السبت ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١٨
شهادات عراقية في
بقلم رواء الجصاني

تاريخ اتحاد الطلاب العالمي (1979 – 1989)

بعد فترة وجيزة، وفي الرابع عشر من نيسان (ابريل) 2018 تحديدا تحلّ الذكرى السنوية السبعون لتأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام (1)... وتأتي هذه المادة مشاركة في الاحتفاء بتلك المناسبة اولا، ومن ثم – ثانياً- لالقاء بعض الاضواء على مسيرة ونضال الاتحاد، وممثليه في الخارج، والتضامنية منها بشكل رئيس، وفي ذلك كما نفترض: توثيق للتاريخ واستلهام للعبر، واستذكاراً للناشطين والمناضلين الطلاب والوطنيين عموما ..

والمادة هذه، تأرخة بشكل خاص لشاهد عيان، بل ومشارك في صميم الاحداث ذات الصلة، وعلى مدى ربع قرن على الاقل (1966-1986)(2) عن شؤون تخص العلاقة بين الاتحاد الطلابي العراقي، والاتحاد الطلابي العالمي. كما انها –المادة - تبين في الوقت مشتركات عديدة ومؤشرات مترافقة، تعطي صورة عامة لطبيعة وواقع العلاقات عموما بين المنظمات النقابية والديمقراطية العراقية، مع قريناتها العالمية، (اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، اتحاد النساء العالمي، اتحاد الصحفيين العالمي، اتحاد النقابات العالمي...) مع تمايزات بالتأكيد هنا وهناك، وفي تلكم الفترة الزمنية عن غيرها، مع اهمية التنويه ايضا الى الدور الذاتي، المؤثر بهذا القدر او ذلك، في مجريات ومسارات ماحدث، في المكان والزمان المعنيين..

ونعود الى جوهر المادة / التأرخة كما يوجز ذلك عنوانها الرئيس، فنقول ان اتحاد الطلاب العالمي تأسس عام 1946 متخذا من براغ، العاصمة التشيكية مقرا له (3).. وتأسس اتحاد الطلبة العراقي العام عام 1948 وفي تلك الاعوام بدأت الصلات والعلاقات بين الاطاريين، وباشكال ومستويات شتى كما سيرد في الحديث اللاحق. ومن البديهي ان يجري الربط هنا بشأن تأثير ودور تأسيس الاتحاد العالمي على انبثاق/ تأسيس الاتحاد العراقي...

ولأن هذا التوثيق ليس شاملاً، بل محدودا كما سبقت الاشارة، عن سنوات عشر فحسب، وهي الفترة التي كنت فيها شاهدا، ومتابعا لتلك العلاقات بين التنظيمين الطلابيين: العراقي، والعالمي، لذلك ستتحدد الوقائع والتفاصيل بتلك الفترة، وعسى ان تتكامل باضافات وتوثيقات اخرى، وخاصة من المعنيين، وذوي الصلة بالأمر اساسا..

ومن المهم – بزعمي – ان لتلك الاعوام العشرة (1979-1989 ) التي سنوثق لها، مؤشرين مهمين بشكل رئيس: الاول هو ما يخص الاتحاد الطلابي العراقي عام 1979 واعني به الغاء تجميد عمله الذي أتخذ عام 1974 (4)... اما المؤشر الثاني، فهو ما يخص الاتحاد العالمي عام 1989 والمقصود هنا التحولات التي شهدتها بلدان شرق اوربا (الاشتراكية) والاتحاد السوفيتي بشكل اهم، وانعكاسات ذلك على وضع الاتحاد، وبداية انتهاء فعالياته ونشاطاته، وتأثيره، عمليا، وان بقي منه ما بقي بشكل او اخر الى اليوم، ولكن بتفاوت كبير..

لقد بدأت في ربيع عام 1979 التهيئة السياسية والتنظيمية لالغاء تجميد عمل اتحاد الطلبة العام، والمنظمات الديمقراطية الاخرى، بعد خمسة اعوام من تعليق نشاطاتها.. وقد ارتهن قرار التجميد، وكذلك الغاؤه – كما هو معروف عند المتابعين والمؤرخين- بوقائع ورواهن الاوضاع في العراق في ظل نظام البعث الحاكم، وقيام الجبهة الوطنية بينه والحزب الشيوعي، ثم انفراطها، وترسخ الاجراءات القمعية والارهابية في البلاد، وسياسة الحروب والعدوان الهوجاء..

وهكذا تم اتخاذ خطوات عملية بذلك الاتجاه، ونعني الغاء قرار التجميد، وقد جرى ابلاغ اتحاد الطلاب العالمي بالأمر عبر مذكرة تفصيلية رسمية قدمت الى سكرتاريته في براغ، من ممثلي الاتحاد في الخارج.. ثم توالت الاجراءات ذات الصلة على هذا الصعيد، ومن بينها اعادة ما جرى التمكن منه داخل البلاد المباحة، وفي المناطق الكردية العراقية، وكذلك في الخارج، حيث اعادت الجمعيات والروابط الطلابية العراقية خارج الوطن، وفي نحو عشرين بلدا، نشاطاتها عبر مؤتمرات استثنائية عقدت لذلك الغرض. وقد ترافق ذلك ايضا مع احياء عمل لجنة التنسيق، في براغ، المعنية بمتابعة عمل ونشاطات تلك الجمعيات والروابط،، وتتويج ذلك بانعقاد الكونفرنس التاسع لها في احدى ضواحي العاصمة التشيكية، وباستضافة قسم / مجلس الطلبة في اتحاد الشبيبية الاشتراكي، وبمشاركة حيوية لممثلي اكثر من خمس عشرة جمعية ورابطة طلابية عراقية في اوربا وخارجها، ومن بينها في سوريا ولبنان...

وفي عام 1979 انعقد في براغ - اجتماع اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلاب العالمي، وقد شارك فيه وفد باسم سكرتارية اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية - وسنصطلح عليه، اختصارا، في القادم من السطور بتعبير" اتحادنا" .. ونشطَ لاستعادة عضويته والتواصل مع المنظمات الطلابية في مختلف ارجاء العالم، الذي حضر ممثلوها الى الاجتماع آنف الذكر. مع الاشارة هنا الى ان وفد السلطة البعثية العراقية - وكان قد "أحتل" مقعدنا في اللجنة التنفيذية للاتحاد العالمي، بعد تجميد عملنا - قد حاول جاهدا، ولكن دون جدوى، ارجاء، وعرقلة الاعلان الرسمي لعودة اتحادنا .. وقد تم في السنة التالية، وخلال المؤتمر الثاني عشر للاتحاد العالمي الذي انعقد ببرلين الشرقية، عاصمة جمهورية المانيا الديمقراطية في حينها، ليس تثبيت عودة اتحادنا للعمل والنشاط، بل - وذلك امر مهم ومؤثر- تنحية اتحاد طلبة السلطة البعثية من عضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد العالمي.

وفي ضوء مجريات اجتماع براغ، ومؤتمر برلين آنفي الذكر، واستعادة عضويتنا، استمر نشاط اتحادنا في فعاليات الاتحاد العالمي، ومؤتمراته وندواته المتخصصة، في مقره، وعواصم ومدن عالمية مختلفة، وان بظروف ضاغطة ليس من جهة اتحاد طلبة السلطة البعثية وحسب، بل وحتى من اتحادات طلابية عربية، ومن بلدان اخرى، بينها "أشتراكية" . وكل ذلك بسبب التوجهات السياسية، ومحاولة مغازلة النظام العراقي، المحسوب سياسيا – وفق مفاهيم ذلك الزمان – من انظمة التوجه اللارأسمالي، وحركات التحرر المعادية للامبريالية، وغيرها من مواصفات وتوصيفات. دعوا عنكم ماكان يقدمه الاتحاد السلطوي (واسمه الرسمي الاتحاد الوطني لطلبة العراق) من دعومات مالية للاتحاد العالمي، اضافة الى "مساعداته" العينية والمالية للاتحادات "الشقيقة" و"الصديقة"..

وفي السياق السابق ذاته، تتوجب الاشارة ولو سريعا هنا الى ان الاتحاد البعثي العراقي، كان يسعى بل ويمارس ضغوطات اخرى لتحريك وشراء (منظمات) طلابية اخرى، خارج اطار اتحاد الطلابي العالمي، بل سعى لدعم ما عرف في حينها بـ (رابطة طلاب اسيا) وحتى تشكيل اطار طلابي دولي آخر يضم ويقود منظمات طلبة بلدان عدم الانحياز، ومختصر اسمه (كوسك) بدفع ودعم مالي واعلامي من قبل اللسلطة العراقية البعثية واتحادها الطلابي..وقد كان ذلك ما أقلق وظل يقلق الاتحاد العالمي، وهو امر استخدم ايضا في محاولات الـ ( الاشقاء) و(الاصدقاء) للضغط على اتحادنا بل وابتزازه حتى، من خلال دعوتنا لعدم الالحاح على ادانة الاوضاع الارهابية في العراق، ولا اعلاء التضامن مع طلبته وشعبه، خوفا واحترازا من اندفاع اكبر للاتحاد البعثي العراقي نحو شق الحركة الطلالبية العالمية.. وبمعنى أدق كانت ثمة مراهنة على مواقفنا وتوجهاتنا الاممية !!.

وارتباطا مع ما تقدم فقد كان هناك جهد مستمر، بقدر ما تسمح به الظروف طبعا، ان تجري"موازنة" في علاقة اتحاد الطلابي العالمي مع الاتحاديين العراقيين العضوين: اتحادنا، والاتحاد البعثي. ولا بد من القول هنا ان كل ذلك - بل وعموم نشاطات وتوجهات الاتحاد العالمي – كانت تُتخذ في الاخير بما ينسجم ورأي ومفاهيم "الاشقاء الكبار" وهي التسمية التي كانت تطلق سرا وعلنا ، على مجلس الطلبة في اتحاد الشباب الشيوعي السوفياتي (الكومسمول) مع حاشيته المتمثلة بالمنظمات الطلابية في بلدان (المعسكر) الاشتراكي السابق، وغيرهم من المنظمات الشقيقة والصديقة الاخرى ...مع اختلاف هنا وأخر هناك في الاجراءات، وليس في المضامين، اغلب الاحيان.

لقد عانينا خلال مهماتنا ونشاطاتنا في العلاقة مع سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، وفي انشطته وفعالياته التنظيمية، والتخصصية السياسية منها والمهنية (ندوات حرية وديمقراطية التعليم، التضامن الطلابي الاممي ....) أقول لقد عانينا من تلك المواقف والمفاهيم التي سادت لدى (الاشقاء الكبار) لسنوات مديدة، ودون تحقيق ادانات واضحة، ومنتناسبة مع ما جرى وكان يجري في العراق خلال الاعوام العشرة التي نتابع حقبتها هنا (1979- 1989) من ارهاب وعسف واضطهاد وحروب .. ولولا (بعض) التشدد والاصرار من جهتنــــا، لربما كان الاتحاد البعثي بقي في قيادات الاتحاد العالمي، بل ولكان قد خُطبَ ودهّ اكثر فأكثر بأن يجرى تنظيم فعاليات عالميـــة في بغداد، ولربما جرى حتى التضامن معه ايضا، فمن يدري!!.

من المؤكد وكما سبق القول في الفقرات السابقة، وتوضيحاتها في هوامش هذه التأرخة، ان ما سادَ وكان يسودُ في اتحاد الطلاب العالمي وكذلك في الاتحادات والاطر العالمية الاخرى (اتحاد النساء العالمي ومركزه برلين، اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، ومقره بودابست، اتحاد النقابات العالمي، ومقره براغ .... وغيرها) كان يستند الى سياسة وتوجه مركزي واحد، من الاشقاء الكبار في في موسكو، وسياسة حزبهم الشيوعي، ودولتهم الرسمية: قناعة ومفاهيم، او مصالح وما بينها. منوهين من جديد الى وجود تباين حيناً نحو التشدد من بعض المنظمات المتنفذة في قيادة اتحاد الطلاب العالمي، وبعض التساهل النسبي حيناً آخر، وربما بحسب اتفاقات باطنية، وتوزيع للادوار بينهم احيانا.. اما المنظمات الاخرى الممثلة في سكرتارية الاتحاد العالمي فهي تميل عموما الى مواقف الكبار، فهم الممولون، وبايديهم القرار الاول والاخير، وايضا مع بعض الاستثناءات، وسواء منها السياسية او الاجرائية...

وعلى اية حال فقد تم بُذل ما كان بالمستطاع في اعلاء صوت التضامن مع نضالات طلبة العراق وشعبهم ضد الكتاتورية والحرب، من خلال النداءات المشتركة وحملات التضامن خلال اجتماعات ومؤتمرات اتحاد الطلاب العالمي، وندواته وفعالياته المختلفة، في عشرات العاصم والمدن العربية والاوربية وغيرها، وكذلك من خلال نشراتنا ومطبوعاتنا الدورية المستمرة في الاصدار والتوزيع وبلغات رئيسية ثلاث على الاقل : العربية والانجليزية، والاسبانية وابرزها نشرة "طلاب العراق" .. ذلك فضلا عما كانت تقوم به الجمعيات والروابط الطلابية ( فروع اتحادنا في الخارج) ولجنة التنسيق بينها ومقرها براغ، من تأثير وفعاليات اعلامية وتضامنية وغيرها خلال علاقاتها الثنائية، والمشتركة والعامة في البلدان التي تنشط فيها (5).

ولعل من المناسب ان نشير ايضا الى ان ما تحقق من مواقف تضامنية مع اتحادنا وطلبتنا وشعبنا، وهي ليست قليلة بالتأكيد، قد تطلب مناورة هنا، بل ومساومة هناك، وفق الظروف السياسية التي كانت تسود، وهي من الضرورات لمن يعرف بواطن و"مطابخ" صنع القرارات، وكنا نلجأ الى مثل تلك "الضرورات" بهدف اختراق حواجز الصمت العربية والاممية الرسمية، ولو بحدود ما، وقد تجرعنا العديد من تلك الاضطرارات على مضض، بهدف تحقيق الممكن..

وللموضوعيىة ينبغي القول ايضا ان سكرتارية الاتحاد العالمي، جهدت في نفس الوقت في تمكين ممثلينا ومندوبينا من المشاركة في مختلف الفعاليات الطلابية التي جرى تنظيمها، مع الحرص على (التوازن!) الذي كانت تتبناه بين مشاركاتنا من جهة، ومشاركات اتحاد السلطة الطلابي البعثي من جهة اخرى.

لقد كان الامر ثقيلا بل ومحزناَ، علينا، وجماهير طلبتنا وشعبنا، وخاصة عند المقارنة بين ما قام به اتحاد الطلاب العالمي، والمنظمات الدولية القرينة الاخرى بعيّد انقلاب البعث الاول في العراق عام 1963 من فعاليات تضامنية ذات صيت وفعل استثنائيين، في التضامن مع طلبة وشعب العراق ضد القمع والارهاب التي سادت البلاد بعد ذلك الانقلاب الاسود المشؤوم .. ذلك وبايجاز كبير بعض ما كان خلال الاعوام العشرة التي نعنيها (1979-1989) وقد نعود للتفاصيل في اوقات لاحقة !.

هوامش وإحالات، وتفاصيل:

(*) الكاتب شغل عضوية سكرتارية اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، في بغداد مطلع السبعينات الماضية، ومثّـل الاتحاد لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، ومقرها في براغ للفترة 1979- 1986.. كما انتخب سكرتيرا عاما للجنة التسيق بين الجمعيات والروابط الطلابية (فروع الاتحاد) خارج الوطن خلال لفترة ذاتها..

1/ انعقد المؤتمر التاسيسي للاتحاد في ساحة السباع ببغداد، باسم اتحاد الطلبة العراقي العام، وتغير اسمه بعد اسقاط النظام الملكي عام 1958 الى اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. ثم، وبعد التحولات في العراق عام 2003 تغير اسمه مرة جديدة وحتى اليوم الى: اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق...

2/ للمزيد من التفاصيل بشأن الفقرة هذا، يمكن الاطلاع على مادة للكاتب، نشرت على مواقع اعلامية عديدة، بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر السباع الخالد، التى صادفت في 14 نيسان 2008 وعنوانها: " شهادات ومشاركات واسماء، في حركة طلابية مجيدة".

3/ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدء الحرب الباردة، تشكلت العديد من المنظمات العالمية، بدعم من البلدان الاشتركية، وعلى اساس مبادئ التضامن والتنسيق بين تيارات/ اطراف ثلاثة هي: حركات التحرر الوطني في اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، والمنظمات والتيارات اليسارية – الديمقراطية في البلدان الراسمالية، والبلدان الاشتراكية...

4/ جرى اتخاذ قرار التجميد، لظروف سياسية، والتفاؤل بما عرفَ حينئذ: الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، بين حزب البعث الحاكم، والحزب الشيوعي العراقي، ومنعا لانهيار الجبهة، بعد الضغوط والتهديدات البعثية.. وللموضوع تفاصيل عديدة، ولكن من المهم ان اتحاد الطلبة العام لم يجمد نشاطاته ويحل هيئاته فحسب، بل وتنحى ايضا عن مركزه في سكرتارية وادارة الاتحاد العالمي ببراغ، وقرر سحب ممثله هناك.

5/ للمزيد عن تلك الجمعيات والروابط المناضلة، هناك تأرخة منشورة لنا على شبكة الانترنيت بتاريخ 2011.4.14 تحت عنوان "جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003...ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب"..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى