رواء الجوهر عطر لمحيطه
لا شك أن المؤمن يتوجه بيقينه لحضرة الله في كل صلاة و ذكر و دعاء سواء بشكل فردي أو جماعي لا لشيء الا ليروي عطش آنيته الجسدية بما هو جوهر الصلاة من خشوع و حضور يجعل ماء الغيب يسري في عروقه و أنسجة ذاته الروحية بمختلف مقاماتها السبعة، و لا مفهوم للسبعة هنا الا الكثرة ، فذوات الانسان متعددة في الوحدة كما تعددت ألوان قوس قزح التي ما هي في الحقيقة عند العلماء إلا تشتت للون الابيض بسبب قطرات الماء.
جاء في حكم الأوائل : الماء واحد و الزهر ألوان ، فكذلك الصفات الإلهية المتجلية في اسماء الله الحسنى، في تعددها و تنوعها يتعرف بها الله سبحانه و تعالى إلى عباده الصادقين انه الواحد.
تكبير الحق سبحانه و تعالى باللفظ عند بداية الصلاة ليس مقصودا بذاته، بقدر ما أن المقصود هو تكبير الله في قلب العبد اي آنيته حتى تمتلأ بماء الغيب بإفراغ القلب أو الآنية الجسدية من الاغيار مما سوى الحق سبحانه.
آنذاك فقط يبتدأ العبد في إقامة الصلاة قلبيا ، حيث ان الفرق شاسع بين من يؤدي الصلاة كفريضة يحس بها ثقيلة على نفسه و من كبر الله في قلبه عن كل ما سواه فأتت روحه للواد المقدس طوى أو محراب الإجابة الذي كلما دخله العبد وجد عند روحه رزقا قال يا روحي انى لك هذا فتجيبه روحه المتصلة في محرابها هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك يتجوهر العبد و يرتوي، فإذا سلم في ختام صلاته سقى كل من سلم عليه حين الفراغ من صلاته فكانت صدقة إجابة على كل من يحيط به، و هذا يقين كل مؤمن حيث جاء في الحديث فقد رواه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 420) والترمذي (2905)؛ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاسْتَظْهَرَهُ، فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ: أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ الجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ).
ان الفلسفة الروحية للاسلام لهي الحياة الطيبة الحقيقة لو فهمت في عمقها الحقيقي لا في قشرها، فلو استوى المؤمنون احسانا لآتاهم الله الحكمة كما آتاها الانبياء عليهم السلام بنص قول الحق سبحانه " فلما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين" فلا علم نافع بدون طريقة تنزيل و لا تنزيل ينفع بدون علم، و لا يجمع بينهما الا ذو بصيرة هبة منه سبحانه لمن بحث عن جذوة نور الهدى بمحراب روحه على الواد المقدس طوى لعله يجوهر روحه بالصلة بالحي القيوم فيعطر الاجواء حكمة و فراسة و رويَّة و دراية و حنكة و تبصرا.