ثرثرة في حقبة الهزيمة
بعيد 1957 ، ومنذ حرب الـ ستة أيام، نما شعور قوي لدى جيل كتاب تلك الحقبة، اتجه الشعور في البداية، لمقاومة النموذج المحتذى. إحساس عام مشترك، يخالج الضمير العربي.وفعلاً، انتفض ضد الطرق القديمة المركون إليها في أدب مخدر،يومذاك، انبرى لويس عوض يعلن:" نتحدث كثيراً ونفكر قليلاً".
وقيل يوم ذاك، إن رد فعل عنيف، قد ترعرع في الأوساط الأدبية
مقابل الهذيان الداخلي، وهذه الظاهرة موحية بالأصالة،ومنادية بسياسة النعامة...وما هي إلا خدعة باطلة، لاتخفي سوى المرارة.
وإنه لتيار مضلل ذلك الذي ينادي بقطع الصلة بالمثاقفة: اكتشف الكاتب العربي هذه الحقيقة، يوم أعلن أن لم يبق لديه وقت للكتابة، وإنما للتفكير أولاً.
ساهمت الكآبة بعد ذلك، في تحريك الشبان الغاضبين، أمثال جماال الغيطاني،أحمد هاشم الشريف،ماجد طوبيا، وفي تحريك الكتاب من غير الشباب، أمثال نجيب محفوظ، يوسف إدريس، فتحي غانم، عبد الرحمن الشرقاوي، أو توفيق الحكيم... يبدو التحرر
في الشكل لدى نجيب محفوظ في التركة، وقد كتب عند نشر عمله هذا أن المحدثين نجحوا في تكسير وحدة المكان ووحدة الحوار. أكثر من ذلك، تم إخضاع المضمون لثورة جذرية.
يرى البعض أن لابد من تحديد كل من مستوى الشاعر محمود درويش، ومستوى الجمهور؛ لكن، من يستطيع التشكيك أو التأكيد أن الوضع الشخصي ما هو إلا حالة تتلبس المبدع والمتلقي معاً،و بالتالي، فالوضع في عمقه اللحظي ما هو إلا عرضي؟ أي ما زالت هناك سلطة الإلقاء، وسلطة اللقاء، الموروثتين عن أسواق الشعر القديمة.
إلا أن إبداعات ما بعد النكسة تميزت بتنحية بنيتين: إحداهما تلك التي تعتمد على الماضي التأريخي ـ حالة مجتمع يقدس ما قبل سنة 1967من رموز قائمة على رأس السلطة، ويعدها المثل الأعلى الذي لا يخطئ، و من ثم، لا ينبغي محاسبته، بل يفترض دائماً في مثل هذه الأحوال وجود خونة، ومتآمرين على الرمز المؤله، وطبقة الشباب الرافضين الذين عبروا عما طبقه لويس عوض في الشعر.
الصعوبة تكمن في تصور الطبيعة الازدواجية للعلاقة بين المبدع والجمهور، وهي لم تعد تستند على أحكام قيمة أكثر من نزوعها نحو التجريب.ولا يعني ذلك سلبها من الطابع التأملي. فالعبقرية التي كانت قد أوجدت المتنبي وابن زيدون ليست هي نفسها الباقية اجتماعياً إلى الآن، لتنجب أمثال صلاح عبد الصبور، ومحمود درويش، وغيرهما.