رخص بلاغية
أ- أن يذكر شيئين ثم يخبر عن أحدهما دون صاحبه اتساعاً، كما قال الله عز وجل: «وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها» [1]. أو يجعل الفعل لأحدهما ويشرك الآخر معه، أو يذكر شيئاً فيقرن به ما يقار به ويناسبه ولم يذكره، كقوله تعالى في أول سورة الرحمن: «فبأي آلاء ربكما تكذبان» [2]، وقد ذكر الإنسان قبل هذه الآية دون الجان، وذكر الجان بعدها.
وقال المثقب العبدي:
فما أدري إذا يممت أرضاً = أريد الخير أيهما يليني
أللخير الذي أنا أبتغيه = أم الشر الذي هو يبتغيني
فقال أيهما قبل أن يذكر الشر؛ لأن كلامه يقتضي ذلك.
ب- حذف جواب القسم وغيره، نحو قوله عز وجل: «ق والقرآن المجيد، بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم» [3] وقوله: "والنازعات غرقاً" إلى قوله: "يوم ترجف الراجفة" [4] فلم يأت بجواب؛ لدلالة الكلام عليه، وقال عز وجل: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم " [5] أراد لعذبكم أو نحوه ومن هذا قول امرئ القيس:
ولو أنها نفس تموت جميعة = ولكنها نفس تساقط أنفسا
وقد تقدم ذكره.
ت- إضمار ما لم يذكر، كقوله جل اسمه: كقوله تعالى «حتى توارت بالحجاب» [6] يعني الشمس، وقوله: " فأثرن به نقعاً" [7]
ولم يجر للوادي ذكر.
وقال حاتم طيئ:
أماوي، ما يغني الثراء عن الفتى = إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر؟
يعني النفس، وأنشد ابن قتيبة عن الفراء:
إذا نهى السفيه جرى إليه = وخالف، والسفيه إلى خلاف
يعني جرى إلى السفه وحذف لا من الكلام وأنت تريدها، كقوله تعالى: "كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم" [8] وزيادة لا في الكلام كقوله سبحانه "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" [9] فزاد لا لأنهم لا يؤمنون، هذا قول ابن قتيبة، وقال جل اسمه: "ما منعك أن لا تسجد" [10] أي: ما منعك أن تسجد، قال: وإنما تزاد لا في الكلام لإباء أو جحد، وقال: «لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله» [11] أي: ليعلم.
وقال أبو النجم: فما ألوم النجم أن لا تسهرا يريد أن تسهرا.
ث- حذف المنادى كقوله تعالى: "ألا يسجدوا لله" [12] كأنه قال: "ألا يا هؤلاء اسجدوا لله " وقال ذو الرمة في مثل ذلك:
ألا يا سلمى يا دار مي على البلى = ولا أزال منهلاً بجرعائك القطر
ج- خطاب الواحد بخطاب الاثنين والجماعة، أو يخبر عنه، كقوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" [13] وإنما كان رجلاً واحداً، وقوله "ألقيا في جهنم" [14] وإنما يخاطب مالكاً خازن النار، وقيل: بل أراد ألق ألق، فثنى الفعل، وقوله: "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" [15]
فخاطب الاثنين بخطاب الواحد، وقوله: "فقد صغت قلوبكما" [16] وقوله: "وألقى الألواح" [17] وهما لوحان فيما زعم المفسرون، حكاه ابن قتيبة؛ وأن يصف الجماعة بصفة الواحد كقوله: "إن كنتم جنباً" [18] .
ح- أن يأتي المفعول بلفظ الفاعل، كقوله تعالى: "لا عاصم اليوم من أمر الله" [19] أي: لا معصوم، وكذلك قوله: "من ماء دافق" [20] أي: مدفوق، وقوله: "في عيشة راضية" [21] أي: مرضي بها، وقوله: "وجعلنا آية النهار مبصرة" [22] أي: مبصر فيها، وأن يأتي الفاعل بلفظ المفعول به كقوله تعالى: "إنه كان وعده مأتيا" [23] أي آتياً.
وقد جاء الخصوص في معنى العموم في قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" [24]، وجاء العموم بمعنى الخصوص في قوله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" [25].
خ- الحمل على المعنى، ومنه قوله تعالى: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم" [26] كأنه قيل: من زينه؟ فقيل: شركاؤهم.
والحمل على المعنى في الشعر كثير، ومن أنواعه التذكير والتأنيث، ولا يجوز أن تؤنث مذكراً على الحقيقة من الحيوان، ولا أن تذكر مؤنثاً.
قال ابن أبو ربيعة المخزومي:
فكان مِجَنّي دون من كنت أتقي = ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فأنث الشخوص على المعنى. وكل جمع مكسر جائز تأنيثه وإن كان واحده مذكراً حقيقياً.
ومما أنث من المذكر حملا على اللفظ قول الشاعر، أنشده الكسائي:
أبوك خليفة ولدته أخرى = وأنت خليفة، ذاك الكمال