الخميس ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٤
بقلم
خلف.. هذا المدى
الرؤى
خَلفَ هَذا المَدى اختَنقتْفي هَجيرِ المَتاهاتِ.. كُلُّ الرُّؤىالفَضاءاتُ ضَاقتْ على رَحبِها..احتَرقتْ.. واستَحالَ المَدارُ إلى زَفراتِ دُخانٍ..تَسربَلَ بِالحشرجاتِ المَكانْلم يَعدْ زَورقٌ كانَ يُبحرُ في لُجَّةِ المُستحيلِ..تَهاوتْ مَجاديفُهُ..قَبلَ أن يَصلَ المَرفأَوالأعاصيرُ لا تَعرفُ الإنحسارْإنتِظارخَلفَ هَذا المَدى.. مَلَّني الإنتِظارُوما زِلتُ أقتَرِفُ الإنتظارْليسَ لِي مَوعدٌلَن يَعودَ الَّذين انتَظرتُ طَويلاً.. سُدىفَوقَ أرصِفَةِ الأمسِ في لَهفةٍلن يَجيئوا غَداحينَ مَرّوا بِذاكِرتيلا تَزالُ ظِلالُ خُطاهم..تُلوِّنُ بِالدفءِ ليلَ المَكانْوأنا لَم أزلْ عِندَ أسوارِ هَذا المَدىوعلى ضَفَّةِ الوَهمِ..ما زِالتِ الرِّيحُ تَجترُّني لَيلةً لَيلةًوالشِّراعُ يُسافرِ بَينَ الحَنايا..وفي مُقلتيَّ تَهاوتْ..على عَطشٍ حَارِقٍ دَمعتانْالقَصيدةخَلفَ هَذا المَدىتَتَكسَّرُ أجنِحَةُ الأبجديَّةِ..تَهوي القَصيدَةُ.. من أوجِها عَبثاً..تَتناثَرُ كُلُّ الحُروفِ اشتِعالاً.. حَرائِقَفي زَمنٍ تَتسلَّلُ فيهِ الأعاصيرُ..مِن كُلِّ صَوبٍ إلى بُرجِهاالقَصيدةُ.. تَغتالُها الرِّيحُ كُلَّ مَساءٍوعندَ الصَّباحِ.. تُكابِدُ من عَتمَةِ الَّليلِ..تَلفُظُ أنفاسَهاوبَأحضانِها لَم يَزلْ شَاعرٌصَاحَ مِن رَحمِها:لَيتَني كُنتُ أَقدِرُ أن أفتَديكِوأمسَحَ جُرحَكِ.. علّي أسدِّدُ دَيناًلِعينَيكِ في ذِمَّتيلَيتَني كُنتُ يَا وَطنَ العِشقِيا قَمرَ العَاشِقينَ.. أنا أوَّلَ الّلاحِقينْالحُبّخَلفَ هَذا المَدىيَنسُجُ الحُبُّ ثَوبَ حِدادٍ لَهُمِن دُموعِ الفِراقْلَيلُ مِحرابِهِ.. آهةٌ.. خَلفَ قُضبانِهايَستَحيلُ التَّحرُّرُ والإنعِتاقْيَبدأُ الإحتراقُ ولا يَنتَهي عِندَها زَمنُ الإحتِراقْرَحلَ العَاشِقونَ.. ولنْ يَرجِعوافَهُنا يَرقدُ الحُبُّ..عَاشَ غَريباً.. قَضى نَحبَهُ..اغتالَهُ زَمنٌ حَجريُّ الشُّعورِ.. بِلا رَحمةٍكانَ في أوِّلِ العُمرِ.. حينَ على غَفلَةٍأسلمَ الرُّوحَ.. لَيسَ لَهُ خَلَفٌ أو مُريدونَيُحيونَ ذِكراهُ في كُلِّ عَامْالصَّباحلن يطلَّ الصباحُ غداًلن تجيءَ العصافيرُ.. تنقرُ شبّاكَنالن نكونَ هنالن تسافرَ فينا النُسيماتُ..لن يصخبَ المدُّ.. صارت جوارحُنامن تضاريسِ هذا اليبابْلن تضيءَ فضاءاتُنا..ما حلمنا به ليلةً من ليالي الشتاءِهنا وحدَه الإغترابُ.. هنايولدُ الصبحُ في صدرِه آهةً.. زفرةًلاهثاً هارباً من دجى أمسِهباحثاً في الفضاءاتِ عن شمسِهالمدار استحالَ غباراً.. دخاناً..رمادَ احتراقِ رؤىً..نثرتهُ الرياحُ هناكَ.. هناإنتهى كلُّ شيءٍ.. غداً لن يعودَ غدٌأقلعَ الغدُ.. غابَ الشراعُ وراءَ المَدىلم يعدْ للمجاديفِ صوتٌ.. ورجعُ صدىربّما غرقَ الغدُ في يأسِهربّما عادَ طيناً.. إلى رمسِه