الخميس ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
بقلم سماح خليفة

المُشْتَرَكُ اللفْظِيُّ بَيْنَ القُدَماءِ والمُحْدَثينَ

يُعَدُّ المُشْتَرَكُ اللفظِيُّ مِنْ أهَمِّ الظّواهِرَ الدّلالِيّةِ التي ناقَشَها اللُغَوِيّونَ العَرَبُ القُدامى والمُحْدَثونَ مُناقَشاتٍ عَديدَةِ المَنْهَجِ وَالمُحْتَوى؛ لأنّ المُشتَرَكَ اللفظِيَّ يمثّلُ مَظهَرًا رئيسًا لقَضِيّةِ المَعنى، التي اعْتَنى بِها المُفَسِّرونَ والنّحاةُ وَالبَلاغِيّونَ فِي التُراثِ العَرَبِيِّ. والاشْتِراكُ ظاهِرَةٌ عامّةٌ فِي اللغاتِ الطّبيعِيّةِ، وَهُوَ أساسٌ ضَرورَيٌّ لا مَناصَ مِنَ الاشْتِغالِ فِيهِ، وَيُعَدّ- أيضًا- مَجالًا مُهِمًّا لَدى اهْتِماماتِ اللُغَوِيّينَ قَديمًا وَحَديثًا، وَيَكمُنُ السِرُّ وَراءَ هذا الاهْتِمامِ أسبابًا عَديدَةً، مِنْها: بَيانُ سُبُلِ التّوَسُّعِ فِي المَعاني وَدَلالاتِها، وَالوُقوفُ عَلى أسْرارِ بَلاغَةِ المُفرَدَةِ وَدَلائِلِ إعْجازِها، التي كانَتْ تُعْزى إلى النّظمِ مَرّةً، والسِّياقِ مَرّةً ثانِيَةً، وَبَيانُ العَلاقاتِ الرّابِطَةِ بَينَ المَعاني وَالألفاظِ.

وَالمُشْتَرَكُ لُغَةً: هُوَ مِنَ الفِعْلِ المَزيدِ (اشْتَرَكَ) وَمُضارِعُهُ: يَشْتَرِكُ، وَالمَصْدَرُ أوِ الحَدَثُ مِنْهُ: مُشارَكَةً، وَالمَعْنى المُعْجَمِيُّ العامُّ يَدُلُّ عَلى أنّهُما اشْتَرَكا فِي شَيْءٍ واحِدٍ... إلخ.
والمُشْتَرَكُ اللفْظِيُّ اصْطِلاحًا هُوَ: اللَّفظُ الواحِدُ الذي يَدُلُّ عَلى أكْثَرَ مِنْ مَعْنى، كالعَيْنِ، فإنّها تُطلَقُ عَلى عَيْنِ الماءِ، وَالعَيْنِ المُبْصِرَةِ، وَتُطْلَقُ مَجازًا عَلى الجاسوسِ...إلخ. وَتَجْدُرُ المُلاحَظَةُ في هذا السِّياقِ، أنّ عُلَماءَ اللغَةِ والأصوليّونَ - ولا سيما فِقْهُ اللغَةِ- كانوا قَدْ ذَكَرُوا تَعْريفاتٍ عِدّةً لِلْمُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ فِي مُصَنّفاتِهِم، وَفي كُتُبِ فِقْهِ اللغَةِ الكَثيرَةِ، فقَدْ عَرّفَهُ ابْنُ فارِسِ، بِقَولِهِ: تُسَمّى الأشْياءُ الكَثيرَةُ بالاسْمِ الواحِدِ، نَحْوَ عَيْنِ الماءِ، وَعَيْنِ المالِ، وَعَيْنِ السّحابِ، وَكانَ قَدْ عَرّفَهُ سيبَوَيْهُ فِي قَوْلِهِ: اعْلَمْ أنَّ مِنْ كَلامِهِم اتِّفاقُ اللفظَيْنِ واخْتِلافُ المَعْنَيَيْنِ.

وَيُلْحَظُ مِمّا ذُكِرَ آنِفًا، أنّهُم اتّفَقُوا عَلى مَفْهومِهِ وَلَوْ أنّهُمْ عَبّرُوا عَنْ ذلِكَ بِألفاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأمْثِلَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِمّا يَعْني أنّهُمْ فَهِمُوا المُشْتَرَكَ اللفْظِيَّ فَهْمًا وَظيفِيًّا دَلالِيًّا، وَهُوَ الأمْرُ عَيْنُهُ عِنْدَ المُحْدَثينَ، فَقَدْ عَرَّفَهُ أَحَدُهُمْ أنّهُ: ما اتّحَدَتْ صُورَتُهُ واخْتَلَفَ مَعْناهُ،

وَيُذكَرُ أنَّ َالمُشْتَرَكَ اللفظِيَّ ظاهِرَةٌ لُغَوِيّةٌ جُذورُها ضارِبَةٌ فِي غَوْرِ اللغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَقَدْ ألّفَ فيهِ اللغَوِيّونَ، وَتَحاوَروا مَعَ الأُصولييّنَ فيهِ، وَاتّفَقُوا ثُمّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ تَفاصيلِهِ، إلّا أنَّ هذا الاخْتِلافَ لا يُمْكِنُهُ إنْكارَ وُجودِ المُشْتَرَكِ اللفظِيِّ البَتّة.

وَنَظَرًا لِلعِنايَةِ التي حَظِيَتْ بِها مَسْأَلَةُ دَلالَةِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ، لَدى الأُصولِيّينَ واللغَوِيّينَ عَلى السّواءِ، فَقَدْ ظَهَرَتْ فِي اللغَةِ العَرَبِيَّةِ كُتُبٌ تُدَرِّسُها مُنْذُ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ. وَتَوَزَّعَتْ مُخْتَلَفُ هذِهِ الدّراساتِ بَيْنَ جَميعِ مَصادِرِ اللغَةِ العَرَبِيَّةِ، فاتّجَهَ بَعضُهُم إلى دِراسَتِها فِي القُرآنِ الكَريمِ، كَكِتابِ المُبَرّدِ (ما اتّفَقَ لَفْظُهُ واخْتَلَفَ مَعْناهُ مِنَ القُرآنِ المَجيدِ) الذي رَكّزَ فيهِ عَلى المُشْتَرَكِ فِي القُرْآنِ الكَريمِ، وَمِمّنْ كَتَبوا فِي هذا النّوْعِ كَذلِكَ مِنَ المُتَأخِّرينَ، أبو الحُسَيْنِ بنُ عَبدِ الصّمَد، وَابْنُ الجَوْزِيِّ.

وَمِمّنْ تَناوَلوا المُشْتَرَكَ اللفظيّ مِنَ العُلَماءِ العَرَبِ المُسْلِمينَ، فِي وَقْتٍ مُتأَخِّرٍ، جَلالُ الدّينِ السُّيوطِيّ، وَمِنْ كُتُبِهِ (مُعْتَرَكُ الأقرانِ فِي إعْجازِ القُرْآنِ) وَغالِبًا ما يَسْتَعْمِلُ السّيوطِيُّ عِنْدَ حَديثِهِ عَنِ المُشْتَرَكِ، لَفْظَ الوُجوهِ وَالنّظائِرِ، فَالوُجوهُ عِنْدَهُ هُوَ ما يَعْنيهِ اللغَوِيّونَ بِالمُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ.

آراءُ العُلَماءِ القُدَماءِ والمُحْدَثينَ فِي المُشْتَرَكِ اللفظِيِّ:

أوّلًا: آراءُ القُدَماءِ:

اخْتَلَفَتْ نَظْرَةُ العُلَماءِ المُتَقَدّمينَ فِي وُقوعِ المُشْتَرَكِ اللفظِيِّ فِي اللغَةِ العَرَبِيّةِ، فَمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى أنّهُ واجِبُ الوُقوعِ وَعِلّتُهُمْ أنّ المَعانِيَ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، والألفاظُ مُتَناهِيَةٌ، فَإذا وُزِّعَ لَزِمَ الاشْتِراكُ. وَذَهَبَ الأكثَرونَ إلى أنّهُ مُمكِنُ الوُقوعِ، وَمِنْ هؤلاءِ: الخَليلُ والأصمَعِيّ وسيبَوَيهُ وأبو فارسٍ وَالمُبَرّدُ، وابْنُ جِنّي... إلخ؛ لِجَوازِ أنْ يَقَعَ، إمّا مِنْ واضِعَيْنِ، بِأنْ يـَضَعَ أحَـدُهُما لَفْظًـا لِمَعْنًى، ثُمَّ يَضَعُهُ الآخَرُ لِمَعنًى آخَرُ، وَيَشْتَهِرُ ذلِكَ اللفْظُ بَيْنَ الطّائِفَتَيْنِ فِي إفـادَةِ المَعْنَيَيْنِ، وَهذا عَلى أنَّ اللغاتِ غَيْرَ تَوقيفِيّةٍ، وإمّا مِنْ واضِـعٍ واحِـدٍ لِغـَرَضِ الإبْهامِ عَلى السّامِعِ حَيْثُ يَكونُ التَّصريحُ سَبَبًا لِلمَفْسَدَةِ، كَما رُوِيَ عَنْ أبي بَكـْرٍ الصِّدّيقِ، وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ النَّبِيِّ أثناءَ الهِجْرَةِ مِنْ مَكّةَ إلى المَدينَةِ، مَنْ هذا؟ قالَ: هذا رَجُلٌ يَهديني السّبيلَ.

يَقولُ سيبَوَيْهُ: "وَمِنْ كَلامِهِمُ اتّفاقُ اللفْظَيْنِ وَالمَعْنى مُخْتَلِفٌ، نَحْـوَ قَوْلـِكَ: وَجَدْتُ عَلَيْهِ مِنَ المَوْجَدَةِ، وَوَجَدْتُ إذا أرَدْتَ وِجْدان الضّالَةِ وَأشْباهَ هذا كَثيرٌ.

وَيَقولُ المُبرَّدُ: "وَأمّا اتّفاقُ اللفْظَيْنِ واخْتِلافُ المَعْنَيَيْنِ، فَنَحْوَ: وَجَدْتُ شَـيْئًا إذا أرَدْتَ وِجدانَ الضّالَّةِ، وَوَجَدْتُ زَيْدًا كَريمًا: عَلِمتُ.

وَالجَديرُ بَيانُهُ، أنَّ مِنَ العُلَماءِ مَنْ ضَيّقَ في مَفْهومِ المُشْتَرَكِ تَضييقًا شَديدًا، مِثْلَ أبي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ، وابْنِ دِرِسْتَوَيْهَ؛ فَقَدْ قَصّرَ الفارِسِيُّ مَجيءَ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ عَلى اخْتِلافِ اللغاتِ والاستِعارَةِ، وَأمّا ابْنُ دِرِسْتَوَيْهَ فَقَدْ أخْرَجَ الكَثيرَ مِنَ الكَلِماتِ مِنَ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ، فَقَدْ قالَ بِخُصوصِ لَفْظَةِ (وَجَدَ) هذِهِ اللفْظَةُ مِنْ أقْوى حُجَجِ مِنْ يَزعُمُ أنّ مِنْ كَلامِ العَرَبِ ما يَتّفِقُ لَفظُهُ وَيَختَلِفُ مَعناهُ؛ لِأَّنَّ سِيبَوَيْهَ ذَكَرَهُ فِي أوّلِ كِتابِهِ، وَجَعَلَهُ مِنَ الأُصولِ المُتَقَدّمَةِ، فَظَنَّ مَنْ لَمْ يَتَأمَّلِ المَعاني، وَلَمْ يَتَحَقّقْ أنّ هذا اللفظَ واحِدٌ، قَدْ جاءَ لِمَعانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإنّما هذِهِ المَعاني كُلَّها شَيءٌ واحِدٌ وَهُوَ إصابَةُ الشّيءِ خَيرًا كانَ أو شَرًّا، وَلكِنْ فَرّقوا بَيْنَ المَصادِرِ؛ لِأنّ المَفعولاتِ كانَتْ مُخْتَلِفَةً، فَجَعَلَ الفرقَ في المَصادِرِ بِأنّها مَفعولَةٌ.

وَمِنَ المُلاحَظِ أنّ ابْنَ دِرِسْتَوَيْهَ قَدْ أخْرَجَ مِنْ بابِ المُشْتَرَكِ، اللفْظَ المُتَعَدِّدِ المَعاني، مادامَتْ هذه المَعاني راجِعَةٌ إلى مَعنى تَتَفَرّعُ عَنهُ، وَعَدَّ إدْخالَ هذا اللفْظِ فيهِ إلباسٌ في الكَلامِ، وَهذا لَيسَ مِنْ بابِ الصّوابِ، فالأصلُ فِي اللغَةِ الإبانَةُ والإيضاحُ.

وَالحَقُّ أنّ كُلًا مِنهُم قَدْ تَنَكّبَ جادّةَ الحَقِّ فيما ذَهَبَ إليْهِ، سواءٌ مَنْ أوجَبَ وُقوعَهُ بِكَثْرَةٍ، أَو مَنْ أنكَرَهُ إنكارًا تامًّا، وَذَهَبَ إلى تأويلِ أمثِلَتِهِ، كَابْنِ دِرِسْتَوَيْهَ والفارِسِيِّ، فَمِنَ التّعَسُّفِ مُحاوَلَةُ إنكارِ المُشتَرَكِ اللفظِيِّ، وَتأويلِ جَميعِ أمثِلَتِهِ تأويلًا يُخْرِجُها مِنْ هذا البابِ، ذلِكَ أنّهُ في بَعضِ الأمثِلَةِ لا توجَدُ بَيْنَ المَعاني التي يُطْلَقُ عَلَيْها اللفظَ الواحِدَ أيّةَ رابِطَةٍ واضِحَةٍ تُسَوِّغُ هذا التّأويلَ.

كَما أنَّهُ لَمْ يَكثُرْ وُرودُ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ فِي اللغَةِ العَرَبِيَّةِ عَلى الصّورَةِ التي ذَهَبَ إلَيْها الفَريقُ الأوّلُ وَالثّاني، ذلِكَ أنّ كَثيرًا مِنَ الأمْثِلَةِ التـي ظَـنَّ هـذانِ الفَريقانِ أنَّها مِنْ قَبيلِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ يُمْكِنُ تَأويلُها عَلى وَجْهٍ آخَرَ يُخْرِجُها مِنَ البابِ. وَلَيْسَ الأمْرُ مِنَ البَساطَةِ بِالقَدَرِ الذي يُصَوِّرُهُ القُدَماءُ مِنْ عُلَماءِ اللغَةِ؛ إذْ قَدْ وَقَعَ المُشْتَرَكُ اللفْظِيُّ فِي كُلِّ لُغَةٍ، وَقَدْ دَعَتْ عَوامِلُ مُتَعَدِّدَةٌ لِوُقوعِهِ.

ثانِيًا: آراءُ المُحْدَثينَ:

كَما اخْتَلَفَ القُدَامى فِي وُقوعِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ، كَذلِكَ اخْتَلَفَ فـِي وُقوعـِهِ المُحْدَثونَ؛ حَيْثُ أثْبَتَ كَثيرٌ مِنَ المُحْدَثينَ وُجودَ المُشْتَرَكِ اللفْظِـيِّ فـِي لُغَتِنـا العَرَبِيّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الأسْتاذُ جُورجي زَيدانَ: أنّ مِنْ مُمَيْزاتِ العَرَبِيّةِ دَلالَةَ اللفْـظِ الواحِدِ عَلى مَعانٍ كَثيرَةٍ، فَالحَميمُ، مَثَلًا، لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرونَ معنًى...

وَيَقُولُ الدُّكْتورُ تَوفيقُ مُحمد شاهين: وَلا مَعنى لِإنْكارِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ مَعْ مـا رُوِيَ لَنا مِنَ الأساليبِ الصّحيحَةِ مِنْ أمثِلَةٍ لا يَتَطَرَّقُ إلَيْها الشَّكُ، وَلَهُ مِنَ الأسْبابِ مـا يَدْعُو لِوُجودِهِ فِي اللغَةِ مِنْ واضِعٍ أوْ أكْثَرَ.

مِمّا يُوجِبُ ذِكْرُهُ في السّياقِ، أنَّ بعضَ المُحْدَثينَ ضَيّقَوا من مَفْهومِ المُـشْتَرَكِ تـَضْييقًا شـَديدًا، وَأخْرَجوا مِنْهُ الكَثيرَ مِنَ الكَلِماتِ، وَمِنْ هؤُلاءِ: الدُّكْتورُ إبْراهيمُ أنيس، وَالدُّكتورُ عَلِيٌّ عَبْدُ الواحِدِ وافي، فَالدّكْتورُ إبراهيمُ أنيس يُخْـرِجُ مِـنْ بابِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ، الكَلِماتِ التي تُوجَدُ بَيْنَ مَعانيها عَلاقَةٌ مَجازِيَّـةٌ؛ حَيـْثُ يُشْتَرَطُ أنْ تَكونَ الكَلِمَةُ دالَّةٌ عَلى مَعانٍ مُتَبايِنَةٍ حَتّى تُعَدُّ مِنَ المُشْتَرَكِ اللفظِيِّ، أمّا الدُّكتورُ عَليٌّ عَبْدُ الواحِدِ وافي، فَقَدْ أخْرَجَ مِنَ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ الكَلِماتِ التي نُقِلَتْ عَنْ مَعناها الأصْلِيِّ إلى مَعانٍ مَجازِيَّةٍ أُخْرى لِعَلاقَةٍ مـا، فـاعْتُبِرَتْ لِذلِكَ مِنَ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهُ كَلَفْظِ الهـِلالِ، وَالحـُروفِ التـي تَحْتَمِلُ أكْثَرَ مِنْ مَدْلولٍ واحِدٍ، وَأفْعالُ الماضي والمُضارِعِ التـي تـُستَعمَلُ فـي الخَبَرِ تارَةً، وَفي الدُّعاءِ تارَةً أُخْرى، وَغَيْرِها.

وَلَعَلّني أجِدُ نَفْسي مُخْتَلِفًا مَعَهُما فِي هذا الرَّأْيِ؛ لِأنَّ المُشْتَرَكَ اللفْظِيَّ يُعَدُّ مـِنْ عَوامِلِ تَنْمِيَةِ اللغَةِ، وَزِيادَةِ ثَرْوَتِها، وَلَيْسَ بِنادِرِ الوُقوعِ، فَقَدْ وَرَدَ كَثيرًا فِي اللغَةِ، وَقَدْ قالَ بِذلِكَ كَثيرٌ مِنْ عُلَماءِ اللغَةِ الثِّقاتِ مِنَ القُدامى وَالمُحْدَثينَ، ولا أجِدُ ضَيْرًا في أنْ تَكونَ وَسائِلُ تَوليدِ المُشْتَرَكِ اللفْظِيِّ مُتَعَدِّدَةً مَجازِيَّةً كانَتْ أمْ غَيْرَها.

وَجُمْلَةُ القَوْلِ في هذِهِ المَقالَةِ، إنَّ المُشْتَرَكَ اللفْظِيَّ قلَّ - إلى الحَدِّ الذي اعْتَرَفَ بِهِ مُنْكِرُوهُ- أوْ كَثُرَ إلى الحَدِّ الذي كَتَبَ فيهِ بَعْضُهُمُ مُصَنّفاتٍ سيّانٌ، والأمْرُ واحِدٌ، وَهُوَ أنّهُ مَوْجودٌ فِي اللغَةِ، وَلَهُ دَوْرٌ في تَحديدِ هذِهِ الدّلالَةِ أوْ تِلْكَ. غَيْرَ أنّ الفَرْقَ الذي قَدْ يَبْدُو بَيْنَهما، أنّ المُثْبِتينَ لَهُ لَمْ يَبْحَثُوا في أسْبابِ وُجودِهِ فِي اللغَةِ، بَلِ اكْتَفُوا بِحَدِّ القَوْلِ بِهِ، وَأنّهُ مِنَ اللهجاتِ القَبَلِيّةِ، أوْ مِنَ التّوَسُّعِ المَجازِيِّ، وَما شاكَلَ ذلِكَ مِنْ آراءٍ لَمْ يَرُدّ أصْحابُها التّفْصيلَ فيها. بَيْنَما فَصَلَ المُقَلّلونَ مِنْهُ، أوِ المُنْكِرونَ لَهُ، فِي أسْبابِ حُدوثِهِ بِما يَدْعَمُ آراءَهُمْ وَيُزَكّيها. غَيْرَ أنّ المُتَتَبِّعَ لِما وَرَدَ في اللغَةِ مِنَ ألفاظٍ دالّةٍ عَلى المُشْتَرَكِ فِي أغْلَبِها، سَيَلحَظُ أنّها تَعودُ إلى النّقْلِ والارْتِجالِ.
لَعَلّ ما يُثبِتُ ما اسْتُنتجَ في هذِهِ العُجالَةِ النّقدِيّةِ، أنَّ مُعْظَمَ مَوْضوعاتِ فِقْهِ اللغَةِ وَمَضامينِهِ قَدْ أثارَ اللغَوِيّونَ وَالأُصولِيّونَ نِقاشاتٍ حادّةً فيها تَراوَحَتْ ما بَيْنَ قَبولٍ وَرَفْضٍ وَإنْكارٍ، كَالّذي حَدَثَ مَعَ قضِيَّةِ التّرادُفِ في اللغَةِ أوْ في القُرآنِ الكَريمِ.

وَالمُشْتَرَكُ اللفْظِيُّ دارَتْ حَوْلَهُ هذِهِ المُناقَشاتُ بَيْنَ أرْوِقَةِ مُصَنّفاتِ العُلَماءِ الأُصولِيّينَ واللغَوِيّينَ.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى