الأحد ١٧ أيار (مايو) ٢٠٢٠
بقلم سماح خليفة

تجربة الكتابة الروائية النسائية

يتناول هذا المقال بإيجاز وبشكل مبسط رأي الكاتبة في تجربة الرواية النسائية في الوطن العربي من خلال الاطلاع على بعض الأبحاث التي ناقشت بعض الروايات العربية من زوايا مختلفة، سيما الروايات التالية: "ماميلا" لميرفت جمعة، "آخر الأبواب الموصدة" لابتسام أبو ميالة، "حياة ممكنة" لإسراء عيسى، "يا ليته يعلم" لراما الرمحي، "الحفيدة الامريكية" لأنعام كججي، "برج اللقلق" لديمة السمان، "عروس المطر" لبثينة عيسى، "نسيان.com" لأحلام مستغانمي، "جنة لم تسقط تفاحتها" لثورة حوامدة، "موتان وحياة" لرولا عرفات، "عين المرآة" لليانة بدر، "طوق الحمام" لرجاء العالم.
لا شك أن الأدب الروائي النسوي فرض حضوره ووجوده على الساحة الأدبية، نتيجة تراكم نتاجات المرأة العربية في مجال الكتابة الإبداعية، بغض النظر عن كيفية التعامل معه ومدى تقبله بمعزل عن أدب الرجل أو موازيا له.

وباطلاع الكاتبة على هذه الأبحاث والروايات التي تناولتها، ترى أن السرد النسوي في هذه الروايات لا يكتسب قيمته من كونه خطابا أنثويا، يسلط الضوء على قضايا المرأة، أو يسعى إلى القطعية مع الوضعيات التي طالما همشتها، وعدتها كائنا ناقصا وحسب، بل أيضا لأنه يقدم سرديات بديلة لنسق السلطة المهيمنة، وما تفرضه من استعمالات ذكورية للغة والثقافة.

كما وجدت الكاتبة من خلال اطلاعها على الأبحاث، أنها تشترك في بعض الجوانب والنتائج التي خلصت إليها، والتي من أهمها:

استطاعت الكاتبة العربية الخروج من دائرة الرجل وسطوته الذكورية، من خلال الاتجاه إلى تشكيل خطاب نسوي، لا يمكن تقييده فكريا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو حتى لغويا.
منح قضايا المرأة في المجتمع العربي مساحة واسعة في الرواية، وإضفاء الأهمية عليها من خلال جعلها مادة للحديث والنقاش فيها.

حضور الرجل في الرواية العربية من خلال تناول صور له من زوايا مختلفة، الرجل الأبوي السلطوي المعيق لتطورها، والرجل الحنون المحب المساند للمرأة.

التطرق إلى قضية اضطهاد المرأة سواء كان بشكل واسع أو مقتضب، إلا أن تناول هذا الموضوع كان لافتا.

تقاطع جميع الروايات في العروج على قضية الحب عند المرأة، والتي أضفت نكهة مميزة لأحداث الرواية، ومست الشغف الفطري لدى الإنسان بانجذابه للجنس الآخر، لتحقيق الكمال الذي يتحقق بالذكر والأنثى على حد سواء.

حضور المكان بشكل لافت، مما عكس هوية الكاتبة العربية ورسخ قيمها الحضارية والتاريخية.

كسر التابوهات المحرمة على الكاتبة العربية واختراقها بكل جرأة وثقة.

إضافة إلى ذلك ترى الكاتبة أن بعض هذه الروايات موضوع البحث مثل رواية "جنة لم تسقط تفاحتها" لثورة حوامدة، قد انفردت في تناول مواضيع مهمة عن غيرها، ومثال ذلك:

هوية فلسطينيي الداخل والمشاكل التي يعانون منها في إشكالية الهوية بين الفلسطينية والإسرائيلية، وأيضا تناول موضوع "الآخر" "الصهيوني" من وجهة نظر جديدة فريدة لم تتطرق إليها من قبل الرواية النسوية بشكل خاص والرواية العربية بشكل عام. إضافة إلى حضور المرأة اللافت تاريخيا منذ العهد العثماني مرورا في تاريخ فلسطين المتلاحق، كما في رواية "برج اللقلق" لديمة السمان.

ولكن من خلال اطلاع الباحثة على الأبحاث التي تناولت هذه الروايات، وجدت تأثيرا مسبقا لمصطلح "الأدب النسوي" وما أُلصق به من خصوصية تتعلق بقضايا التنمر الذكوري السلطوي ومعاناة المرأة واضطهادها، على القضايا التي تناولها الباحثون، وتحيزهم اللاشعوري ربما لتلك القضايا من خلال انزياحهم لقضية اضطهاد المرأة وضعفها واستلابها، عن القضية الأساسية موضوع البحث، في حين لم يتنبهوا أو أغفلوا قضايا في غاية الأهمية والجمالية، كان من الممكن إفراد مساحة واسعة لها بإمكانها أن تميز نتاج الكاتبة العربية وتبرزها بشكل أكبر، مثال ذلك فلسفة الحياة والوجود والروحانية التي سمت إليها المرأة الكاتبة ونأيها عن المواضيع الكلاسيكية التي حشرها الأدب النسوي فيها، من خضوع وضعف واستكانة، كما في رواية "ماميلا" لميرفت جمعة. إضافة إلى قدرة المرأة على الوصول إلى مناصب حساسة ودورها في مقاومة الإرهاب وانخراطها في هذه التجربة، كما في رواية "الحفيدة الأمريكية" لأنعام كججي.

ومن هذا المنطلق ومن وجهة نظر الكاتبة لم يستطع الباحثون أن ينظروا إلى النص مجردا والحكم على الخطاب الأدبي بإنصاف، دون النظر إلى كاتبته الأنثى، وهذا برأي الكاتبة كان مجحفا بحق الخطاب الروائي وصاحبته، ولم يكن ذلك يتفاقم إلا من خلال التركيز على مصطلح "النسوية/النسائية" ولفت الأنظار إليه؛ ليتأثر بذلك موقف الباحث في بحثه.

إلا أن حصول بعض هذه الروايات العربية المذكورة أعلاه (برج القلق لديمة السمان، جنة لم تسقط تفاحتها لثورة حوامدة وغيرها) على جوائز أدبية يؤكد قدرة المرأة الإبداعية، لتكون ندا للروائي الرجل، بل وتتفوق عليه ولكن دون أن تسمح بحشرها في زاوية مصطلح "الأدب النسوي" أو أي مسمى يقيد إبداعها، ويسقطها في شراك المسميات التي تناقض مطالبها عبر العصور بالعدالة والمساواة؛ لأن ما تقدمه الكاتبة العربية من مادة أدبية غنية ثرية بالقضايا المتنوعة واللغة والأسلوب يجعلها قادرة على شق طريقها وفرض سيادتها الأدبية الإبداعية التي تُخضع القراء والنقاد طواعية تحت مظلتها الإبداعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى