الخميس ١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم حميد طولست

الوصايا العشر الموصلات لمجالس النواب والجماعات

لاشك أن السفر يشكل بالنسبة للكثيرين متعة واستراحة واستفادة، تطبيقا للمثل الشعبي السائر (تبدال المنازل راحة) ، كذلك هو شأنه عندي، فهو مصدر متعة وفرحة وسعادة لا مثيل لها، خاصة إذا كان على متن القطار القديم الرابط بين فاس مراكش، لعدة أسباب واعتبارات منها النفسية والأمنية والمالية والمعرفية، ففي فضاءات هذا القطار- على علاتها- تتعايش كل الأجناس من كل الأعمار وكل المستويات، تتجاذب بينها الأحاديث بكل حرية، وتناقش المواضيع الاجتماعية والسياسية والصحية والرياضية دون حسيب أو رقيب، وتتطرق لكل قضايا ومشاكل الوطن انطلاقا من محطة فاس ووصولا إلي مدينة البيضاء تم مراكش، وغالبا ما تتحول تلك الأحاديث العفوية إلي مجالات للتعارف والتقارب عن طريق الحكي والتنكيت وإفشاء كل ما في الصدر من معاناة، وحتى الكلام الفارغ. وكثيرا ما تصبح تلك العلاقات العابرة بعد ذلك سببا في تقارب بعض الأشخاص والعائلات تتبادل فيما بينها العناوين وأرقام الهواتف، لتصل في أحيان كثيرة إلي مستوى الزيارات المتبادلة التي ينتهي بعضها إلي زواج ناجح أو إلي صداقة تعمر طويلا بين العائلات.

كل هذا وغيره كثير يحدث ويتحقق بداخل مقصورات القطارات القديمة التي لا تستوعب أكثر من8 أشخاص فقط، والتي يشعر داخلها المسافر بالأمن والأمان بمجرد إغلاق أبوابها ليتحدث بكل اطمئنان وثقة في مختلف المواضيع، مادامت الرحلة طويلة، والمسافة مديدة، وكما يقال " الطريق الطويلة تطويها الونيسا". كلما تم التقارب فيما بين المسافرين واطمأنوا لبعضهم، وتوطدت العلاقات، كان الحوار مفيدا، بل كثيرا ما كان المرء يجد نفسه مرغما على الخوض في بعض النقاشات الحيوية والايجابية ليعطي رأيه الشخصي أو ليقدم بعض الملاحظات، حيث يتحول الحديث التنائي من نقاش حر إلي ندوة ملتزمة يشارك فيها الجميع أو يساهم بالإنصات.

ومن حسن حظي أن جمعتني الصدف في الأيام الأخيرة بمقصورة القطار المتوجه من فاس إلي مراكش، مع نماذج متميزة من المسافرين قلما تسمح الظروف بإجتماع نظرائهم عن طريق الصدفة، وقد اختلفت أجناسهم بين الذكور والإناث، وتفاوتت أعمارهم بين عمر الشباب والكهولة، وتنوعت وظائفهم بين الأستاذ والطالب، وتباينت مذاهبهم بين اللبرالي والإسلامي. ابتدأ الحديث بينهم هذه المرة كما في كل مرة، هادئا محتشما، متطرقا للطقس وتبدلاته، والفلاحة و اكراهاتها والكثير من المواضيع البسيطة التافهة.....وسرعان ما اتخذ الحديث مسار السياسة والسياسيين، فارتفعت حدته واشتد وطيسه، وهكذا بين الشدة والليونة تستمر أحاديث المسافرين داخل مقصورات القطار..
كم كان يعجبني في لحظات ذروة الحوار، أن أعتبر نفسي مجرد عضو ملاحظ، فلا أتكلم إلا لماما، واكتفي بتحريك رأسي لكل المتدخلين دلالة على اهتمامي وتتبعي لجميع الآراء التي يطرحها المسافرون بصراحة وبعفوية، وتعكس مقدار الألم الدفين الذي يحس به كل فرد من أفراد هذا المجتمع، لأنهم عينة مصغرة منه.

ومن غرائب الصدف أن احتوت المقصورة في هذه السفرية برلمانيا متميزا بطول مقامه في الغرفة الأولى، وأستاذ جرب الترشح لنفس الغرفة عدة مرات ولم يحالفه الحظ ولو مرة.
المفارقة صارخة، والخلل بين، فالأول أمي " ممسوح" يتمتع بالحصانة البرلماني وكل تبعاتها مند أول برلمان عرفته البلاد، والثاني جامعي حامل لشهادات عليا ودبلومات علمية وتقنية لم يسعفه الحظ، أو أشياء أخرى للوصول لمراكز القرار...

المفارقة الصارخة والخلل بين. فالأول منتخب أمي من بلادي اعتاد على الفوز بمقعد بالبرلمان مند الستينات إلى اليوم، والتمتع بحصانته وكل تبعاتها مند أول برلمان عرفته البلاد، بل عزز هذا الفوز بتوريثه لورثته قبل مماته.. والثاني جامعي حامل لعدة شهادات عليا ودبلومات علمية وتقنية، لكن الحظ – أو أشياء أخرى- لم يسعفه للوصول لمراكز القرار، الظفر بالمقعد.. مما جعل المشاركين في الحديث يشكون أن في الأمر سر مطلسم.

هنا دفعني فضولي الصحفي للاقتراب من قيدوم برلمانيي جهة فاس بولمان، - ونصحته أولا بالمشاركة مسابقات " غينيس" للأرقام القياسية؛ تم طرحت عليه السؤال الذي كان مشعا في أعين المشاركين في هذا الحوار، والذي يؤرق الأستاذ الجامعي وكل الذين يرغبون مثله في النوم على الأرائك المخملية المريحة للبرلمان فقلت :السيد النائب المحترم، هل هناك وصفة سحرية للنجاح في البرلمان؟؟ وما هي في نظركم أقصر و أأمن الطرق وأسهلها للوصول إلى قبة البرلمان في المغرب؟؟؟.

انقشعت على فمه ابتسامة ماكرة أنبتتها مفاجأة السؤال، تم قال بعد أن بسمل وحوقل. اسمعني جيدا " الله يرضي عليك يا ولدي"، الوصول للبرلمان أمر صعب وسهل في نفس الوقت، فهو كما يقول " ذوك القاريين" مشيرا للأستاذ الجامعي بسيجاره الذي لم يشعله احتراما لنا لا امتثالا للقانون-هو من "باب السهل الممتنع". فهو صعب على الذين لا يعرفون كيف يتصرفون وفق كل الظروف. وسهل بالنسبة للمتمرسين في خوض غماره.

ولكي يفوز الدكتور – مشيرا دائما للأستاذ الجامعي- بمقعد في إحدى الغرف الأولى أو الثانية .
 يجب علية الالتزام بالنصائح البسيطة التالية، والتي هي في متناول كل ذكي يعرف من أين تؤكل الكتف – كما يقول المتعلمون مثله.أما نحن فنقول " ماكيديها غير كريم أو زعيم أو مرضي الوالدين" لأنه لا يتشرط -عندنا ولله الحمد والشكر- في من أراد أن " يتبرلمن " أن يكون صاحب شهادات جامعية أو من حملة الدبلومات العلمية، كالطب والهندسة، و لا أن يكون ضليعا في السياسة، ولا ملما بالأحداث الجارية علي الساحة المحلية والدولية، كما أنه ليس بمهم علي الإطلاق أن يكون له اهتمام بالعمل التطوعي والاجتماعي المحلي منه والوطني. فالمواصفات المؤهلة للمرور على عتبة البرلمان التي ألخصها لك بشرط أن يعمل بها ويطبقها بحذافيرها، أستاذك وغيره. لكن بعيدا عن دائرتي الانتخابية و إلا " غادي نخياب":

1- يجب على كل راغب في التشرف بالجلوس تحت قبة البرلمان، أن يبدو وسيما ومبتسما في صوره وإعلاناته. ولذلك عليه أن يبدأ بتعديل وتزوير صورته الأصلية مستعينا في ذلك بخبراء التزوير- عفوا- خبراء التجميل الذين يستطيعون محو ما فعله الدهر بوجهه حتى تختفي الحفر والأخاديد والتجاعيد والكلاحة و القبح ويرسم له صورة نقية وبشرة تشع نورا وجمالا وتألقا، وإن كان مؤقتا.

وكما جمل إختصاصيو الجمال مظهره الخارجي ليبدو مقبولا، يجب عليه أن يحسن من أسلوبه ويزوق في كلامه وينمقه بشيء من الكذب، ولينسى أنه صفة مذمومة، لأنه وسيلة تحقق عايتة، وخصلة تمكنه من اقناع مستمعيه بما يحدثهم به دون أن تبدو عليه علامة من علامات التضليل والخداع!

لكن حذار من أن ينقلب ذاك الذكاء إلى نوع من الغباء والسذاجة، فيطلق صاحبنا لسانه بالفرية ثم يصدقها هو نفسه، تجسيداً للمثل الدارج الذي يقول: "كذب الكذبة ويصحاب ليه بصح"..!
2 - يجب ٍأن يتمتع المتقدم لهذه المعركة بحنجرة قوية يستطيع بها التحدث لساعات عديدة، ويمتلك مهارات الصراخ والنواح، بمعني آخر أن يكون ظاهرة صوتية تجيد الفرقعة الكلامية في التجمعات الانتخابية.

3- لا يخاطب الناس على قدر عقولهم فذاك يعتبر إسفافا وتدنيا بمستوى خطاب من يريدون الوصول، بل ليستخدم المفردات الغريبة والمصطلحات الأجنبية الغامضة الكثيرة الحروف، فلا يقل مثلا l’aspirine ، بل ليقل " l’acide acétylsalique " حتي لا يفهمه الناس بسهولة، ويعرفوا توجهاته الحقيقية، وليكن رجلا غامضا بقدر الامكان، ولا يفرغ كل ما في جعبته مرة واحدة، بل يقسط معارفه عل مراحل، وليقل الجديد ويطلق المفاجآت والشائعات، ليظن الناس أنه العليم ببواطن الأمور وظواهرها.

4- ليكن هوائي المزاج، متقلب الانتماءات، يتمتع بلياقة مبادئية و إنتمائية عالية، يتحول بين عشية وضحاها من يساري مفرط إلي يميني متطرف ومن شمالي هوائي حار نهارا ولطيف أثناء الساعات المـتأخرة من الليل إلي جنوبي جاف شتلءا ممطر صيفا عند الضرورة. فإن وجد أن أهالي الدائرة سلفيون ومتدينون، فليكثر مما قال الله وقال الرسول، و ليكن إماما وواعظا ومفتيا ويجعل جل كلامه نقدا وقذفا وتجريحا في المرأة لأنها كانت سبب شقاء العالم بإغوائها لأبينا آدم عليه السلام حتى أخرجته من جنة عدن. وإن وجد أن ناخبيه من الليبراليين والمتحررين فليهاجم الرجعيين و الظلاميين، ويدعو لتحرر المرأة، ويتبنى شعارات الحرية، ويستشهد في كلامه بالفلاسفة الغربيين ويبرهن بالحكم التي تدعم موقفه.

5- عليه بمهاجمة الناجحين من المسئولين لأن نقد الفاشلين والفاسدين عادة ما لا يروق للعوام والبسطاء. وليستعن بملفات يلوح بها أثناء أحاديثه ويهدد ويتوعد بكشف ما بها من مستور عند وصوله لقاعة البرلمان ليتوهم الناس أن المغلفات بها أدلة قاطعة على تورط مسؤولين كبار في قضايا فساد خطيرة. ولا يستحسن أن تكون تلك الملفات فارغة بل يضع فيها كتبا " كعذاب القبر " أو " قرعة الأنبياء " مثلا، لأنها تجلب الحظ وكل من احتفظ بها يحالفه النجاح ويصل إلى مبتغاه بأمان.

6- وبما أن الكلام لا يكلف صاحبه لا ضرائب ولا مكوس، فليطلق لسانه بالوعود البراقة بمعالجة المرضى وإسكان المشردين وتوظيف العاطلين وزيادة رواتب الموظفين والرفع من تعويضات المستخدمين والزيادة في وزن الخبزة و انقاض ثمنها. و عليه أن لا يرد سائلا في أي موضوع كان- أثناء الحملة على الأقل- وأن يلبي طلبات كل محتاج – فمامة – فقط، فلا يقل لا أعلم لأي كان، حتى يتوهم الناخبون أنه يملك خاتم سليمان، وعصى موسى، ومزامير داوود، وطلاسم السحرة والمنجمين. كل ذلك لن يكلفه غير الكلام فلا يبخل بلسانه حتي يصل لمراده ويعود لنفسه فلا يحاسبها...

7- لا بد له من تبني قضية محلية أو جهوية ويجعلها شعارا لحملته الانتخابية. ولا يكلف نفسه عناء البحث عن القضايا فهي كثيرة ومتنوعة، ويستحسن أن تكون قضية وطنية. وليس من الضروري أن يكلف نفسه ما لا تطيق ولا يجهدها بالبحث عن الحلول والاقتراحات فلا أحد تهمه الحلول بقدر ما يهتم الجميع بتشخيص المشاكل فقط، فمثلا ليقل لا للفساد حتي وإن كان أول المفسدين، لا للرشوة حتى لو كانت ثروته كلها منها.

8- ليكن لطيفا ومهذبا ومهندما ومعطرا طوال وقت الحملة، يبتسم للأطفال ويداعبهم كلما وجدهم في طريقه، يداعب ويصافح كل من يجده من الناس في كل المحافل، حتي يقال بأن قلبه كبير ويسع الجميع، كما سيسع المال العام والخاص جيبه الواسع العريض.

9- ليكثر من الولائم والحفلات ويطعم الناخبين والناخبات، ويدعو لحفلاته المؤيدين والمعارضين، لأنه حتما حينما يطعم الفم تستحي العين وتتحرك اليد لتختاره من بين المرشحين.

10- فإن لم يفلح كل ما سبق ووجد إعراضا وصدودا من ناخبيه، فلا شك أن صاحبك "ما دارش النية" ولم يطبق نصائحي بالتمام و الكمال. وفي هذه الحالة لا بد له من الالتجاء للخطة الاحتياطية الاستعجالية والجادة، وهي الاستعانة بسماسرة الانتخابات وملشياتهم المدربة على ارهاب المصوتين، وابتزاز أصواتهم بكل الوسائل، وترويج الإشاعات وإثارة الفتن، فالغاية تبرر الوسيلة. فما أسمى غايته وأنعم بها من غاية، الوصول للمجلس. فلينفق من أجلها من سعة يده، فما ينتظره من نعيم مقيم ونوم وثير تحت قبة مجلس عظيم، لا يقارن بعدة ملايين ينفقها باليمين ليحصدها باليسار في أيام معدودات بعد النجاح.

وفي الأخير تمنى مستجوبنا المحترم قيدوم البرلمانيين بالجهة، تمنى التوفيق والفوز المبين لكل الواصلين الصالحين منهم والطالحين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى