رسالةٌ إلى تِلْميذ
تلميذي العزيز؛
ها أنتَ قد حصَّلتَ على شهادة الباكالوريا؛ وهي اعترافٌ من الدولة بأنّك أهلٌ لمتابعة الدراسات العليا، وبتفوقك على العقبات الدراسية، فهنيئا لك ولنا بنجاحك، ودعاؤنا لزملائك الذين لم يسعفهم الحظ، بالنجاح في العام المقبل.
ولإن كانت الباكالوريا تؤهّلك لِلعُلا، فهي لن تقدر ـ لوحدها ـ على تأهيلك للحياة؛ أي للمدرسة الوحيدة التي تجعل من الإنسان إنسانا عندما يستوعب دروسَها، أو تجعل منه حثالة تتقاذفها الأيدي والأرجل عندما يفشل في تخطي العقبات التي تنصبُ أمامَه. فاسمع نصائح أستاذك الذي خبر الحياة...
آمن بالله كقوة خير عظمى، واستعن به ضد الخوف والجهل والشرور؛ واعتمد عليه وعلى نفسك في جميع الأمور؛ وأحببه لأجل أن يجبّك ويغدق عليك من خيراته؛ واصبر تنل بعد صبرك أغلى ما تصبو إليه نفسُك.
واخلص في عملك؛ وإيّاك والكسل والتزوير والرشوة والاختلاس والغش والتدليس؛ فهي أمور، إن لم تعرّضك للعقوبات الأرضية أو السماوية، تدمّر روحك، وتحولك إلى عبد رعديد أبكم غير قادر على أن يثور على ظالميه، أو تجعل منك خرقة عفنة يمسح فيها الأشرار أياديهم القذرة.اعمل إذن وأتقن عملك، واطلب الأجر الذي تريد.
وافعل الخير ما استطعت تجني منه، فالخير بذرة خالصة لا تنبت إلا نفسها. ومع ذلك، لا تكن غرّاً فيستبد بك المُكِدّون ومحترفو التسوّل والنصّابون والمُحتالون وخائنو الأمانة...
وتعلّم الألسن، ف"من له لسان واحدٌ، أمّي" على حدّ قول مليكك. إذ بها يمكن لك التواصل مع أجناس أخرى وتطّلع على ثقافاتهم ومكنون عقولهم وقلوبهم... ويمكن لها في بعض الأحيان أن تنقذ حياتك (وتذكر نصيحة جدّتك):"تسمع، وتفهم، وتعرف خلاصَك".
واقتصد في مالك حتى لا تقع في الحاجة، فتمدُّ يدَك إلى شخص قد يسيءُ إليك، فيقسو قلبك. ووفر الدرهم الأبيض لليوم الأسود.
وحافظ على صحّتك، فهي رأس مالك، فأنت لستَ وارثاً ثروةً من أبيك، ولا مُعتمداً على حظّ، واحذر الميتة البليدة.
وإن مرضتَ؛ خُذِ الدواءَ وانْسَ المرض، ولا تجعله يعكّر عليك صفو الحياة، فكلّ من تراه يمشي يعاني من مرض مّا.
واعلم أن المرض الذي تستطيع تحمُّلَه، يجعلك تعطي قيمة كبيرة للحياة، وفي نوفس الوقت؛ يذكرك بالممات.
ولا تخف من الموت، فهو جزء من الحياة. خف من الله فقط.
ولا ترهق جسمك وعقلك وناسَك؛ ونظِّم ساعات عملك. واعمل بجدّ واسترح. ولا تكثر في أيّ أمر. وفق باكرا وتجوّل في مدينتك، تراها على وجه آخر... هذا لكي تفهم؛ ولسوف ترى الفقراء، والمشردين، وبعض النساء المعذبات، والرجال المعذبين.
وسر باحترام على الأرض، ولا تضرب بحِذائِكَ على جَسَدِها المُرْهَف؛ فهي من أجساد أجدادنا على كل حال.
واعتن بنظافة وجهك وثيابك. وعش تقاليد أهلك باحترام؛ تزداد عندهم محبّةً وتقديرا. وكن رحيما معهم ومع أصدقائك. ولا تسخر أبدا من أحد؛ فالسخرية إنْ "أعْلتْ" شأنَك للحظة، خفضتْكَ لعقود، وجلبتْ لك الأحقاد والضغائن والانتقام.
وتدرّب على التواضع والصدق، تعلو.
وإيّاك واستحلاء المديح؛ تكبو.
ولا تتبجّح ولا تثرثر. واكبح لسانك كثيرا؛ فما من سُمِّ ثعبان أقْتَلَ منه. وتذكّر قول الأجداد:" خير الكلام ما قلّ ودلّ".
واعلم أنّ هناك أمورا لا يمكن تجريبُها أبدا؛ ومنها:التعامُل مع العَدُوّ، الوشاية، المخدرات، الوساطة الجنسية، الشذوذ الجنسي، الاختلاس...
ولا تنتظر ممن فعلت معهم الخير أن يردّوه لك؛ واعمل بنصيحة جَدِّك:"افعل الخير وارمِه في البحر". فالناسُ جحودون بطبعهم، وقليل منهم يعترف بالجميل.
واسمع الموسيقى باقتصاد، لأن الكثير منها يروشُ الأعصاب والأحاسيس.
وتعلّم فنون القتال، والسواقة، والسباحة، وتكنولوجيات عصرك؛ تدافع بها على وطنك، ومُقدّساته، وعلى عِرضِك ونفسِك.
وكُنْ رحيما جدّا مع المرضى، تُغنيك رحمتُك بهم عندما يلمُّ بك المرض. وزرهم ولو لم يكونوا من أهلكِ، فيفرحون، وتعلو معنوياتُهم، ويدعون لك...
المرضى، يا تلميذي العزيز مثل الأطفالِ والأسْرى؛ فاغفر لهم واحببْهم ما استطعت؛ يرحمُك اللهُ الذي تؤمِنُ به.
واقنعْ ببيتٍ متواضع يسْتُرُك، ولا تطمحْ كثيراً في قصر؛ تصغر. وإيّاك وصُحبةَ الأمراء؛ فمنهم منْ آذى صاحبَه على وشايةٍ كيْدية جاءتْه من حَسود...
وتزوّج من بلدِك، تعرفُ لغةَ قلبِها، وتفهمُها وتفهمُك؛ ويتربّى أطفالُك في عزّ ِ ثقافة بلدِك... وإن حدثَ اختلافُ بينكُما، تجدُ الصّلح.
وحاولْ ألاّ تضطرَّ إلى عجمية... أ لا ما أقبح الفقر! ...
واكفُرْ بالهمجية كيفما تجلّت: ختان البنات، الميز العنصري، قتل الأطفال في المظاهرات، بتْر أعضاء الفقراء، إعدامُ الناس المجرمين، الركوعُ للأمراء...
واكْفُر ب"الشهرة" فهيَ "وهمٌ مرضي"؛ وإيّاكَ وإدْمانَ ضوءِ التلفازات، ميكرفونِ الإذاعات، أو صورتِك على صفحات الجرائد ... فكذا "مشهورٌ" لمّا انطفأتْ عنه "الأضواءُ"؛ ماتْ.
واطعِمْ نفسَك جيّداً؛ ف"الأكلُ الجيِّدُ عِلاج"؛ وأكثِر من شرب الماءِ، تصفو كِليتاكَ وذهنُك؛ وامتنع عن الطعام عدّة أيّام؛ يتَّقِدُ عقلُك؛ و"اصبر صبراً جميلاً" على حدِّ القول في القرآن الكريم.
واقرأ، واكتُبْ ما استطعتَ؛ تصير من "الإنسان".
وأحسِن إلى والديْك، وبالأخصّ، والدتِك؛ فلا تكسِر أبداً قلبَها؛ فهو كالزجاج؛ غير قابل للجبْر.
ولا تلتفِتْ عن أستاذك، فبَسْمةٌ منكَ له تسعْدُه إلى الأبد.