تأملات في لهيب الشعر
الشعر يحمل سيادة الجمالية في قوة انصرافه المتمكن بين اللأمتناهي من الواقع، الشعر إيمان مضيء بالمعرفة، الشعر يحطم كل الفوضى كي يبلغ أغراضه القيمية، يستأنف أبعاد الظل المقدر للصراع، كل الشواهد تقول أن آدم وجد نفسه أمام حواء، وحواء وجدت نفسها في أحضان آدم، ومن بعدهم اكتملت صيرورة الحياة، لذا الانسجام بينهم وضع لا نجاة منه، التشخيص في علاقة الرجل والمرأة، لابد أن تكون إنسانية حيوية تحمل الجمالية كي تسمو، المرأة والرجل دليل على الوهية الخالق وطبيعة الحياة، الضمنيّ في هذه العلاقة ايجابي، أما لولبيات الاعتقادات في المجتمع، منهج امتزج بالمناورات الحتمية، فكان التعويض النظام، منها جاءت تأملاتنا في لهيب الشعر.
الشاعرة فرات أسبر، وقصيدة (لا أشواق عندي أُطيرها) استخدمت نوع من الجدل للعثور على ما تبحث من مستقيم الفكر، عدتها جزء من التشابه المزود بترتيب التوالد الفكري، مفردات قصيدتها تتماوج بين المختصر والمشاع الواسع، تبدأ بكلمة " وحيدة " ثم تقوم بإصدار أوامر على مخلوق ضعيف، أن لا ينام، كي ترجع للغناء معه، لكن داخلها؛ هل هي تتشجع نفسها على غرس شيء من الحرية؟، لتعيد لجسدها حرارة الحياة!؟، بقولها:
وحيدةأومئ للطيرأن لا ينامأغني معهيا ذا الجناحرفرف في أقاصي الروح.
الشاعرة أسبر، إنها تسكب وحدتها في تواجد مبدأ انفعالي، هو أحد عناصر التحرك " يا ذا الجناح " تتعامل مع علة، علة الكون والإنسان، صفة الإيجاز في طلب منها أن" يرفرف في أقاصي الروح" هي بالضرورة أقوة من الطير، لكنها وحيدة، والوحدة تشعر الإنسان بالضعف، علَّها تخلق لنفسها جو من القدرة، بقولها:
لا أشواق عندي،أطيرهاالحمام، هاجر من فوق المدينةورأس بحجم مئذنةلا ينام.
الشاعرة فرات أسبر، أغراضها الكلية تحمل تشابه عنصري وكبير من التخيل المزود بالإحساس بالوحدة، العقل يملك مفاتيح التطلع، فلماذا لا تدخله مساحات أخرى، تلقيها من عالمها، واستخلصت ظواهر رمزها في تمثيل المعنى، بقولها:
لا حمام فوق المدينةهاجرت،من خضرتها الألوانقلبي تحت أدراجهاقلعة مسحورة،ينام فيها عنكبوت
ألشاعرة أسبر ذاتية ومتناهية في تذكر إرهاصات العبث، لغتها مشبوكة بثقل الحس الإبداعي في نقل الحركة وشواهد التغيير، بقولها:
يقطعني، زهرةلكنني، لا أعرف العطرغادرنييوم أخَلت دروبي المدينةالمواعيدلم يكن لها نوافذتمر القطارات عبر العيونالتواريخ مدن منسيةوالأحلام بيتنا المهجور.
الشاعرة فرات أسبر في قصيدة (لا عندي أحلام أطيرها) تضمنت أفكار حركية داخل محال القصد الجمال، وكأنها تدعو ضد التأثر والتأثير في هندسة الخوف، تجولتُ بيسرْ عَبرَ طموحاتها وأنشئت داء جديد هو العوم في البحث عن الأشياء، ورصد طرق الذكريات في بلاط الخيال والفكر والشعر.
الشاعر يحيى السماوي، وقصيدة (أين ستهربين من حبي) وقصيدة (حين تكونين معي)، يرسم خط الانسجام متكامل في سير القصيدة (أين ستهربين من حبي) حيث ثقته مشبعة برجولته، ومتشبثة بنفسه، يقرر لتلك المرأة مصيرها ولا يدع لها أي اختيار، غير تبعيته والانقياد له، بقوله:
لابدَّ في نهاية المطاف أن تكتشفيأنكِ تمشين على دربي!إنَّ الدروب كلها تفضي إلى قلبي!
الشاعر السماوي، يعود مؤكداً أن المرأة مهما ترتقي لن تتحمل الانسلاخ عن الرجل، خاصة وان تلك المرأة التي يخاطبها، لا محالة عائدة إليه، لا لشيء غير أنها تحبه وتعاند وتكابر فقط، رغم ذلك هي تعوم في فلك لولبه، بقوله:
سيدة النساء يا مسرفة الرعبلاتذعري إذا سمعتِ مرَّةًبعد منتصف الليل صوتاًيشبه النقر على الشباكِ. . .يحدث أحياناً إذا حاصرني الوجدوألقى جمرة السهاد في هُدبييهمس لي قلبي :قم بي لأطمئن أنَّ زهرة الريحانفي سريرها الرحبِ
أما في قصيدة (حين تكونين معي) يكون السماوي عزاءه الوحيد وجودها معه، وكأنه ينحت من رماد تنوره نار الشوق، ويبث الروح في غنج الوجد ولهيب الرغبة لها تتنازعه، المرأة عند السماوي تمثل له كل جمال يحيط حياته، بقوله:
حين تكونين معي
يبردُ جمر ال " آه "ويفرش الربيع ليسريره...قينثر الورد وسادتيشذاه ...وتنسج الضفاف ليثوباً من المياه...
الشاعر يحيى السماوي، تفيض قصيدته بصراخ مؤكداً شعوره بالغرق، رغم حضورها أو غيابه، لا يأسف على صوته الذي اعتلى كل قراراته سلفاً، ناسجاً في مخيلته للمرأة ألف حكاية وحكاية، يرغمها على طاعته لحضورها الدائم في وجدانه، تولعه الشديد به يدفعه للقول:
حين تكونين معييهرب من فصولنا الخريفترتدي ربى الروح المواويليقيم العشق مهرجانهفكل صب يلقى نجواه ...يطلُّ " قيس" راكباً جوادهوخلفه "ليلاه"و "عروة بن الورد" يأتيراكباً سحابة تقودها " عفراء "و " الضليلُ " يأتي شاهراً منديله.. *و " العامري " يلتقي " بثينة "
لم يترك الشاعر السماوي ثغرة من ثغرات الحب إلاَّ وزخرف وجودها بوجود حبيبته، ليقرب لها معاني الإلتحام الذي يرغبه حين تكون معه أو يكون معها، وسلسل لها تواريخ الحب وتاريخ جريان النهرين، وكل عمق يحمل التسامي في الحب، لا ينفك في توضيح كل الحالات التي تدفع لتفتح الحياة بوجودها معه، المرأة هي الحروف الهيلوغروفية عند السماوي، يستقطبها ويصفها يتميز جميل يريده، ولم يتقلص أمام المرأة بل يفترش العالم بالحلم مع المرأة، بقوله :
حين تكونين معيتفيق من سباتها الأمطاروتكشف الصدور عن أسرارهاوتعشب الأحجار...حين تكونين معيتخرج لي لؤلؤها البحاروتصبح الضحكة فانوساًيضيء الدار
ينحدر الشعر من حادث مشروط بالمستقبل والماضي واللحظة الآنية، وقدرة الإبداع عند الشاعر السماوي، تكمن في التفضيل المستقل للمضمون، عند إنشاء الصورة المتخيلة في فكره، شروطها إدراك أعمق نقطة يريد تجاوزها، ليس إنكاراً للحرية أنثاه أو استلابها شعورها، بل الإمساك بالعلة، والعمل على تسييسها حسب استشعاره بها، الشعر عند السماوي معالجة تتموسق في الإبداع لصيرورة الإحساس وخلق الحماس في المفردة، كي تتناغم في وجودها مع بعضها، لتشكل عالم القصيدة وتحيك نظرية التفوق في الإبداع والجمال في اللغة، الشاعرة فرات أسبر، لم تبتعد عن أفكار الشاعر يحيى السماوي، في طرح مذهب وجودها، أخذت بنفس القوة والرغبة التي يمتلكها السماوي، زرعت أشلاء أفكارها على نوافذ نفسها إختلاجاتها، فكانت قصيدتها (لا أشواق عندي أطيرها) بقوة قصيدة الشاعر يحيى وقصيدة (أين ستهربين من حبي) وقصيدة (حين تكونين معي) مما منحا تصاعد الشعر التسامح واللغوي كزهور رصت على سفح الجمال في المعنى المقصود والمراد ظهوره، بتشكيلات دلالية، تمايلت بين دفتي القصائد الثلاث بعمق وتسامي منتشر عبيره على أغصان المذاهب في لغة الشعر، وغسقها المزهر بالإبداع.