قبس من جذوة موسى «القراءة»
أليس أُمرنا بالقراءة في ظلمة ليل الجهالة لحكم متعددة و مغاز متنوعة؟ أليس يشير وحي قلم القدرة الى أهمية الاهتمام بالقراءة؟ أليس واعد الاله موسى اربعين ليلة و أَتْمَمَها بعشر ليقتبس من نور وحي الإلهي جُمِع في صحف ليقتبس من جذوتها المؤمنون؟ ليس ذاك لشيء، الا ليتغلبوا على فرعون جهالاتهم التي تنتصب آلهة تسير جوارحهم الى الضلال؟
أليس بنور جذوة موسى "القراءة" تهتدي أعين السائرين في ليل الجهل الحالك؟ ألم ينمو رضيع موسى بفضل جذوة النبوة وسط قصر فرعون الجهالة فكذلك يمكن أن يرتقي رضع القراءة وسط بيداء جهالاتهم ان هم نحروا فرعون الضلال و الجهل بداخلهم؟
لأكل قلب الثمار لا بد من تجاوز القشور الى اللب، بل في كثير من الاحيان نعثر على الجواهر بعد الغوص في أعماق سطوح المحيطات فكذلك جواهر المعاني ينبغي الغوص عميقا للعثور عليها، لكن بطبيعة الحال مع اتقان فن الغطس، و الا لَغرِق النافذ للقعر دون أخذ بالأحوط بالتسلح بالمفيد من الآليات الميسرة للوصول الى المقصد و الهدف.
أمر رسول الاسلام بالقراءة رغم انه أمي، فيه دليل على أن الامر يتجاوز المعنى السطحي لقراءة المكتوب من التراث الانساني، رغم ما فيه من الفائدة، و يتجاوزه و الحالة هاته، الى الامر بقراءة المكتوب بيد القدرة وما سطره الحق في كتاب الكون الذي سيطوى يوما ما كطي السجل للكتاب، انه أمر باستخدام الحِجَى في فهم الحكم و الاسرار الخفية و الظاهرة وراء خلق كل كائن على ارض الوجود سواء كان هذا المخلوق محسوسا أو غير مادي، و الغوص في التفكير و التدبر لغاية الحصول على نتائج و خلاصات تفيد الكائن البشري في اعمار الارض اولا و في سيره في طريق اكتشاف آثار الحق على هذا الوجود.
ليس التراث الديني وحده الذي يرفع شعار التفكر و التدبر و الاعتبار من اجل تسهيل الحياة و تيسيرها على هذا الكائن البشري سواء في شقها المادي او الروحي بل هذا ألبرت أينشتين وجدته يقرر هاته الحقيقة قائلا" لقد خلق الله الكون وفقا لقوانين لا تعترف بالمصادفة أو العشوائية" فهو بتفكيره العميق و تدبره في احوال الكون يقرر نفس الحقائق الدينية المسلم بها مند البداية لدى الموقن بها، حيث انه من المعلوم ان الحق لا يتبع اهواء مخلوقاته و إلا لفسدت السماوات و الارض و من فيهن.
ان التفكر و التدبر لب باطن الفعل الانساني لذلك ينبغي توجيه عقولنا في السبورة الكونية لاختيار ما ينبغي التفكير فيه حتى تأخذ أفعالنا صباغة الارضية التي نمشي عليها بافكارنا ففي النهاية كما ترى الاديبة الامريكية المتخصصة في كتابة القصة القصيرة اليزابيث جيلبرت "انت لست سوى ما تفكر فيه و احاسيسك هي عبد لافكارك و انت عبد لعواطفك".
اذا تأملت ايها القارئ العزيز احوال غير الناجحين تجدهم لا يحسنون اتخاذ القرارات لا لشيء الا انهم لم يعتبروا من التجارب التي تمر أمامهم، فاللبيب من قرأ كتاب الكون و خبر تجاربه ليعرف كيف يجول بدروبه بأمان فلا تفترسه وحوش و لا يسلبه قطاع طرق، لذلك تقول الكاتبة الامريكية من اصل اسباني كوبي أناييز نين "اذا كنت بليدا لدرجة انك لا تستطيع التفكير لنفسك فتزوج" و كلامها بليغ لان فيه اشارة الى ضرورة الاستشارة من الغير عند اتخاذ القرارات حتى من طرف المتمكنين لطرق التفكير.
ان القراءة حسب نفس المفكرة أناييز نين هي "فن الانصات" بمعنى ان الصمت عين الانتباه بسائر الحواس للأخذ و الافادة من سبورة الكون، ان عملية التدبر و التفكر ان تأملناها جيدا، سنجدها سبر لما خفي وراء سطور الكون، من ظواهر المخلوقات، لاستكناه الحكم و الاسرار و التجليات الالهية على هذا الوجود، و هو عين معنى المعراج الفكرى و الروحي المطلوب منا اقتفاؤه اقتداء بالاسوة الحسنة.
أخيرا، كم ينبغي لنا ان ننتبه الى خلع نَعْلَي الجهالة و الغفلة من اجل اثارة انتباه حواسنا و توجيهها لجذوة موسى القراءة بطور سناء السبورة الكونية من اجل تلقي الخطاب الالهي الذي لا يفتأ يخاطب عقولنا القلبية بآياته الكونية بشكل لا يتوقف لاستكناه جواهر معانيها عبر الاجيال.