جماليات الخريف
الخريف فصل القراءة الشبيه بوجبة شهية دافئة، رائحته أجدها قوية بين أوراق الكتب، بذهول أشاهد خطواته، بدافع الرغبة في التخلص من الكسل الصيفي، واستئناف النظر إلى السماء العالية، سماء الشعر.
الخريف احتفاء بالألوان بدل الأضواء، إنه يشبه طقس مارتن هيدغر كل صباح؛ قراءة الصحيفة، ومحاولة فهم الزمن في أفقه
الفيمينولوجي. الخريف إعلان عن عودة الإنسان إلى المكان بدل الإقامة الفوضوية في المتخيل الرقمي، وتمظهرا للهوية الإنسانية بعد ان فقدت جدواها بفعل المكر الإيدولوجي.
لا إميل إلى الرأي القائل إن الصيف من نصيب عشاق الكسل والملذات. العاطفيون يختارون الربيع، والشتاء فصل عشاق الحروب الداخلية، الخريف - في تقديري- فصل واقعي يجسد الاكتمال الأنطلوجي، وربما لهذا السبب نجد اجمل المباريات الكروية في هذا الفصل(على سبيل المثال المقابلة المرتقبة بشغف بين مانشستر يونايتد ضد وست هام يونايتد).
في الخريف نصبح اقل سنا ونحلم ببدايات جديدة، كما لو كان مرآة لإرادة الذات. يمنحني هذا التأويل فرصة لأخوض سباقا، لا أتنافس فيه مع أي شخص، اركض لوحدي كي افوز، على ماكنت عليه.
ينبغي نسيان عبارة" إنه الخريف" الحاملة لأوصاف سلبية، لا تلتفت إلى جماليات الخريف بوصفه نهاية الجلبة، وفرحة الأرض بإستعادة الهواء النقي، والرياح الصافية. الأرض تستعيد نظافتها بعد رحيل مدمري الحياة، في الطرقات ينمو العشب، فرحا بتوقف خطى الكثل البشرية الصلبة.
في الخريف قدمت أسطورة الجاز "إيلا فيتزجيرالد Ella Fitzgerald" اجمل اغانيها عبر مقاماتها الصوتية الشبيهة برياح فرجينيا، في الخريف اسعدنا الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس Míkis Theodorákis، برائعته" رقصة زوربا" المأخودة عن التحفة السردية" زوربا اليوناني" للمعلم نيكوس كازانتزاكيس، ليتحول العمل الفني الموسيقي إلى هوية يونانية ببصمات إنسانية رفيعة، لكن للأسف لا احد يتذكر ذلك، ونكتفي بالقول: إنه الخريف.