

دخان من غير نار
كثير من الأمور تقتحم حياتنا، وترسم صورة جمالية يتخللها نسق قبحي مضمر، وبالتأمل في الثورة التقنية التي اجتاحت الشبكة العنكبوتية عامة، ومواقع التواصل الاجتماعي على تنوعها خاصة، نجدها تقدم الغث وقليل من السمين، والمتأمل للسمنة التي تلوح على شبكية العين متألقة نجدها تخفي ورماً، فقد استسمنت ذا ورم، وعلينا أن نتبصر في محتوى هذه المواقع ونتعاطى معها بحذر، بحيث لا ينخدع أحدنا بما يتألق على مرآة التواصل، ويكتشف لاحقاً أنه مجرد وهم أو خيال ينأى عن الحقيقة.
ولعل من هذه الصراعات التي باتت تطرق الأبواب، ما يطلق عليه ( الترند) وهو مصطلح مستورد دخل خضم اللغة، والبديل المنطقي كان سائراً على الألسن، وهو الشائع أوالدارج أوالموضة، فالترند قد كانت بدايته تتعلق بالأزياء والمكملات الجمالية فلا يستبعد أن يكون المقابل له في اللغة ( الموضة أو الرائج)، ولا يختلف مصطلح الترند عن الدعاية التي تعلوها المبالغة والحقيقة تفسر وفق رؤية المنتج، وكي ينخدع المشاهد من منظر ظهر أمام عينيه، فقد قامت الشركات بتعزيز الخطاب اللفظي بخطاب الصورة، والصورة تغني عن ألف كلمة، وسرعان ما ينجذب مغناطيس النقس لدى الفتيات والفتية نحوه؛ ليكون مكملاً لهذا النقص، ويكتشف فيما بعد أن آثاره الجانبية تفوق فائدته وأن خطاب الصورة كان مزيفاً.
ومن القضايا التي تنبهر بها الفتيات الشابة قضية (الفيديوات) التي تعرض الموضة بتفاصيل لعب بها المنتاج حتى خرجت على هذه الصورة الموهمة بالواقع البعيدة عن الشائع، ولعل الخطورة تكمن في غزو جديد بات يطرق الأبواب وهو الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع أن يقدم دخاناً بلا نار ، فهو يجمل الصورة ويغير في الشكل حتى يظن أنها من لب الواقع وهي لا تعدو أن تكون قشوراً.
ومن المحاذير الذي نود التنويه لها هذا الإدمان المنقطع النظير الذي نراه عند هذه الثلة من الأجيال، وهو إدمان متابعة الشبكة العنكبوتية التي استطاعت أن تُوجد جسوراً بين البشر إلكترونية وهدمت الجسور الاجتماعية، حتى تقدم لنا دخاناً من غير نار، وأصبح التركيز على التقنيات في الخطاب الجماهيري بمحتوى نشر على المواقع عارعن الصحة ونجد من يتداوله يقول بقوة وثقة قد قرأت ذلك على الشبكة العنكبوتية وكأنها مصدر التوثيق الذي لا يشق له غبار، ونسي أن هذه النصوص قد كتبت جزافاً من غير مصدر علمي دامغ في كثير من الأحيان.
ومن نافلة القول: إن من يتابع هذه المواقع ويصطاد المعلومات والموضة ينتهج أسهل السبل، وهي تحت تكة إصبع، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن هذه المعلومات في مظانها العلمية والعملية، والمطلوب من الأجيال الصاعدة أن تمحص هذه المحتويات ولا تقع في فخ مصيدة التقنية الحديثة التي قد تؤدي إلى أضرار قد يتعافى منها أو يزلق في مهالكها.
وما على الشباب سوى أخذ المعلومات والمعارف وإخضاعها للمنطق العلمي وتوثيقها ومن ثم التعامل بها ، ونشرها، فكم من ضحية قد وقعت بين براثن قرصان (هاجر) مفترس.