الاثنين ١٢ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم سعيد بلمبخوت

تغريدة «1»

أن استرجع القليل من الذكريات، كانت غاية في نفسي، لكن لا بد أن ابحث لي عن مكان هادئ. كانت لحظة للهروب من زحمة وضجيج المدينة. والمكان الطبيعي وجدته مابين النهر والهضاب المجاورة لمسقط راسي، لعل تلك المشاهد توقظ شريط ذكرياتي الطفولية وتوضح لي الصورة بشكل هائل كما تمنيت. مدة يسيرة تكفي وتشعر بالاطمئنان في هدا المكان، وان كان النهر لم يبق كما الفته طفولتي بدلك الرونق بسبب العبث بمجراه الطبيعي إلا أن التضاريس لا زالت على حالها، وتصورتني دلك الطفل يركض بين الأشجار بعد أن قطع مجرى النهر سباحة في مياهه النقية التي اخدت كل وقتها للوصول من الجبال العالية البعيدة إلى هدا المكان، هدا المكان ألذي أصفه يجب التمرغ في ترابه والمشي حافي القدمين في أرجائه لتحس بذكرياته الجميلة.

جاء دلك الطائر، الهدوء والسكينة لم تدم مدة أكثر ما تمنيت . يحوم من فوقي دون المجازفة للاقتراب أكثر من اللازم، يصدر سيمفونيته ويتفنن في تغريدها، يهدا لفترة تم يصدح بتغريدة أخرى، كأنه يريد مخاطبتي، تم ينسحب بعيدا. أثناء اللحظات التي يغيب فيها الطائر أحسست بشيء من النعاس يراودني، وأنا بكل شوق كنت أسعى إلى استرجاع قسط من ذكرياتي. إن شريط ذكرياتي الطفولية يحتاج إلى الكثير من العناية لربط الأحداث في هده المدة المتاحة قبل أن ارجع إلى صخب المدينة...

يؤسفني جهل لغة الطيور لكي أتجاوب مع هدا الكائن اللطيف كلما ألح في الصراخ والاقتراب...
وفي لحظة ظننت أني بدأت افهم ما يريد قوله دلك الطائر الجميل. إنها عبارات صادقة في غاية من الأهمية تصدر من حنجرته وفيها الكثير من الحزن، لكنه بكل فخر يؤكد شهامته بعزة نفس..
أنا دلك الطائر ما بين الشرق والغرب، أنا دلك الطائر لم يهدا لي بال. تعبت في طريقي إلى هنا، تعبت من نار الحرب... تأسفت لمشهد الحدود بين إخوان لا تفصل بينهم اللغة والدين... رأيت في طريقي طغاة مدفونين... رأيت شعوبا من كثرة الظلم تصيح... خرج المستعمر واستمر العبث...

استمر في ألحكي وقلبي يتألم مما يقول الطائر الجميل. انأ الذي أتى إلى هنا من اجل استرجاع شريط الذكريات الجميلة أمام هدا المخلوق الجريح القلب.

أيها الطائر الحائر... تمهل،
انظر لحظة... نحو ألأسفل،
انظر إلى عالمنا هدا... غريب !
ما بالك لا تبالي...العدو قريب.
أيها الطائر الجميل، تفكر...
توجه بحذر إلى ألأسفل،
انه عالم في غاية من الفوضى.
لا تدنو اكتر،فرصتك لكي تبقى.
انزل لتستنشق عبير التراب،
تفكر إنها ارضي وأرضك،
أمك تسمع غرد بأعلى صوتك،
هل ما زلت لنبراتها تتذكر؟
أيها الطائر الحائر، تمهل
إلى ألأسفل، لحظة، انظر...
أمك كعادتها لا تزال تنتظر.
بحنان، بين جناحيها المستقر.
خد نفسك أيها الطائر
عشك ما يزال في الغصن،
لعزة النفس بالقليل نقتات،
مع الأحبة نسترجع الذكريات.

لم أقو على الرد عليه لأحكي له بدوري همومي، لان كل ما قال له لي كنت أشاهده مباشرة على الفضائيات، في زمن أصبح فيه العالم عبارة عن قرية صغيرة. وأنا، أرجو أن تسعفني هاهنا قريتي، للاستمتاع بشريط ذكرياتي بعيدا عن صخب المدينة.

استمر الطائر الجميل في الكلام، وكلما اقترب اتضح الصوت، وكذلك الصورة إلى أن صحوت من غفوتي ونهضت مذعورا.

يبتعد الطائر الجميل’ أرفع نظري إلى فوق. أرى عش الطائر. وفي هده اللحظة بدأت أدرك لغة الطيور ... وأدركت انه حان وقت العودة إلى صخب المدينة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى