الاثنين ٣١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

بين الحكومة الحالية والمعارضة الحالية

بدأ الأمر عندما سألني صديقي الصحفي الشاب ( محمد فوزي ) : " انت أيدولوجيتك ايه ؟ " .. أجبته فوراً بمنتهى العفوية : " مُعارض كأي مواطن يحترم نفسه " .. قلتها هكذا بالحرف .. ووجدته بعدها يثني على عبارتي ويمتدح موقفي هذا ..

فيما بعد وجدتُ الوقت الكافي كي أقف مع نفسي وأنظر لهذا الموقف نظرة متأملة بعض الشيء .. وجدتني – مرغماً – أشعر بنفورٍ غير محدد المصدر من عبارتي ؛ ومن الوضع كليةً ..

لماذا خرج مني الرد واثقاً عفوياً بمثل هذا الشكل ؟ ولماذا ( كأي مواطن يحترم نفسه ) ؟ .. ربما هو نوع من تأنيب الضمير لأني اتهمت أشخاصاً – بشكل غير مباشر ، ومن دون قصد – بعدم الاحترام .. أو ربما لأني أميل بطبعي إلى الصوت المعارض ..
أو ربما لوجود أوضاع أدت إلى ظهور المعارضة الحالية نفسها أصلاً !
فلنقل أنه مزيج من هذا كله ..

الجرائد التي أواظب عليها وأهتم بقراءتها مُعارضة .. وأغلب الكتاب الذين أقرأ لهم وأستمتع بكتاباتهم معارضين .. وكتاباتي – كإفراز طبيعي لهذا كله – تحمل مسحة معارضة واضحة ..

الكل ضد الحكومة - وهذا لا اعتراض مني عليه - .. في الشارع وعلى المقاهي وفي البيوت .. بل وفي الأماكن الحكومية نفسها سواء كانت مدارس أو هيئات أو شركات .. في كل مكان في مصر .. ربما لو دققت النظر إلى طوابير النمل لوجدتها تحمل لافتات مكتوب عليها بخط ( نملي ) عريض : " لا لتوريث الحكم " .

حسناً .. لست أعارض هذا كله ؛ فمن الصعب أن تعارض المعارضة .. لكني فقط سئمت ! .. سئمت ( أيدولوجية المعارضة ) التي تحولت الآن إلى نغمة ومهنة – تقريباً – احترفها البعض وبدأوا يتفننون فيها .. متجاهلين الغرض الأصلي من وجود المعارضة ..

جرائد المعارضة أصبحت تحوي مبالغات تسبب الغثيان .. - هي بالتأكيد أفضل من الجرائد القومية التي تسبب الشلل النصفي - .. لكن لهجة المعارضة فيها باتت قوية بشكلٍ زاد عن الحد .. وصار المعارضون ينتقدون أموراً بلغت مبلغاً من التفاهة كنت أعتقد أن وجوده مستحيل .. فإلي جانب انتقاد التعديل الدستوري الأخير – على سبيل المثال – تجد انتقاداً آخر لملبس المسئول الفلاني .. ولتصرف صغير تافه لا يستأهل التركيز عليه قام به المسئول العلاني ..
وكأنهم تحولوا فجأة إلى أعداء بغيضين نتحفز للنظر إليهم بغلّ رهيب إذا طالعناهم على شاشات التلفاز أو في صفحات الجرائد أو عند أي مناسبة .. والأمر ليس بهذه الشناعة ..

أرى أن أعارض فقط فيما أراه سيجدي ؛ ولأبتعد عن أي انطباعات خاصة تجاه هذا المسئول كشخص .. بعد ذلك من حقي بالطبع أن أقتل هذا المسئول ، كمسئول ، انتقاداً ومحاسبةً على أي خطأ - ولو تافه – ارتكبه ..

لكن تحولت المعارضة كما قلت سلفاً إلى هواية لذيذة لدى البعض .. وكدتُ أنجرف شخصياً في هذا ..

في الفن .. في السياسة .. في الأدب .. الخ .. تبصر بعض الصحفيين يترصدون لأمورٍ غريبة الشكل .. ويهجمون هجوماً حاداً .. ربما قد يستأهل الأمر هجوماً بالفعل ؛ لكن ليس بمثل هذا التهويل والعدوانية التي قد تؤدي إلى إحباطٍ تام .. وربما عناد وعدم الوصول إلى نتيجة ..

لستُ أدافع هنا عن الحكومة .. حاشَ لله أن أرتكب فحشاً كهذا!

فحكومةٌ تم في عهدها – وفي فترة قصيرة للغاية نسبياً – ما تم من كوارث كـ .. فاجعة غرق العبارة ، وإنفلونزا الطيور ، ومهازل انتخابات الرئاسة ، ومساخر انتخابات البرلمان ، وحوادث الفتنة الطائفية في الإسكندرية ، وتفجيرات دهب ، ونكبة القضاة ، واعتقال الصحفيين .. حكومة كهذه جديرة أن يفعل بها شعبها ما يشاء .. هذا إن كان للشعب القدرة على فعل شيء في هذه الأيام ..

لستُ أدافع عن الحكومة .. فعلى الجانب الآخر تجد أن الصحافة القومية وردية للغاية .. ساذجة للغاية .. وإن كانت تحاول أن تتسم بطابع المعارضة كي ترضي البعض .. ورأيي أن القارئ إن لم يُعد نفسه مسبقاً قبل قراءتها إلى أنه مقبل على شيء طريف لابد أن يضحكه - فوضعه سيكون في غاية السوء .. رغم احتواء الصحف القومية على كتّاب أحترمهم بشدة إلا أن اللهجة السائدة فيها مسببة للمرض .. وتمارس الضحك على الذقون بشكل مكشوف وصريح .. وربما وقح !
قد يجدر بي أن أتحدث عن سأمي من اللهجة الحكومية ما دامت بمثل هذا الشكل .. لكني لن أفعل ..

أنا أتحدث عن سأمي من لهجة المعارضة الزائدة لأنني أكره ذلك بحكم انتمائي لنفس الـ ( أيدولوجية ) المعارِضة .. وأرغب بوجود معارضة موضوعية تعبر عني ، ويتم هضمها بسهولة ، ويكون من الصعب أن يُبرز فيها الآخرون نقاط ضعف .. حتى يمكنها حينئذٍ أن تؤدي دورها كاملاً غير منقوص ..

لا أريد للمواطن المُعارض المسكين أن ينسحق بين قوتين ضاغطتين .. حكومة فاسدة ، ومعارضة مضللة ..
لا أريده أن يهرب من الجرائد القومية ليقرأ جرائد المعارضة ويبتسم بغير ارتياح خادعاً نفسه ويقول : أجل .. هذا يتفق مع ما أفكر فيه ..
يقولها مغلوباً على أمره .. يقولها لأنه لا يوجد لديه خيار ثالث ..
ليس معنى كلامي أن المعارضة قد وصلت لمرحلة كبيرة للغاية من التدهور .. لكن معناه أنها وصلت لمرحلة من التدهور ..
أرغب فقط أن يتم تنظيفها من بعض الشوائب ؛ واستئصال الانطباعات الخاصة منها .. وأن تُسقى جرعةً كبيرة من الموضوعية ..
وإن كانت بعض الكوارث – التي غدا وقوعها طبيعياً في هذه الفترة – تستفزنا وتدفعنا للغليان والرغبة في الانتقام من المسئولين بأي شكل .. فهذا أمرٌ طبيعي .. وسنحتمله بأي شكل .. وكل هذا سيمر بأي شكل ..

وبالنسبة لرأيي الشخصي : أرى أن هذا لن يدوم طويلاً .. فتأزم الموقف بمثل هذا الشكل الخانق ، وتفجر الأوضاع على اختلاف مجالاتها وملابساتها تبشر بالهدوء الذي سيأتي بإذن الله في وقتٍ قريب بعد هذا الصخب المفزع .

وأتفق مع د. علاء الأسواني عندما قال مؤخراً أن الأحداث الأخيرة أحدثت يقظة للشعب المصري نوعاً ما مقارنةً بما مضى .. بدليل تظاهرات الشباب الجريئة الدائمة ومواجهتهم لترسانات الأسلحة التي لم تثنهم عن موقفهم ..

أومن بذلك .. ومن يدري ؟ .. ربما يأتي الوقت الذي نسمح فيه للشاعر أن يثبت نظريته لما يقول : " ضاقت فلما استحكمت حلقاتها / فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج " دون أن نودعه مستشفى الخانكة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى