مقياس نجاح العمل النقابي بالمغرب!؟
توطئة:ان مقياس نجاح أي عمل نقابي هو درجة التصاقه بمشاغل العمال وارتباطه بهم وتشابكه بمشاغلهم والتفاني في تحقيق مطالبهم التنموية والإجابة عن تساؤلاتهم اللحظية وتقديم الخطط النضالية المفيدة للوصول لذلك في كل المجالات.
ــــــ جلست بالأمس القريب أمام التلفزيون متنقلا بين الفضائيات في محاولة للاطلاع علي مستجدات ما اصطلح على تسميته "بعيد العمال" في الكثير من مناطق العالم وحتى تلك المصابة منه بالترهل والتي يسمونها، تجنيا، بـ "العالم الثالث" وهي التي لا يعرف ترتيبها الحقيقي بين العالمين، وكما يخلوا للبعض الآخر أحيانا أن يكنيها بـ "الدول النامية" وما النائمة أو الهائمة وليست بنامية أبداً!؟ وعلى الخصوص منها تلك المعرفة باسم العربية والمغاربية والتي منها المغرب الذي به مدينة فاس التاريخية التي اشتاق إلى تخلفها "الذي لا يريد لها مبارحته" كلما تهت بعيدا عنها في بلاد الله المتحضرة...، حملت شاشات المحطات المختلفة، سيلا من الصور لنزول ما يدعى في هذه البلاد بالطبقة العاملة -أو ما تبقى منها على الأقل رغم انحناء مسارها نحو الظلم والافتراس ولغة المصالح -، إلى الشوارع المدينة، أو على الأصح إلى شارعين أو اثنين أو ثلاثة شوارع على أكثر تقدير، وذلك في جو ساده شبه سكون تام، وكأن الحدث لا يعدو سوى يوم عطلة خرج فيه الناس في مسيرة للاطلاع على الجو العام للفاتح ماي الذي يصادف، كما كل سنة ما اتفق على تسميته "بعيد الطبقة الشغيلة"، هذه الطبقة التي واجهت، ومنذ عقود، زخما هائلا من الإذابة والدفع بمكوناتها إلى مؤخرة الهرم الاجتماعي ، حتى أضحت، كيانات مفتقدة للتوصيفات النقابية المعروفه المتزعمة لعمليات التغيير الثوري في كل مراحله، وجل البلدان عبر العالم، وبدت وكأنها ضمن خليط غير متجانس من الفقراء والمعدمين وفاقدي الأهلية عن المساهمة في توجيه هذه الحركات الاجتماعية إلى اتجاهات محددة ومعلومة، والتي انخرطت في مسيراتها السلمية إلى حد الكبت، وتظاهراتها المهادنة إلى درجة الاختناق بدافع الاعتياد والروتين، بدون أن تحمل ما يواكب ما عرفته الساحة النقابية العربية من شعارات ثورية في ظل الربيع العربي، واكتفت كالعادة بمطالب مكرورة كتبت على لافتات رثة عتيقة أعيد استعمالها بلا تجديد لسنوات عدة لألا تخرج عن عتيق المطالب: "الرفع من الحد الأدنى للأجور، والتغطية الصحية، ورفع الحيف عن العمل النقابي.
الأمر الوحيد الذي تميز بالجدة في عيد هذه السنة -الذي ألا يأتي بالجديد في كل أحواله وأوضاعه، والذي دفع بالساعر العربي المتنبي للتساؤل عن ذلك مند عصور في بيته الشعري الشهير:
عيد بأي حال عدت يا عيدبمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ.-
هو ارتباط العمل النقابي،-رغم تطوره المهول في شتى مناحي الحياة العمالية، العلمية والسياسية والى حد ما الاجتماعية- بنظام المشيخة القبلية أو الإمارة التي استوطنت سلوك الكثير من قادة منظمات وتشكيلات النقابات العمالية التي إحكام الطوق البيروقراطي عليها، و طيلة عقود، ما كلس أجهزتها، ورهل تشكيلاتها، وأفقدها الكثير من خلاياها التي كانت تمدها بدماء الوجود وتؤهلها لأخذ زمام المبادرة في قيادة الجماهير المضطهدة وباتجاه إحداث التغيير الايجابي المطلوب ، فسهلت إزاحتها إلى الخلف في تواطؤ سافر مع السلطات القائمة الدعم وسياسة تعوضها بالطبقات المهمشة المكون من جحافل الباعة المتجولين والفلاحين النازحين الذين يعدون أهم معوق يعرقل سبل الحياة والنقابة العامة، ويقف بالضد من تطبيق القوانين المدنية ، والذي يوفر له الدعم المادية والمساندة اللوجيستيكية، الكثير من القادة النقاببين وزعماء الأحزاب على اعتبارهم أنهم أهم سند للكثير من لهم ولزبانيتهم، وأكبر الشرائح الداعمة لهم ولأحزابهم في صناديق الاقتراع ، ولأنهم أيضا الحقل الخصب والمُفضل لتغيير سيرورة تشكل البنيات الذهنية والسلوكيات والاجتماعية لمختلف الفصائل العمالية وأكثرها قابلية للاختراق عن طريق الريع والرشوة وتوفير بعض من الجاه الاجتماعي ولو في حدوده الدنيا، ولأنهم كذلك الفئة المفضلة للمساهمة في كتابة سيناريوهات كثيرة ومعقدة لضرب كل كفاح نضالي ميداني متحدٍ لقوانين القمع السياسي، ولتعويمه وحصره في نضال عمالي مذجن في حدود مهنية قصوى متواطئة مع الاستبداد، بدعوى الالتزام بالسلم مع أرباب العمل والمتختصر عند الكثير من المركزيات في بعض الإضرابات المهنية القطاعية الوجيزة، المستغلة للقوة النضالية العمالية كأداته من أجل المناوشة والضغط المحسوب على "أصحاب الحال" سلطة القرار، من أجل بعض الاهتمامات السياسية المتهافتة على كراسي المؤسسات الزائفة، إلى جانب نهج سياسة احتواء قوة العمال النضالية في إطار لا يهدد استقرار قواعد العمل النقابي المعترف به عالميا فقط بل ويسلب الطبقة العاملة استقلاليتها ويعصف بكل مكتسباتها التي تحققت عبر عقود من النضال والتضحيات، وذلك بإغراق الفعل النضالي في مشاكل العاطلين والفلاحين الوافدين والمتركزين في حواشي المدينة، حتى يهز ثقتها في قدراتها، ويشوه سيكولوجيتها، ليصل بها في النهاية إلى النتيجة الحتمية الخطيرة التي تحول دور النقابات العمالية من أداة نضالية راقية من أجل حقوق العمال العادلة، إلى وسيلة مسخرة ملحقة لوزارتي التشغيل وتحديث القطاعات العامة، لتقدم السخرة في "تدبير الموارد البشرية" وتمرير العديد من التعديات على طبقة العمال المقهورة، وذبحها بتغيير عدد من مراسيم الوظيفة العمومية كـ: مدونة الشغل، ميثاق التعليم، التأمين الإجباري عن المرض، المساعدة الطبية للمعوزين، الاستعداد لضرب المكاسب الطفيفة في أنظمة التقاعد، و تمهيد طريق قانون منع الإضراب، وقانون التدخل في الشأن الداخلي للنقابات و مضايقة عملها إلى جانب النتائج الكارتية لما يسمى "الحوار الاجتماعي"، كل ذلك بتواطؤ ومساومات مع البيروقراطية النقابية التي حظيت أكثرية قممها -الدائبة على التحكم بقوى النضال، و المتورط بعضها، باسم العمل النقابي، في مفاسد واختلاسات مذهلة - بامتيازات الدمج في عدد من المؤسسات الرسمية، "المنتخبة" منها وغير "المنتخبة" الذين تراهم يتبجحون من فوق منصات الاحتفال بالعيد، بأخلاقيات العمل النقابي وقواعده المثلى التي لا يحترموها أكثريتهم،
كلما وجدوا أنفسهم إزاء أمام قوة شبابية واعية بدورها النقابي على حقيقته ، والمفعم بالتوق الغامر للكفاح والتطوع الجادين بمختلف أنشطتهما النضالية من اجل مطالبهم السياسية التي لم يسبقها لها نظير، في تعاليم وأعراف أنظمة القيادات النقابية البرجوازية القامعة لكل نضالات والأصوات المعارضة، بالعنف والطرد وتغييب الديمقراطية الداخلية وشل طاقاتها الفعالة والمبدعة وتحطمها وحرمان البشرية من نتاجاتها المادية والروحية، وتحويل النقابيين إلى فئات هامشية يسهل استخدامها للضغط لسلب المكاسب، وتجنيدها لإرهاب وقهر الفئات العمالية الطامحة في التحرر والتطور، وذلك بإغراق الكثير منها في تناول المخدرات لقتل الشعور بالغبن لديهم وتحطيم الروح النضالية والطموحات الإنسانية التي ينتج عنها التدهور المريع للساحة النقابية، فتتشتت قواها، وتنشق صفوفها، وتتوسع نزعة فئوية مغرقة في الانعزالية ، ويظهر النفور المريب من زيف العمل النقابي وبياناته ومن أكاذيب خطابات قادته البائسة عن "التغيير الديمقراطي" وعن منجزات السنة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية، وغيرها من المجالات التي يمج بها أجيال قادتها من رؤساء الأفخاذ والوجاهة والامتيازات، الأسماع ويوقر بها الآذان ويوجع بها الأفئدة والعقول، كلما اعتلى منصة من منصات الاحتفال بعيد العمال مع حلول فاتح ماي من كل سنة -معتقدا أنه عالم أو أستاذ جامعي أو جنرال أو فنان لامع أو أديب أو كاتب كبير أو صحفي مقتدر- ، فلا تسمع إلا مقولاتٌ الجهالة الفجة على الذوق السليم، والجمل ٌالتي تمجها الأسماع والعقول لمعانٍها الرديئة وإيحاءاتها السخيفة وسلبيتها العميقة واتجاهات نصوصها الخاطئة ومخالفة كثير منها لما جاءت به الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، إلى درجة صار كل ذلك أمرا طبيعيا وعاديا وقوف بعضهم وأمام الملأ ودون وجل أو حياء، مع مختلسي المال العام ودفاعهم عن الفساد والمفسدين، المطلوبين والهاربين، وحتى الإرهاب والإرهابين، إنها بلاد العجائب التي لا يتعجب فيها حتى من أعجب العجاب..