الخميس ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم ديما سحويل

رطب النهرين

تعالت أصوات الأطفال في احد احياء بغداد، إنهم يوزعون الحلوى الامريكــان يوزعون الحلوى الامـريكـان يوزعون الحلوى.

سمع بدر من نافذة غرفته ذلك النداء...

وقف عند عتبة المنزل وامسك بيد احد الاطفال الذين يركضون سأله أين هي وجهتك وماهي الحلوى و من يوزعها؟

افلت الصغير من يده ليلحق باصحابه والتفت اليه وصاح: الأمريكان يقفون على باب المستشفى ويوزعون الحلوى على الاطفال هيا اسرع لتحصل على نصيبك منها.

خرجت أخته الصغيرة غدير حافية القدمين تشد يده السمراء: هيا نذهب للحصول على الحلوى.

صاحت جدته من الداخل: بدر اقفل الباب لقد دخل الذباب.

ادخل بدر اخته الصغيرة إلى البيت وأوصد الباب من الخارج وحال دون خروجها للحي.

بدأت الصغيرة بالصياح: اريد الحلوى اريد الحلوى......

أريد أن اذهب معك، وصارت تطرق على الباب من الداخل باناملها الرقيقة.

بدر: غدير ياعزيزتي ساعود بعد قليل ومعي الكثير من الحلوى انتظريني وابداي العد، الم اعلمك كيف تعدين،

اجابته: نعم

بدر: إذن عدي للعشرة وستجديني عندك وبيدي الكثير من قطع الحلوى.

بدأت غدير بالعد 1، 2.... 3 و انطلق بدر واخذ يعدو كالفرس باتجاه بيت صديقه حيدر، راح ينادي بعلو صوته:حيدر حيدر
لم يسمعه حيدر..

طرق الباب بقوة كفيه حيدر حيدر.

فتحت ام حيدر الباب وقفت امامه كالمارد الذي يخرج من المصباح،

صاحت بوجهه ماذا تريد؟ لقد احدثت زلزالا داخل البيت، ماذا تريد؟ ولماذا انت خارج المنزل بالظهيرة؟ أين جدتك عنك؟

تراجع بدر الى الوراء وتلعثم بكلامه ح ي رد در...

صاحت بوجهه مرة اخرى ماذا تريد هل اكلت القطة لسانك تكلم؟

أريد حيدر يا عمة....

ولماذا تريده؟ الم تكونا بالمدرسة معا قبل قليل؟

انهم يوزعون الحلوى!!!!

من؟ وزارة التموين؟

بدر: ها ها هاها، لا إنهم الأمريكان يوزعونها أمام المستشفى التي تقع باول الحي، كل الأطفال حصلوا على نصيبهم من الحلوى.

أم حيدر: ومالنا نحن بحلواهم؟

بدر: إنها لذيذة يا عمة!! ومغلفة بأوراق ملونة براقة..

أم حيدر: لا يا بدر انها مغلفة بدماء شبابنا وشهدائنا اليس والدك ووالدتك...

قاطعها بدر: اوه ه ه يا عمة لا تعقدي الامور الاغلفة الملونة تحوي بطياتها قطع من الشوكلاته الحلوة وليس قطع من اجساد الشهداء...

اننا صغار ومن حقنا كبقية الاطفال ان نتناول السكاكر حتى اني وعدت اختي غدير بقطع من الحلوى...

هيا يا عمة نادي على حيدر نريد ان نحصل على نصيبنا قبل فوات الوقت...

واصلت ام حيدر حديثها معه: ما رايك ان اعطيك ما هو اطيب من الحلوى الامريكية.؟

حقا!!! فتح بدر عينيه السوداوين الواسعتين!! ما هو؟؟

ام حيدر: انتظر وساجلبه لك، غابت ثواني وعادت وبيدها حبتان من الرطب

وقالت له: هاك واحدة لك وواحدة لغديرالصغيرة انها رطب النهرين....

رطب!! رطب!! ماهذا وهل استبدل الحلوى والسكاكر الامريكية بالرطب.

ردت عليه: ان فيهما بركة السماء ايها المعاند، حلواهم مرة يا بدر صدقني حلوى الامريكان مرة يا بدر..

سئم بدر من حديثها وراح يصرخ بعلو صوته حيدررر حيدرررر انا ذاهب الى المستشفى عند ناصية الشارع الحق بي إلى هناك، التفتت ام حيدر الى الداخل فوجدت حيدر يتسلل من الباب الخلفي.

صاحت بعلو صوتها: حيدر أيها الشيطان كيف خرجت؟ سألقنك درسا عندما تعود.

وراحت تصرخ بدر..... حيدر...

حتى غابا عن ناظرها.

اخذ بدر وحيدر يركضان ويضحكان لانهما تمكنا من خداعها.

في طريقهم الى المستشفى كان الكثير من الاطفال يعودون ادراجهم الى الحي وجيوبهم معباة باشهى الحلويات الملونة

وصلا أخيرا حيث الجنود، كان عددا كبيرا من الاطفال المجتمعين حولهم وقف الصبيان بين الجموع حتى تمكنت أيديهما الصغيرة السمراء ان تلتقط من هذا الجندي وذاك الكثير من الحلوى..

ضم حيدر وبدر في احضانهم العشرات من حبيبات الحلوى.

وانسحبا تحت نخلة قريبة من المكان ليستريحا قليلا ويتذوقان الحلوى افترشا الارض القريبة من النهر الذي راح يداعب اقدامهم ظلا يأكلان من هذا النوع وذاك....

فجأة سقطت عليهما حبتان من الرطب!!!

ضحك بدر: هاهاهاهاها

حيدر: ما الذي أضحكك إنها ليست المرة الاولى التي ترى فيها رطبا تتساقط

والتقطهما بدر وقال: خباهما في جيبك.

استغرب حيدر ورفع حاجبيه متعجبا!!!

قال له بدر: لا تستغرب انها هبة من السماء لوالدتك لاانها تقدس الرطب المروية بمياه النهرين... لا تنسى أن تعطيها إياها إنها تفضلها على الحلوى الأمريكية....

ضحك حيدر وتناثرت ضحكات الصبيين وتطايرت بين ثنايا الغيوم.

بعد ان انتهيا من تناول الحلوى، طلب حيدر من بدر العودة لان الشمس بدات بالاختفاء...

نهض بدر واكتشف انه وصديقه التهما كل الحلوى ولم يتبق شيئ لاخته الصغيرة..

ربت على كتف صديقه وقال: انتظرني انت هنا، وساجلب قطعة حلوى لغدير....

حيدر: ولكنك لن تستطيع اختراق الزحام انظر حتى اني بالكاد ارى الجنود

بدر: انتظرني تحت النخلة...

تسلل بدر واستطاع ان يخترق كل الاطفال وحصل على قطع من الحلوى

ركض نحو بدر وكان يلهث

كان حيدر يضحك

سأله بدر متعجبا!!! ما بالك ايها الأحمق؟؟ لم تضحك؟؟

حيدر: هاهاهاهاهاه لقد اقتلعوا نعالك أصبحت حافي القدمين..

نظر بدر الى قدميه المغبرتان تبادل الضحك مع صديقه واعطاه قطع الحلوى وركض باتجاه الجموع بحثا عن نعاله خوفا من ان يقع عليه سخط جدته......

حيدر: بـــــــــدر بـــــــــدر ارجع، ارجع يا بـــــــــــــدر.... لقد انسحبت الشمس من السماء.........

ظل حيدر ينادي ولم يسمعه بدر،لان صوته اختفى مع دوي الانفجار الذي هز ارجاء المكان.

تناثر جسد بدر في المكان

وتناثرت اجساد الاطفال ايضا

تفتت قطع الحلوى وغمست بدمهم النقي.

ظل حيدر تحت النخلة يبكي وينادي على بدر بيده قطع الحلوى لغدير وبجيبه حبتي الرطب لوالدته…

ظلت غدير تعد وتعد ولم يأتها بدر بالحلوى...

ماتت جدة بدر حزنا عليه….

وانتقلت غدير للعيش بدار الايتام..

اما حيدر احتفظ بقطع الحلوى وحبتي الرطب...

وعاد جنود اخرين يوزعون الحلوى على اطفال اخرين في احياء جديدة.....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى