصف الآخر يراقبها . أحست بمرارتها .. ولعنت الحر.
ومن الأردن قرأ عدد من القاصين ومنهم: أنعام القرشي، التي قرأت عدة قصص كانت إحداها بعنوان: تصوير-" ضغطت على زر الكاميرة لمنظر ابهرني، فخرجت زهرة من العدسة." تلاها القاص عمار الجنيدي، ثم القاصة د. مريم جبر، وقرأ القاص جمعة شنب عدة قصص نسجل منها قصة-حكايا الجدّة: فوقَ السّطحِ الإسمنتيِّ الساخنِ، رشّت أمُّ العبد ماءً، وفردتْ حصيرةً، فتجمّعَ حولَها سبعةَ عشرَ حفيدًا وحفيدةً، وراحت تحكي لهم حكايا عن جدّهم الشهيد
وأما القاصة سامية عطعوط فقرأت عدة قصص، كانت إحداها بعنوان: شاعر-
– خلعتْ ملابسها،واستحمّتْ بالمياه الدافئة..شهق البحرُ، وأنجب خمس قصائد..
تلاها سمير الشريف فقرأ عدة قصص، كانت إحداها بعنوان: ..ارتباط..
زحف فنجان القهوة مقتربا من الدلة التي تعبق برائحة الهيل ..
– : لا تبتعدي عزيزتي .. إحساس جارف بالفراغ يحتويني بعيدا عنك..
ثم قدم القاص طارق بنات عدة قصص، كانت إحداها بعنوان: تلصّص
من مكانه، فوق سريرها ... رآها تبايع الرجل المدجج بالسلاح
الكهرباء التي انقطعت فوّتت على المصباح الفُرجة.
وأما القاص - عيسى الغانم فقرأ عدة قصص كانت إحداها بعنوان: تدخل
قلبي في مصلب منظار القناص،اصبعه في حلقة زناد بندقيته،لحظات وسيتمزق قلبي شظايا،وسينزف شعرا حتى الموت،شيء ما حدث،تلقى أمرا مستعجلا _الزعيم في خطر وقلبه توقف عن العمل _يبتقل مصلب المنظار إلى قدمي،أنقل بعناية فائقة إلى المشفى، يشق صدري،ينزع قلبي،فيهتف بين يدي الجراح : لا يهمني أن أعيش إلى الأبد ...بل فرحتي أنه أصبح للزعيم قلب شاعر.
وقرأ القاص - نصرالله عويمرات عدة قصص كانت إحداها بعنوان:
أحلام: أقسم لها أنه رآها في حلمه.ابتسمت بخجل..ولكنها حينما رأتأكواب الماء فارغة قرب رأسه..لعنته..
وقرأت القاصة نضال أبو شقير عدة قصص كانت إحداها بعنوان ذاك الياقوت
..فتحت باب ثلاجتي وجدت فيها مأمور الضرائب، يقول : سآخذ ما تبقى فيها لأسد عجز ثلاجة الدولة...استيقظت من نومي وأنا مفزوعة......ركضت إلى الثلاجة لأطمئن عليها، وجدتها فارغة كالعادة، قلت في نفسي: ماذا لو فرضت ضرائب على ثلاجات المسؤولين، ترى هل سيبقى عجز في شئ ....تلفت حولي،ضعفت أهدابي لكني أبيت النوم كي لا تصادر أحلامي.
وقرأت نوره العيساوي عدة قصص، كانت إحداها بعنوان التحام :
تسامرت مع البحر، وشوشها على مراحل هبوب الموج، تارة أنساً وغزلاً ورومنسية، والأخرى تغوص في غموض واسرار يمه العميق، غابت في زرقته تقتنص الفرص ...
وكانت الجلسة الثالثة بإدارة الشاعر عبد الله رضوان، حيث كانت تتم مناقشات ونقد سريع ومباشر لكل أقصوصة بعد قراءتها مباشرة.. شارك في هذه النقديات، كل من الأساتذة، الدكتور يوسف بكار، د. جمال مقابلة، د. نضال الشمالي، د. محمد عبيد الله، د. علي المومني، م. محمود الرجبي، وعدد من القاصين أنفسهم على شكل مداخلات مختصرة ومفيدة..