امرأة سيئة السمعة
– الآن وبعد جهد جهيد استطعت أن أراك يا أمي، وأتحدث إليك عما يشغل قلبي، ويهم فؤادي, و أنت لا بد تسمعينني, أليس كذلك يا عزيزتي؟ شعرت ببعض الراحة بعد أن تعذبت كثيرا, سنين طوال مرت و أنا عاجز عن الدفاع, صغر سني و شدة ضعفي و هزالي و احتياجي لهم و يتمي و غياب الأحباب عني, كل هذه الأمور مجتمعة جعلت الآلام تتفاقم على صدري و شعور بالمرارة و الخيبة ما فتئ يتضخم و يتزايد و أنا الفتى الصغير الذي أنهكته السنون و هو بعد لم يشب و لم يبلغ سن الرجال.
صديقاتك و أصدقاؤك المتبقون على قيد الحياة يبلغونك السلام, فلست الوحيدة التي لاقت هذا المصير, مئة امرأة و فتاة و في لحظة واحدة, في بلادنا المنهكة التي أتعبتها الحروب, وقفن مثل وقفتك الشجاعة و لم يخن الأمانة.
– صه, أصمت قليلا, أسمع أصواتا من بعيد, أنا مثلك فقدت أمي و لم أرها منذ دهر سحيق.
– ابتعد الصوت, إنهم لا يعرفون طريقنا, فهو مكان مهجور في سرداب سن عميق, رحل أصحابه و لم يعرف الآخرون أنه موجود, إذ لم يستدلوا على بابه, أمور جسام و مصاعب عظام, مررنا بها يا أمي بعد أن غادرتنا, بحار من الدم فاضت في ربوعنا, و قومنا صابرون, مرفوعو القامة واثقون.
– صوت أقدام تقترب, سألتزم الصمت ريثما يبتعدون, أرجو ألا يصيبك القلق, إنها تولي بعيدا.. كنت دائما أحلم أنني سوف أتمكن من تحقيق أمنيتي التي لازمتني طوال طفولتي و صباي و أنا أجدهم يحاولون النيل مني و من طعن إنسان عزيز على نفسي, أثير على قلبي, أحببته أكثر من حبي لنفسي و وجدته دائما مسارعا إلى إدخال السرور إلى قلب الطيبين, أسمعني الكريه ابن عمي ذلك الأحمق البوال بعض الكلمات عنك و كنت أتوقع منه ذلك فكثيرا ما أسمعوني إياها أيام عجزي, دافعت عنك لمرة واحدة فحسب, فلم يذيقوني طعاما ثلاثة أيام كاملة و وضعوا بدله قطعا من الحصى و الحجارة في صحني, فإذا ما أحسست بالجوع يكاد يقتلني أخبروني أن طعامي قرب الفراش الذي أستلقي عليه عادة في المطبخ منذ أن وضعت الأيادي اللئيمة حدا لفرحي و سروري و أنا أحظى بالقرب منك و وأدت تلك الفرحة التي يشعر بها طفل صغير في أحضان أمه.
– أصوات تقترب, سأكون حذرا و أصمت قليلا, الملاعين إنهم يبتعدون, صديقتك زينب رأتني في الطريق و همست لي إنه يمكنني أن أغادر ذلك الجحيم, فما كان مني إلا أن أنتهز الكلمات الغبية التي تفوه بها ابن عمي البليد فصفعته على خده و أنا أشعر بثقة كبيرة و ذلك الإثم لن يعاودني و لن يتمكن أحد من النيل من أمي, سوف تملأني الثقة و تتبدد مشاعر الإخفاق و الضعف و الجبن, لم أشأ أن أرد على إساءة ابن عمي لئلا أغضب أبي فأنت تعلمين كم هو عزيز علي, أنفذ ما يرتضيه, كنت أحيا في بيت عمي فأطعمني من فضلات أبنائه و كساني من الملابس التي لم يعودوا راغبين بها, أرغمت على مساعدة زوجته و تنظيف المطبخ و غسل الأواني, أراك عابسة و أنت لا تحبذين الإساءة إلى ذوي القربى, كنت وحيدا, أخوالي غادر بعضهم و البعض الآخر أعدمته السلطات بعد ذهابك, هل تسمعين؟ أصوات جلبة تقترب, لم يخنك أحد من الأصدقاء كما توقعت. فعندما سافر أبي منح مفتاحه الخاص بمنزلنا إلى عمي الذي وضع آلة تصوير في غرفة الاستقبال فكيف أمكنهم أن يعرفوا المجتمعين من أصدقائك و يلقوا القبض عليهم؟ لقد حدثتني بهذا الأمر صديقتك أم كمال, وعدك عمي بأن يساعدك بالحصول على جواز السفر, لكنه لم يفعل و انقطع عن زيارتنا شهرين كاملين, كان يأتي أثناء وجودك في العمل إلى منزلنا و يفتش في أوراقك و يقرأ مذكراتك, أتذكرين عندما اتهمك بالعناد و أنك تتبعين أناسا أغبياء فأجبته بأنك وفية لهذه الأرض المعطاء.
في تلك الظهيرة يا أمي جاء بيتنا عدد غفير من الرجال, كنت عائدا لتوي من المدرسة, و ربطوني أولا, كمموا فاهي قبل أن تعودي من العمل, كيف حصلوا على المفتاح؟ و حين عدت وجدت المنزل و قد احتل فأخذت تبحثين عني, أمسكوا بك قيدوك ربطوك بالحبال و علقوك على بابنا و أنا أنظر مرعوبا, لم أكن أعرف لم لم يربطوا عيني, أدركت الجواب أخيرا لكي يزيدوا المشهد رعبا, جاء عمي أخيرا بعد أن غادرتنا
– ولدي يا ابن شقيقي
أردت أن أخبره أنه هو السبب, لكنه بادرني قائلا:
– كيف تجرؤ أمك على استقبال غرباء في منزلكم و أبوك غائب؟
– لم أكن أدري و أنا صغير كيف أرد, لكن الذي أعرفه جيدا أنك كنت تستقبلين أصدقاءك بوجودي و تتحدثون عن الوطن و الشعب و الحرية
– سأصمت قليلا, لست متعبا عادت إلي قوتي و فقهت أمورا كنت أجهل كنهها, في المدرسة لم يحدثني التلاميذ و المدرسون إلا باحترام فقد كانوا يقدرون أمي و يثقون بها, و تلك الكذبة المفتعلة التي تحاك خيوطها بالظلام لم تعد تنطلي على أحد فلم يعد الإنسان المواطن يصدق أن نساءنا المناضلات سيئات السمعة يستحقن القتل
بقيت يا أمي معلقة و قد كتب على الجدار قربك جملة هذه نهاية سيئات السلوك, و في طريق المدرسة في صباح يوم شديد البرد همست في أذني امرأة أكبر منك قليلا بأنك أشرف من الشرف و أنت خالدة في عقولنا و أفكارنا و حين عدت إلى المنزل لم أجد الجثمان معلقا, فحمدت الله و عرفت أن الناس الطيبين في بلدي و الذين ضحت لأجلهم والدتي قد وضعوا حدا لعذاباتي فدفنوا أمي.
أراك تبتسمين يا أمي كما عهدتك و لكن لأسمعك القصة كاملة بعد عشر سنين تذكر الأب أن له ابنا, طلب من عمي أن يسلم علي و أنه بانتظار أن أتخرج لكي أعينه على ضائقته المالية فهو متعب و يعاني من ألام الغربة, أعانتني الأسرة التي لجأت إليها في إيجاد عمل لي, اتصلت بالوالد
– لماذا لم تدافع عن أمي؟
– و هل عمك يكذب؟
– و لماذا تكون أمي الكاذبة؟
– انتبه يا ولدي أنت الآن رجل, أمك كانت ذكية جميلة مناضلة و غنية
– هل تدفعك هذه الصفات إلى التخلي عنها
– و هل أغضب أخي؟ و هو من رباك و علمك و أسكنك بيته, و ما يجديني هذا الموقف أخيرا و أمك ماتت و ارتاحت
– دافع عن ذكراها على الأقل
– أنا إنسان واقعي أؤمن بأن قدرات كل منا محدودة, هب أنني دافعت عن ذكرى أمك الآن؟ سوف أخسر بهذا الموقف الكثير من الأصدقاء كما أن السلطات التي أهادنها ستحاربني و أتمنى أن أعود إلى بلدي و أنا شخص غير مشكوك في ولائي.
– أدركت بعد هذه المكالمة يا أمي أنني يتيم الأب
– هيا, صديقي, تحدثنا مع أمهاتنا و سنخرج بحذر لئلا يرانا أحد فيهدون قبور أحبابنا كما فعلوا مع أناس عديدين
مشاركة منتدى
1 كانون الثاني (يناير) 2006, 01:32, بقلم امير عبد الحسين الخفاجي
"وتلك الايام نداولها بين الناس" قران كريم
لا اخفيكم ان هذه السطور التي قراتها هي من قبيل صميم الواقع وانها مراة شفافة عاكسة له بشكل متكامل فيما يتعلق بقضية تزييف العناوين والصاق التهم بمن لا يستحق ..
وطالما اخرج اليهود القديسة مريم العذراء من المعبد حينما نذرتها امها لله محررة لوجهه الكريم (( رب اني نذرت لك ما في بطني محررا ...) الخ الاية ..
فلصقوا بها التهم على انها جاءت امرا فريا وارادوا اقامة الحد عليها بانها امراة سيئة السمعة ..
تبا لهذا الظلم الذي ستضع السطوة الالهية له حدا يوما ما على يد المنتفضين على الظلم ..