حوار مع الأديب الفلسطيني سلمان ناطور
عندما التقيت بالكاتب والأديب، سلمان ناطور، (62 عاما)، ابن دالية الكرمل في منزله، عصر الثلاثاء، حيث كان الطقس ضبابيا وباردا، كان يقف أمام شجرة التين يدخن بواسطة الغليون.وما الذي يجبره أن يقف في الجو البارد؟ أثار فضولنا الأمر، فسألناه فقال عدا عن إنّه يكره التدخين في البيت. فإن شجرة التين هذه كانت ملهمته في كتابة روايته الأخيرة:" هي، أنا والخريف". ويبدي ارتباطه الروحي بهذه الشجرة، فقد وُلد محاطا بهذه الأشجار .
التينة والغليون
جلسنا في غرفة الصالون، التي تمتلئ زواياها بتحف فنية مصنوعة من الخزف، بأشكال مختلفة، وقد صنعت له زوجته ندى تحفة خزفية لغلاف كتابه، وسألناه كيف أوحت له شجرة التين وألهمته في كتابة رواياته التي صدرت مؤخرا.
فقال:" قبل عامين، وتحديدا، في مثل هذه الأيام من شهر آذار الماطر ، جلست في شرفة غرفة البيت، لأدخن بواسطة الغليون، فوقع ناظريّ على شجرة التين أمام البيت، وقد تساقطت عليها حبات المطر، وسرعان ما انسجمت هذه الحبات مع أشعة وخيوط لشمس الذهبية، فبدت الشجرة كأنها مرصعّة بحبات ألماسيّة، فلفت انتباهي هذا المنظر الرائع، فكتبت بداية خاطرة بعنوان" مطر على كينا عارية"، وبدأت أطور الخاطرة لقصة، وبدأت أضيف لها أفكارا، فتوسعت بالأفكار والكتابة لأجد نفسي مُنجزا رواية، وغيّرت اسمها لعنوان" أنا هي والخريف"، لأن العنوان السابق شاعريا لا يلاءم الرواية".
كهرمانة وجميلة حسن
أحضرت لنا زوجته ندى " أم إياس" القهوة، وقال باعتزاز بعد أن سألته عن التحف المصنوعة من الزخف التي تزين بيته، أن زوجته صنعتها، فقد اكتشف أن لديها موهبة فنية، بعد إصابته قبل عقد من الزمن بمرض نادر يلزمها أن تُحرّك يديها باستمرار. وقامت بصنع لوحة زخف لغلاف روايته.
وعن شخصيات روايته الأساسية، قال:" زينات ، التي يتحول اسمها فيما بعد إلى كهرمانة، والثانية جميلة حسن، وهي شاعرة مثقفة.
الهاجس
ويقول عن روايته" إنها خيالية لا تمت للواقع بصلة، إلا من باب المصادفة، فكل موضوع الرواية بدا عندي هاجسا أشغل فكري منذ سنوات، وهو حال الإنسان العربي، حيث اشغل بالي باستمرار هذا السؤال، لماذا أصيب العقل العربي بما أصيب به من حالة التخلّف، والكبت، القمع، بعد أن كان مبدعا قبل عشرة قرون، وهل ملاين العرب في العالم العربي أصيبوا بفيروس التخلف.
ويشير وهو يحتسي القهوة المرّة:" إن الذهن العربي مسكون بالخرافة ، والفكر الغيبي، ويبالغ في تقديس الشخصيات، ويضعها في عالم الميتافيزيقا ( ما وراء الطبيعة)، فنحن نقدس الأماكن والشخصيات، لذلك فشخصية كهرمانة في الرواية، قد تم خداعها وسلخها عن الواقع بعد أن تم التعامل معها منذ جيل 4 سنوات على أنها ملكة من الشيشان، وبعد وصولها للرشد لم يعرفوا كيف يخرجونها من هذه الأزمة، فاستعانا بالمشعوذين؛ أما جميلة، وهي الشاعرة المثقفة، والتي تمّ قمعها في بداية حياتها، وكتم أنفاسها في التّعبير، لجأت للاستسلام. وتدخل جميلة في حياة كهرمانة لتحررها من الخرافة، وتكتشف في النهاية أن كهرمانة تحرر جميلة".
ويؤكد أبو إياس أنه يقصد في هذه الرواية، حالة سائدة في الفكر العربيّ، وقد تنبأ في روايته بالتغيير في وضع الأمة العربية، وخروجها من الخنوع، لكنه لم يتوقع أن تبدأ الأنظمة العربية بالانهيار، وأن تفرط كما المسبحة الواحدة تلو الأخرى.
بين السياسة والأدب
عن أوقات فراغه، يقول أنه يقضي غالبية الوقت في البيت، يساعد زوجته في الأعمال المنزلية، فهو يؤمن بالمساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، ويعمل على تطبيقها، ولا يؤمن بالشعارات المحشوة دون تنفيذ. عدا ذلك فهو يحمل الفكر الاشتراكي، لكنه لا ينشط في حزب الجبهة. بعد أن عمل سابقا محررا للملحق الثقافي في "الاتحاد". ومنذ عشرين عاما تفرغ للكتابة، ولم يزاول أي مهنة، لأنه ينجرف لتيّار الأدب حيث يجد متنفسه الحقيقي أكثر من عالم السياسة غير الصادق".
ويزاول مهنة الكتابة، تحديدا، من الساعة الخامسة حتى التاسعة صباحا، وبعد ذلك ينشط في ندوات يشارك بها، كانت آخرها مساء الثلاثاء بحيفا. ولا يحصر قراءته في قراءة لكاتب معين، ولا تجذبه شهرة كاتب، أو الترويج له. لذلك فهو يقرأ ما توفّر له، وما يرسله له أصدقاؤه. ومنذ عامين لم يقرأ قراءة جدية ناقدة، بسبب انشغاله بروايته، وكي لا يتأثر بكاتب آخر. وما تبقى من أوقات الفراغ يقيه مع أفراد عائلته، ابنتين، وابنين، وحفيدتيه سلمى ومي، وينتظر ثالثهما على أحر من الجمر.
الثقافة المحليّة
عن رضاه عن وضع الثقافة المحليّة، قال:" لقد كانت الثقافة الفلسطينية قبل النكبة مزدهرة، وكانت منارة حضارية مُشّعة على الشرق، وكانت حيفا وع والقدس تستضيف كبار الشعراء والمبدعين، والمطربين الكبار أمثال فريد الأطرش . ولكن الفترة الذهبية في السبعينيات والثمانينيات انتهت. بعد التراجع السياسي، وإحساس الهزيمة عند العرب، وانهيار الدول الاشتراكية، ثم دخلت لنا على الخط دائرة الثقافة العربيّة، عام 1988، بدفع مبالغ زهيدة، لأسرلة الثقافة الفلسطينيّة".ويشير أيضا أنه في ظل عدم وجود وزارة داعمة وراعية للثقافة لن ينهض الأدب." فعلى العكس، إنّ وزارة التربيّة تعمل لأجل إعاقة عمليّة ثقافتنا الحقيقية، فهي لا تخدم البّنى التحتيّة لرعاية هذه الثقافة، مثل إنشاء المسارح، وغير ذلك".
النهضة
يضيف:" حان وقت النهضة، علينا المحافظة على تراثنا وهويتنا العربيّة، وأن نعتمد على مصادرنا الداخليّة في اقتناء المنتج الثقافيّ، فعلى سبيل المثال: لماذا لا يقوم المحامي أو الطبيب بوضع كتاب في مكتبه/ عيادته ليقرأه الزبائن، الذين قد يعجبوا بالكتاب ويقتنوه، بينما يشتركون في الصحف العبريّة، وبنفس الآن نترك تراثنا الأصيل، ونقلد ونتّبع قمامات العالم، فإذا بقينا هكذا سيسخر منّا العالم، ولن نصمد في هذه الظروف".
الثورات العربيّة
يبدي أبو إياس سعادته، ويتحدث بحماسة عن تحقيق ما شغل باله طيلة عقود، وهي حلول الثورات العربيّة. ويتحدث بعزم: " أتوقّع أن تنهار كل المنظومة العربيّة، التي تُخلّد الزعيم والقائد لمدى الحياة".
وفيما إذا تأثر مجتمعنا العربيّ في هذه الثورات ، أجاب:" لقد تأثر العالم بكل هذه الثورات، وخاصة الثورة المصريّة العظيمة، ونحن تأثرنا وفرحنا بهذه الثورات".
الأحزاب العربيّة
وسألته إذا ما حان الوقت لأن تتغير بعض قيادتنا على غرار الإطاحة بالزعماء العرب. فأجاب ضاحكا، مبديا إعجابه بهذا بالسؤال:" أحسنتِ، إن موقف الزعيم العربيّ من جماهيره يتشابه مع الفجوة القائمة بينهم وبين الشعب، فنحن - المجتمع العربي- نغنّي موّال، وقادة أحزابنا العربيّة يغنّون موّال آخر". وقال:" إن أدائهم بائس جدا، منشغلين بهموم وقضايا تنتمي لعالم آخر، فنحن هنا بلا عامود فقري قوي، فالقيادة المسؤولة والجديّة تهتم بقضايا جماهيرها، وتبحث عن قيادات جدية دائما، لكن العقل العربي كما قلت لك ِ مصاب بمرض حب الكرسي والزعامة ، وحب الذات، حتى عندما يرثون شخصا، يقولون الجملة الشهيرة" ترك الفقيد فراغا"، كأن العالم ينتهي بموت أو رحيل فلان، وهذا الأمر ينطبق على أعضاء الكنيست العرب، وعلى رؤساء المجالس المحليّة أيضا، وفي هذا المضمار أؤكد أن القائد الحقيقي لا يهرب من المعركة، مهما كلفه الثمن، يبقى يناضل مع الجماهير ، حتى لو على حساب صحته أو حياته".
ويلوم أبو إياس أعضاء الكنيست العرب، الذين وفق رأيه يلقون دائما باللوم على السلطة الإسرائيلية. " ما دورهم إذن في تغيير الوضع إذا لم يستطيعوا منع هدم منزل مثلا، وإذا لا يوجد لهم قدرات فليعتزلوا أفضل لأنني أحملّهم مسؤولية وضعنا السيئ، ولا أنكر بنفس الوقت أننا نعيش في دولة حقيرة عنصريّة، ترى بوجودنا خطرا على كيانها".
بشارة وصلاح
وسألنه عن رأيه بالدكتور عزمي بشارة، الذي غادر البلاد، ويوجد هنا قيادات مكانه في الحزب، فأجاب:" من بقي هنا أفضل من عزمي بشارة، لأن عزمي بشارة كان منشغلا بنفسه، وفكره، وهو ليس مقياسا لقائد حقيقي يترك جبهته، ولا يوجد له أي مبرر لذلك. لأن القائد الحقيقي يبقى في ساحة المعركة حتى يقع السّيف من يده، ويجب أن يكون نموذجا لآخرين".
وعندما سألناه عن رأيه بأداء الشيخ رائد صلاح ، قال:" له خطابه وبرنامجه، لكن برنامجه لا يتطابق مع برنامج جماهيرنا العربيّة، وهو أيضا برنامج واسع ...".
حلّ الدولتين
بعد أن آمن لفترة طويلة، بفكرة وحلّ الدولتين لشعبين، أصبح يرى أن هذا الحل بات مستحيلا. ويضيف:" بل غير عادلا، فبعد أوسلو لم تقام دولتين، عدا النتائج السيئة والمآسي التي تلقاها الشعب الفلسطيني، وزيادة الاستيطان، لذلك أرى اليوم أن الحل الأمثل هو دولة واحدة ديمقراطيّة، مع تأمين حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين، وتصحيح ما حدث بحقهم عام 1948 من غبن تاريخيّ".
الدروز والدولة
في سؤال له، حول وضع الدروز اليوم، وهل هم أقرب أم أبعد على الدولة، فقال:" هم أبعد بكثير..، لأنّ الدولة ارتكبت خيانة كبيرة بحقّهم، لقد خدموها طيلة ستة عقود، وقدّموا 370 ضحيّة، وآلاف المعاقين والمشّوهين، وفي النهاية صودرت أراضيهم، ولوحقوا على ما تبقّى منها، مجالسهم المحليّة كلها لجان معينة، أو محاسب مرافق أسميه ( الحاكم العسكريّ )، وهو الذي يقرر للرئيس ماذا عليه أن يفعل. عدا ذلك فقد زاد وعي الشباب الدروز في قضية التجنيد، فهم غير مجندين للدفاع عن وطنهم، بل عن الدولة الإسرائيلية أمام أبناء أمتهم، واليوم يوجد عشرات الشباب يرفضون الخدمة العسكرية، فبعد أن خُدع الدروز طيلة عقود في المفاهيم التي تحث على الخدمة، وإذا لم تخدم ستدمّر حياتك، وفي كل مؤسسة يسألوننا هل خدمنا أم لا، حتى في التسجيل للجامعات، أنقبل الميزان وأصبح لدى الدروز وعيا كبيرا، مع التأكيد أنّ وضعنا هو الأسوأ بين كل الطوائف الأخرى".