الخميس ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم
رسائل فوق التّلال
في ذكرى نكبة فلسطين
هناك وقفت، وظلّي الغيوم،وقفت حطاما،غرقت هياما.هناك وقفت على تلّةبعيدة.أعيد إلى ناظري سفر تكوينها المتلاشي إلى الذّاكرة.رفعت حنيني إليها سلالم.رصفت دروبي جراحا.بنيت جراحي، وشوقي إليها منابر.نصبت جفوني خياما،وصارت خيامي مقابر.هناك وقفت على تلّةبعيدة.رسمت حروفي على صدر غاصبهاخناجر.تركت هيامي رسائل،تحلّق فوق التّلال كطير كليم.حملت شجوني، وأقسمت طوعًا بأنأقاتل؛لأنّكمُتعرفون؛... لأنّي...تركت الكواكب غارقة في بحار الحتوف.تركت الدّوالي تحنّ لشهد القطوف.تركت وجودي سبيًّا كطعم الصّروف.تركت أناي، ورحت أطوف بليل غضوف.تركت محلّي سرابا،وأسرار بيتي خرابا،وظلّ اليباب يبابا،وظلّت بلادي سبيّةْ،إلى اللّه فيها أسوق المتابا.هناك وراء الفضاء البعيد،تركت وجودي،وشمسي هوت والقمر،واللّيالي تعسعس، والذّئبُ،والصّبح لا يستطيع التّنفس،وتعوي صغار الدّياسمْ،تطوّف فيحناجرنا،وتنهش أكبادنا،وتجري بأجسادنا،تمدّ الخطى في جماجمنا،تمور اختيالا على الكائنات بأحشائنا،وتمتدّ فيصديد الحلوق.وطال الطّريق إلى ساعديها،ونيّف أعمارنا في سجال الحياةْ.وخلف زحام المنافي اختفت،وظلّت تلاحق أطيافنا،تكبّل أقدامنا،تتوسّل درب الخلاص الّذينما في خطى ابن البتولْ.هناك وقفت على تلّةبعيدة.غزلت جفوني لأشجارهابراعم.وهبت دمي للشّموس المدلاّة فوق الغصون؛لأروي الكروم الّتي لفّ أعناقهاغبار الدّروبْ؛لأحرس أضفارها،وقد بعت كلّ الضّفائر من أجلها.وبعت سباتي،وعاهدت ألاّ أخونْ.عشيّة تاه أحبّتها، وقد انتزعت منهمُ،وهي وسنى، وقد أخذتهم سنةْ،أغرقتهم بنار الخطوبْ.فمدّوا خطاهم إلى ظلمات الشّجونْ،وعبر صحاري الضّياع، وفي ليل أيّار أقسى الشّهور...... وغابوا... ولفّتهم الطّرقات البعيدةُ.....وابتلعتجسومهم الرّيحْ،وصارت تردّد نشج صلاتهمُ،وأصداء أصواتهمْ:رحيــــل... رحيــــلرحيــــل… رحيــــل...دمــــاء تئــــنّ...دمــــوع تسـيـــل...رحيــــل...رحيــــلرحيــــل...رحيــــل...دمــــوع تئــــنّ...دمــــاء تسـيـــلدخيــــل...، دخيــــل...دخيــــل ...، دخيــــليجـيء دخيــــل...،يروح أصيــــل .... وساروا إلى...سقر.وفي كلّ منفى سقر.ومن ذاق طعم سقر؟وفي الطّرقات اشتروا كرة ذهبيّةْ.وضمّوا إليها عيونهم الدّافئة.ودّعوا رملها المترنّحْبأفئدة دامية.وظلّ على مشجب في المخيّمْيعلّق مفتاح عودتهمْ،والكرةْخلفهُ،تحرّك عقرب أوقاتهمإلى برتقال الوطن.تذكّرهمبمليون حبّةْ،سبتها رياح الشّتاء الحصيبة.وخطّوا بفيض دمائهم البرتقاليّ:إليهــا،...إلى أرض كنعان...إلــــى:صـفـد...إلى أرض عـكّـا...إلــى طـبــريــا...إلــى أرض حـيـفــا...إلــــى النّــاصـــرة...إلـــى أرض بـيـســـان...إلـــــــــــــــــى…جــــــــــنــيـــــن...إلــــى طـــولـــــكــــرم...إلـــــــى جــــبـل النّـــــار...إلـــــى أرض قــلـــقـيـلــيــــــة...إلـــى كــفـــر قــــاســــــــــــمإلــــى أرض يــــافــــــــــــا...إلـى الـلّــد والــــرّمــــلــــــةِ...إلـــــــــــــــــــى رام...إلى البـرتـقـال الحـزيــــــن...إلى القدسِ، مسرى النّبيّ محمّـــدْ...إلـى ديــر ياســـيــــن...إلـى القســــطـــــل...إلـى عين كــــــارم...إلى مهد عيسى المسيح،إلــــــــىدوالي الخليـلوبئر السّـبع...إلى الرّبعيّةدوراإلى الزّعتر المنحنيبهالهامة ثائرْيقبّل ظلّهْ،إلى صخرةفتيّةْ،ببئر سحيقةْنمتعليها سرائر باجس.إلى ذا الهواء المحلّى بشهد العنبْ...إلى ذي الشّموس يضاء سناها بقطرة زيت...إلى ذي السّماء بوهج التّصوّفْ،إلى ذا القمر.إلى ذا الفضاء الملبّدْبخطو النّبيّين،إلى ذي الصّور.إلى كلّ مامضىهنا أو عبر.إلىفلسطين سوف نعود.عليها سنولد ثانيةً.سنولد من رحم فردوسها المغتصبْ،من تجاعيد أحلامنا الهرمةْ،من ركام طفولتناالمسجّى بأضلع بيت خوى،على عرشه.سنولد من مينةلكم سرقتنا.ونهتف عدنا.وننشد لحن الفدائيّْبمعزوفة الطّلقات.وطال الطّريق إلى مقلتيها.وظلّت رياح الرّحيل تضوّع كلّ متيّمْ،تذكّرهم بالرّماد الّذي من فتاته تولد ثورةْ،وتنمو على جذع نخلة،بزيتونة سلّها الوغد من صدر تربتها،واحتسى الدّم من قلبها، واستوت واقفةْ.فما اسطاع أنيسلّ خشوع شذاها لأرض البدايةْ.هناك رنت للغد الحرّ (أم سعدْ).بحسرةْعلى الأمسِ زفّتإلى الأرض من أضلع ضاويةْشباب الفدائيّ سعد.مع الفجر زفّ، وسار وراءهُ موكبهم،وكان الرّصاص هو الرّدّْ.وأمست حكايتنا مطلعًالكلّ قصيدْ،وسرّ حنين لمجد تليدْ.ولايزال الطّريق إليها تعبّدهالأناشيدْ.