رحيل
رحيل
النهر الذي تجلَّدَ الاصطبار،لم يعد يحتمل تفاهات المدينة وأولادها المشاكسين،قيأها،نفاياتها، عبث المتبولين ،جثث الحيوانات ،هجرة الأسماك،توبيخ النخيل .حين تفاخر بالماء كسروا هيبته بالجسور.توعَّدهم بالجفاف ،فهددوه بالسدود.زمجر فائضاً،فألقموه بالتُرس. في ذلك الحين، جمع جرفيه وشاورهما الأمر؛فوافقاه.حزم حقيبة أمواجه ،وارتدى قبعة زرقته،وغادر المدينة صوب المحيط.هناك حيث انتحرت قبله انهار المدن التي خيم على شفاهها اليباب.
تفاهم
على أريكة انتظار الحافلة جلسا صدفة.قال الذي على اليمن للجالس على اليسار :(الحياة مقرفة).فلم ينبس بكلمة!.فكرر المحاولة: (هل صادفت أن الحياة مع كل هذه التفاهة ،قد تحولت إلى شيء ماسخ...؟).استمر ساكتاً،ناظراً باستغراب للجالس بجاوره.أقبلت الحافلة ،فانتصب الرجل الجالس على اليسار واقفاً ،سائراً بحذر شيخ ليركب الحافلة .مرت ثوان نزل بعدهن رجلٌ من الحافلة ،متجهاً صوب الرجل الذي ظل جالساً وخاطبه
– هل أنت معنا في الدار؟.
– أيَّة دار؟!.
– دار الصم والبكم.
– لا
– اعتذر ظننتُ أنَّكَ زميل الرجل الجالس بجانبك،فهو من نزلاء الدار عندنا.
رجع الرجل إلى الحافلة ،وانطلقت تاركة خلفها عاصفة دخان وتراب متطاير .في ذلك الأثناء وقف الرجل الجالس على اليمين ،ارتدى نظارة سوداء واسعة،ثم غادر المكان وهو يجسُّ الأرض بعصاه.
نهاية
إطار سيارة المسؤول،يتفاخر بهيبة حين يهرول على الطريق.تخافه إشارات المرور،والأرصفة،والإسفلت والحصى والتراب. بعد مدة ليست بالطويلة.وجدوه مرمياً في ساحة أنقاض ،بعد أن تم استبداله بإطار جديد.قرر الانتقام ،حين تبرع بحرق نفسه منتحراً،في مظاهرة قام بها ثلة من الجياع.
...وأخواتها
في اليوم التالي ،ومن دون سابق رأي .أفاق (المبتدأ) من نومه.جلس على السرير بعينين يملؤهما التساؤل،حين لم يعثر على صديقه (الخبر) في السرير المجاور.وبعد لحظات تيقّنَ أن صاحبه قد حزم حقائبه و اِرتَحل بلا رجعة . غادر(المبتدأ) المكان أيضاً،مهاجراً إلى مكان لم يرسم ملامحه .في اليوم التالي عمَّ الذعر في المدينة ،وأكثر المذعورين (كان وأخواتها).فلم تعد (أصبح) تبيع النور صباحاً،ولم تعد (أمسى) تبيع النجوم مساءً.(صار) تحولت إلى مسخ،و(ليس) أصابها الخنوع والمداهنة.(بات) هجرها النوم،و(ظل) تناست الاستقرار. لم تبق ألّا (كان) ،صابرة على شيخوخة المعنى سنوات وسنوات.تحكي لِاسمين طفلين حكاية قديمة،عن جدَّيْهما اللذين تخاصما وهاجرا من دون سابق رأي.