ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة
الحلقة3:
رد على تعليق إليكتروني، حول الحلقة الأولى من "ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة".
وأنا أتابع كعادتي اليومية "بريدي الالكتروني"، استوقفتني تعليقات زوار المواقع والمنتديات العديدة التي تنشر كتاباتي، سواء داخل الوطن أو خارجه؛ واسعدتني كثيرا كلمات الثناء التي حوتها بعض الردود حول بعض ما نشر من موضوعاتي، ولم أغتظ كالعادة، من تلك التي ذيلت بعبارات الهجومية الشامتة السخيفة والعامرة بالتقريع والاتهامات المجانية المحبطة، والتي تعودت ألا ارد على مثلها، بينما أجيب وبلا تردد على التعليقات التي تظهر من خلف السطور، لباقة وحسن وصدق نية أصحابها، كما هو حال التعليق الذي ورد من إحدى المهتمات الفاسيات المثقفات، كما يستشف من طريقة تعليقها اللبق على مقالتي المعنونة "ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة" والمنشورة على موقع كثيرة، والذي ختمته بتساؤلها: "لو لم تكن أمك شافاها الله هي المعانية مع المستشفيات والمصحات، هل كنت ستكتب، يا سي حميد، عن معاناة المرضى عامة؟؟
دفعت بي صراحة وبراءة المتسائلة الفاسية، والتي لم تنطلق، بدون شك، من خلفية سيئة، أو نية مبيتة، إلى أن ارد عليها بدون تردد أو تلكؤ، وكلي أمل أن يقنعها دفعي، وتتقبل حجتي التي اتمنى أن يختصر مسافات وزمن فهم قصدي ومبتغاي.
أيتها المحترمة، بعد التحية التي أوجبها الإسلام، اخبرك أنه من الصعب أن نتصور أن هناك ذي كبد رطبة وقلب رحيم لا يتألم لآلام الآخرين، وهم يتحركون أمامه وفقا لما سيرتهم إليه حياة المرض من انهزامية النفس والبدن، وفرضته عليهم عبثية التسيير ومجانية التدبير وإهمال التكفل الصحي، من شعور بالوهن والضعف وعدم القدرة على مواصلة الحياة، وما تولده في نفوسهم من آلام الانتظار ومواجهة المرض وقسوة الاشتياق للصحة والعافية ولو في حدودهما الدنيا، ويجعلهم في حالة من العجز الانساني الذي لا يداويه إلا المخلصون من الأطباء، ومساعدة الأهل والمحبين الذين يحيطونهم بالرعاية والاهتمام، وأنه لا يمكن أن نتخيل، أيتها المحترمة، ألا يرق حال أي إنسان، تحوي جوانحه قلبا رحيما وإحساسا رقيقا، لتضرعات مرضى خاضوا، بلا كلل أو ملل، وبدون جدوى، كل تجارب العلاج، ومعارك التطبيب، في مصحات ومستشفيات هذا البلد الجميل، كما أنه لا يمكن أن يخطر ببالنا أن نقف كأناس عاديين، دون إحساس بالشفقة تجاه أسئلة موجعة لا تنتهي، تفقد القابلية على الضحك أو مواصلة الابتسام إن تجرأت الشفاه على إقترافه، وألا ترتعد فرائصنا مهما غلظت طباعنا، أمام اشتياق مريض، لمجرد رشفة صغيرة ماء منعته منها العلة، ولا يملك حق تجرعها إلا بإذن الطبيب المعالج، أو نزوع أحد المرضى إلى ابسط الأطعمة دون أن يتجرأ على مجرد الاقتراب منها أو حتى لمسها، إلا عن طريق أنابيب مغروسة في ثنايا جسمه الهزيل، تمده بالغذاء والدواء.
آنستي أو سيدتي، تيقني أن كل من عاش واقع الصحة، وتجربة التطبيب بهذا البلد، وعايش الذي تشهد ساحة مستشفياته ومصحاته من الممارسات التي لا تخطر على بال من لم يلجها أو يعاين مشاكلها ومآسيها،- مريضا كان أو زائرا أو مرافقا لمريض- وإن يجربها ولو مرة، فهو واحد من شخصين: إما إنسان غير مبال، ومتأقلم مع الأحوال المزرية لكل الأوضاع التي حوله، والصحة على رأسها، ومتعود على أحوالها ومستسلم لأمرها الواقع، ومقتنع بـ "أنه ليس في الإمكان خير مما كان، وأن الكائن هو أمر واقع ينبغي أن يُتعايش معه حتى ولو كان خطأ"؛ إما الشخص الثاني، فهو ذلك الإنسان الحساس المتألم لآلام غيره، الرافض لحرمان أي مواطن من حقه في العلاج الضروري، والعناية اللازمة والدواء الناجع والقليل الكلفة، وهو ذلك المواطن الذي لا يقبل البتة أن تستغل حالة وحاجة المريض الملحة للاستشفاء والدواء، للاستغلال من أجل التربح غير المشروع، وهو ذاك المغربي الغيور الذي لا يرضيه ان يعاني قطاع الصحة في بلاده -التي يحبها حد الجنون-من نقص خطير في الادوية النوعية والحديثة الخاصة بمعظم الامراض المزمنة وتلك التي يعاني منها الأطفال وكبار السن مثل ادوية السكري، والضغط ومشاكل المفاصل وخشونها، وهشاشة العظام، وآلام الظهر والعمود الفقري والمفاصل وخصوصا منها مفاصل القدمين، ومشاكل العيون التي تعاني منها شريحة واسعة من كبار السن في هذه المرحلة العمرية التي تستجيب بسرعة للأمراض بسبب ضعف جهاز المناعة، فيحتج على إهمال كل ما يعضد نفسية المريض ويمدها بالقوة التي تدفعه لمقاومة العلة، ويثور على عدم التكفل الصحي بالمرضى في خطر، والعاجزين المحرومين من التنقل والتجول، حتى في أضيق حدوده، ويندد بشح الرعاية الطبية المحترفة المقدمة للذين لا يستطيعون أن يحركوا أقدامهم ويقوون على تلبية أبسط احتياجاتهم، إلا بمساعدة الآخرين والكراسي المتحركة الباهظة الثمن وغير المتوفرة إلا للخواص والمحظوظين والذين "يحكون جنابهم" ليس من الألم لكن لإخراج ما بجيوبهم المثقوبة.
أيتها المتسائلة المحترمة، إنه ورغم أن الطب عمل إنساني، اضافة الى كونه مهنة الوجدان والضمير الحي، يرتقي برقي الأمم، فإن هناك أمور غريبة تجري في ميدان الصحة في بلادنا لا يجد لها الناس أي تفسير، ويتيه العقل في متاهات مشاكلها التي تعطي الانطباع بأنها في غالبية تنبع وتتوالد وتتوسع بشكل سرطاني أخطبوطي (إذا صح التعبير)، من تعامل بعض هؤلاء الأطباء والممرضين، وتلاعب وإهمال بعض المسؤولين بالصحة عامة، ممرضين وإداريين، ومن سوء التسيير الذي من المفروض أن تسخر لخدمة المرضى ومصالحهم، بعيدا عما تخلقه من قلق وتوتر نفسي، وانعدام البيئة الصحية والضجيج، وكل المؤثرات السلبية على الصحة، وما يترتب عنها من أضرار على الاجسام والعقول، وعلى تقبل الخلايا للدواء اللازم والغذاء الصحي مهما كان مميزاً، كما يقول المثل: "ما فائدة الدواء وما فائدة الغذاء، إذا عاش المريض جواً ملوثاً مليئاً بالضغوط" وأشياء أخرى عديدة يقبع وراءها طمع الكثير من المستثمرين وطمحهم إلى هوامش ربح مضاعفة على حساب الفقراء ومحدودي الدخل في ضل غياب أدوات الرقابة والمحاسبة الفعالة وسياسة الإفلات من العقاب رغم ثبوت التهم على بعض عديمي الشرف وميتي الضمير، الذين لا يجد المواطن العادي أي تفسير مقنع، لتصرفاتهم غير الإنسانية والتي تعتبر جرائم وعناصر تهديد حقيقي لحياة المرضى وصحتهم ومستقبلهم، وكأن لا الحكومة أو أي سلطة أخرى قادرة على وقف التدهور الصحي الذي يعيشه المرضى من الفئآت الاجتماعية الفقيرة.
رغم تصريح المسولون ووعودهم -التي صمت الآذان- بحلها وترقية التعامل مع المرضى، وتسهيل ظروف التطبيب والتداوي بالمستشفيات الحكومية والمصحات الخاصة، والتي لم يتحقق منها أي شيء على أرض الواقع، لتبقى قضايا الصحة تؤرق بال المواطن، وتدفع بالكثيرين، ممن لم تكن ستوقفهم أو تسترعي انتباههم فط، قضايا الصحة قبل أن يتعرضوا للمرض ويعيشوا تجربته المرة يوما، ويعاينوا محن التطبيب بمستشفياتنا ويتجرعوا مرارتها كمرضى أو مرافقين لذويهم في رحلات الاستشفاء المضنية، يدفعهم ذلك إلى تغيير نظرتهم للصحة، ويقفون منها مواقف كراهية وعداء، لأن القضية ليست قضية خاصة بهم وحدهم أو بمرض والدتي، بقدر ما هي قضية صحة عامة، أي أنها تتجاوز الشخصنة، إلى تعرية نمط تمريض وسياسة صحة عامة، لا شك مريضة ومشينة بما تحمله من ظلم كبير وفاحش بحق المرضى ودويهم الذين يعيشون حالات من الإحباط والشعور بالمرارة واليأس في وطن عشقوه حتى الموت وقدموا له العمر الغالي، والشباب والصحة النفيسين، فكانت المكابدة وكل أنواع المعانات، جزاءهم في رحابه. وكما قالت الإعلامية والكاتبة "أحلام مستغانمي" "إن استيقظت هذا الصباح وأنت معافى، إذن أنت أسعد من مليون شخص سيموتون في الأيام المقبلة" في بين ارتفاع اجور الأطباء وثمن الدواء... وتباين التشخيص