داخل صندوق القمامة
أمُرّ بسيارتي يوميا علي صندوق القمامة الضخم في طريقي إلي العمل.. ولم يكن ليلفت انتباهي من قبل...
لولا أن الرائحة الكريهة كانت غير محتملة هذا اليوم, وكأن كلبا ميتا قد أنتنت أعضاؤه داخل الصندوق فعزمت علي عدم الرجوع من نفس الطريق..
وعدت من نفس الطريق.. إذ لم أذكر موضوع ا! لرائحة إلا حين اقتربت منها..
كدت أن أطلق لسيارتي العنان بضغطة قوية علي دواسة البنزين, لكنه لفت انتباهي بشدة.. رجل قصير, نحيف, لا أتبين لون جلده بسبب الأشياء العديدة التي يضعها علي جسمه.. يقف هناك...
نعم.. يقف داخل صندوق القمامة.. يقلب محتوياته..
وقد اعتدت أن أري أشياء كهذه» حيث يحمل الواحد منهم في يده الأخري كيسا وسخا يضع به علب البلاستيك أو الزجاج أو أشياء يراها هو ذات قيمة ونفع..
لكن الأمر مختلف هذه المرة..
لقد كان الرجل يأكل..
نعم كان يأكل شيئا ما بنهم شديد وكأنه يلوك قطعة لذيذة من اللحم المشوي..
أنا لا أشجع الشحاذين, ونادرا لو أعطيتهم شيئا, لكن إذا أخبرني أحدهم أنه لم يأكل (يا باشا) منذ كذا وأنه لا يريد سوي شيئا يأكله.. فأنا -أمام هذه الحجة- ضعيف للغاية.. حينها أعطيه علي الفور إن لم أشتر له بنفسي طعاما...
ناديت عليه وأنا أدس يدي في جيبي مخرجا ورقة من فئة الخمسين جنيها.. ثم استبدلتها بأخري من فئة العشرة فربما لم يتعامل بهذه الورقة من قبل.. لكنه لم يرد..
طبيعي.. لا شك أن عنده نصف أمراض العصر.. رفعت صوتي فالتفت إليَّ برأسه في بطء شديد.. ثم عاد إلي صور! ته القديمة..
بدأت أشك في قوته العقلية, لكني أردت أن أساعده وسأفعل.. حتي لو اضطررت للتضحية والمشي في هذا الجحيم..
ومن ثم نزلت من السيارة وأنا أحاول أن أستنشق أقل قدر ممكن من هذا الهواء.. مددت له يدي بالنقود..
تبا.. ما هذا الذي يأكله?!
إن (روكي) نفسه كان ينظر لهذه القذارة باشمئزاز ولا يقترب منها..
نظر إلي يدي الممدودة أمام وجهه ولم تبد عليه بادرة أنه يفهم أساسا ما أريد.. تشجعت أكثر ووضعت الورقة المالية في جزء يشبه الجيب في ملابسه.. لكنه لدهشتي.. أخرجها بسرعة كمن لسعه تيار كهربائي.
ورماها في وجهي قائلا.. وكنت أحسبه لا يتكلم:
أنا لست شحاذا يا أستاذ.
(ملحوظة): روكي هو الفأر الأبيض الذي أربيه بالمنزل.